سلام الخلف.. الطفلة المنسيّة!
بقلم: ندى المحاميد
“إذا بعدها عايشة بتكون صارت صبيّة”.. بهذه الكلمات القاسية والتي تُبكي الحجر افتتحت والدة الطفلة المختطفة سلام الخلف حديثها عندما سألتها عن سلام بعد مرور أكثر من عامين على اختطافها في بلدة الطيبة بريف درعا الشرقي، دون التوصل لأيّة معلومات عنها حتى هذا اليوم.
“سلام حسن الخلف” طفلة صغيرة كانت تبلغ من العمر 9 سنوات عندما خطفها مسلّحين في آذار 2020 أثناء عودتها من المدرسة في بلدة الطيبة، شكّل غيابها مأساة وصدمة كبيرة لدى ذويها وأهل قريتها ومحافظة درعا برمّتها حتى انقطعت الأخبار عنها كلّياً، وبقي أهلها يتحسّرون كلَّ يومٍ على غيابها.
عند سؤال والدة سلام عن الفراغ الذي شكله غيابها عن بيت أهلها “بتعرفي إذا بقلك إنها دايماً معي صوتها بأذني بشوفها بكل جزء من البيت ريحتها بعدها موجودة بأواعيها”.
لم تدّخر عائلة سلام أيّ جهدٍ في البحث عنها دون التوصّل لأيّة معلومات ترشدهم على ابنتهم الغائبة عن منزلها منذ أكثر من عامين.
الوداع الأخير
في إحدى الأيام ذهبت سلام برفقة شقيقها إلى المدرسة، وبعد أن انتهى الدوام توجّهت إلى منزلها مع أصدقائها وكان منزلها بعيداً مسافة كبيرة عن مدرستها، وصل أصدقاؤها إلى بيوتهم وتابعت سلام المسير لوحدها لتصل إلى البيت مثل كل يوم وتخبر والدتها ما حدث معها في الصف من تصفيق وتشجيع على تفوقها.
كان منزلها في منطقة خالية من السكان وفي منحدر ينتهي بمنازل قديمة مهدومة كانت تعود في كل يوم من هذا الطريق المخيف برفقة شقيقها.
وفي العاشر من شهر آذار/مارس 2020 لم تصبر سلام لرؤية والدتها عادت من المدرسة لوحدها ولم تنتظر شقيقها، مضت سلام في المنحدر لوحدها وبعد ذلك اختفت، مضى الوقت ولم تعد سلام، سارعت والدتها في البحث عنها في المدرسة، وعند صديقاتها، لتقول إحداهنّ أنها رأت سلام على المنحدر فقط.
في حين شاهد أهالٍ من القرية أشخاص يستقلون فان من نوع H1 أسود اللون كلون قلوب من فيه وقاموا باختطافها، متنقلاً بسرعة كبيرة بين طرقات القرية حتى خرج منها ولم يعد له أي أثر.
تقول والدة سلام “مو عارفة انو بنتي لما طلعت على المدرسة هذاك اليوم كانت تودعني الوداع الأخير وما عاد أعرف شي عنها، لهسع مو ناسيها بعد أكم يوم عيد ميلادها بـ 29 حزيران”.
أصوات مرتفعة وأمل ضئيل
ضجّت قصة الطفلة المفقودة في أرجاء قرية الطيبة وبادر أهلها بالبحث عنها، تعالت الأصوات في كل طريق وفي كل مدخل من القرية، وفي مكبرات الصوت في كافة مساجدها، هل تسمعيننا يا سلام؟ هل كانت الطفلة البريئة تسمعهم في القرية!
استمر والد سلام بالبحث عنها طيلة العامين الماضيين ووضع مكافأة مالية لمن يدلي بأي معلومة توصله بطفلته المختطفة، وأن ذلك لن يعرضه للمساءلة، كما تعهد للخاطفين بالعفو والمسامحة قضائيًا وعشائريًا إن أدلوا بأي معلومة عن سلام، دون أن تسفر هذه المناشدات المتكررة عن أي نتيجة.
“أحياناً بقولوا يمكن تكون واقعة بشي بير مهجور لأنو في بطريقها آبار بين الشجر، طيب أواعيها يلي طلعن بعد شهر هنا لحالهن طلعن من البير؟ لو حدا بس يحكي شو يلي صار مع بنتي”، بحرقة شديدة تكمل والدة سلام سرد ما يتردد على أسماعهم بين الحين والآخر.
وعثر أهالي بلدة الطيبة على ملابس سلام وحقيبتها المدرسية ممزقة بعد شهر من فقدانها ضمن أحد الحقول الزراعية البعيدة عن البلدة، دون التوصّل إلى أي معلومات غيرها.
ركضت والدتها لتتأكد أن هذا ثوب سلام فعرفته من رائحتها وكتبها وحقيبتها وبكت حتى انهارت تبحث عن طفلتها في كل حفنة تراب من المزرعة، أين سلام؟ هل أكلها الحيوان الثعلب؟ أم أكلها الإنسان الثعلب؟
خلّفت سلام ذكريات جميلة وحزينة مع والدها ووالدتها.. يمشي والدها في الطيبة تائهاً يبحث عن أملٍ يوصله لطفلته ذات الشعر الأسود الداكن والعينان الواسعتان والفم الوردي المبتسم دوماً للحياة.
صرّح والدها بصوت حزين شجي ووجهٍ متعب “أنا والد الطفلة سلام أناشد من كان سبب في اختفاء ابنتي أن يعيدها إلينا رجعولي بنتي وحيدتي وأنا أتكفل له السلامة عشائرياً وقضائياً وكل الجهات بس رجعولي وحيدتي)، وصرّحت والدتها “بناشد أهل حوران بناشد كل الناس إذا حدا بيعرف شي عن بنتي هاي ماعينها ناطريتها وكتبها ناطريتها”.
كانت سلام أجمل حلم لوالديها وقد ولدت بعد عناء، كانت فرحة والديها وأملهم في هذه الحياة، مُدلّلة العائلة لشدة لطفها وجمالها الحوراني الأصيل، من المتفوّقات في مدرستها وكانت صديقة الجميع في المدرسة.
انتشرت قصة سلام في حوران قاطبة، تحرّكت السيارات والدراجات النارية وأهل النخوة صغيرًا وكبيرًا في كل منطقة من حوران يبحثون عن سلام بسؤال واحد هل رأيتم طفلة شعرها متدلي طويل أسود وعيناها واسعتان؟ انشغل أهالي حوران جميعهم بالبحث عن ابنتهم سلام ولكن لا أثر لها.
الخطف مقابل الفدية المالية.. ماذا عن سلام؟
لم تكن سلام هي الطفلة الوحيدة التي تتعرض للخطف في حوران، فقد سجلت العديد من حوادث ومحاولات اختطاف أطفال في محافظة درعا، منهم الطفل فواز قطيفان في الثاني من تشرين الثاني 2021 والذي أطلق سراحه في شباط 2022 بعد أن تحولت حادثة اختطافه لقضية رأي عام عقب انتشار شريط مصوّر يظهر فواز وهو يتعرض للضرب المبرح من العصابة الخاطفة ويصرخ “مشان الله لا تضربوني”.
دفع ذوو فواز مبلغ مالي يقدر بـ 110 آلاف دولار أمريكي للعصابة الخاطفة حتى أفرجوا عن الطفل البريء، لكن الفرق في حادثة اختطاف سلام أنّ خاطفوها لم يتواصلوا مع ذويها ولم يطلبوا أي مبلغاً من المال!
وفي 13 أيلول 2021 عاد الطفل “أمير رشيد” (9 أعوام) إلى ذويه في قرية تبنة شمالي درعا، بعد اختطافه لأربعة أشهر من قبل مسلحين مجهولين، بعد دفع ذويه مبلغ 35 مليون ليرة سورية للعصابة الخاطفة لقاء الإفراج عنه.
رغم مضي أكثر من عامين على اختفاء سلام، لازال أهلها على أمل اللقاء بها مجدداً فوالدتها تنهار بالبكاء على فقدان طفلتها، ذبلت عيناها وتجعدت بشرتها ونحل جسمها ولا تتناول إلا بضع لقيمات لتكمل حياتها بألم وحرقة.
أما عن أشقاء سلام الصغار مازالوا يسألون والدتهم عنها ومازالت في ذاكرتهم وينتظرون عودتها وكذلك قطتها التي كانت تعتني بها لتنام في حضنها تفتقدها أيضًا وتنتظر عودتها، وما زال الأمل أن تعود سلام ويعود السلام إلى قرية الطيبة وأهلها الطيّبون.