الثقوب الإيرانية السوداء في درعا.. من الاقتحام للاخفاء والقتل!
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
منذ الأيام الأولى للثورة السورية، تدخلت إيران وحزب الله اللبناني من خلال إرسال مستشارين أمنيين كانت إحدى أبرز مهامهم تشكيل مجموعات محلية يتم انتقاء قادتها وعناصرها بعناية كبيرة، ليشكلوا ذراعا طويلا من الناحية المكانية والزمانية في درعا وريفها.
فبحسب الواقع الخاص بالنمط العائلي والعشائري لدرعا، وجد المستشارون الإيرانيون بعد دراسات بالتعاون مع فرع الأمن العسكري صاحب الخبرة الطويلة، باختيار شخصيات منذ البداية وترك شخصيات لتوظيفها في الوقت المناسب كما حدث بعد توظيف عدد من القيادات والعناصر بعد العام 2018.
واستغل الإيرانيون عددًا من الشيعة من أبناء درعا خاصة من بصرى الشام وعدد محدود من طفس، وشخصيات قيادية محلية معارضة، وعمد هؤلاء في اختيارهم لضرب كبرى العائلات في درعا بأبنائها لعلمهم أن العصبية العشائرية والعائلية تتمتع بقوة كبيرة في درعا، وبالتالي فستكون هذه العائلات والعشائر بمثابة غطاء لعمليات إجرامية يتم ارتكابها بحق معارضي النظام السوري والتمدد الإيراني.
العديد من الشخصيات التي دفع بها النظام والإيرانيون إلى الواجهة في درعا كمنفذين لعمليات الاغتيال والخطف، ما جعلهم يتصدرون حتى الإعلام المحلي المعارض في المحافظة في حين أُبعد البعض منهم عن الإعلام في الوقت الذي أصبح فيه هؤلاء ثقوباً سوداء بالنسبة للأهداف التي يُراد تصفيتها أو إخفاؤها.
راني جابر من طفس إلى “العرين”
لم تمض أيام على اندلاع المظاهرات في محافظة درعا في آذار/مارس 2011، حتى سارع البعض بالانخراط في صفوف الأجهزة الأمنية السورية كمخبرين وقتلة، وكان من بينهم “راني جابر” من مدينة طفس في ريف درعا الغربي.
يروي أحد شهود العيان لـ”تجمع أحرار حوران” أنه بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2011 خلال الاجتياح الكبير لمدينة درعا ولدرعا البلد، كانت مجموعات تابعة للأجهزة الأمنية تقوم بمداهمة وتفتيش المنازل في درعا المحطة، وخلال أحد الحملات في حي المطار، دخلت مجموعة كبيرة للأمن العسكري الذين كانوا يضعون قطعة قماش بلون أخضر على الكتف لتمييزهم، وكان على رأس المجموعة راني جابر الذي عرفه العديد من سكان الحي بأنه من طفس، مضيفًا أنه كان يتعامل بحقد مع أبناء المدينة أكثر من بقية عناصر الأمن.
ينحدر راني جابر من مدينة طفس، وهو من الطائفة “الشيعية”، فبعد انطلاق الثورة السورية انضم إلى اللجان الشعبية، ومن خلال علاقاته التي بناها مع ضباط النظام تمكن لاحقًا من الالتحاق بقوات الدفاع الوطني التي ترتبط بالميليشيات الإيرانية، حيث استطاع التقرب منهم مذهبيًا، ما دفعهم لنقله إلى اللواء 313 التابع لإيران والذي كان قد شُكل حديثًا ليتولى رئاسة قسم التجنيد في اللواء لتكون هذه المرحلة نطقة فارقة في مسيرته الإجرامية بحق أبناء درعا.
اعتقل راني جابر من قبل قوات النظام عام 2015 بتهمة جنائية، وبحكم علاقاته المتينة مع الإيرانيين وحزب الله اللبناني فقد تدخلوا وأطلقوا سراحه، ليشكّل في ذات العام كتيبة أطلق عليها اسم “الهادي” في العام 2015، وكانت تتلقى دعمًا مباشرًا من الحرس الثوري الإيراني، حيث اتخذ لعناصره عدة مقرات على أوتوستراد “دمشق – عمّان” الدولي، وضم لكتيبته العديد من العناصر المحليين.
وقاتلت الكتيبة إلى جانب قوات النظام والميليشيات الأخرى في معظم المعارك في درعا، حتى تم حلها بعد عملية التسوية في 2018، لينضم راني وعناصره إلى فرع الأمن العسكري بدرعا “شكليًا” ليكونوا قادرين على التنقل بحرية وبشكل رسمي، لكن بقيت تبعية المجموعة للحرس الثوري الإيراني وضمن قوات “العرين” اللواء 313 سابقًا.
في الحملة الأخيرة التي شنتها قوات النظام على مدينة طفس، في 27 تموز/يوليو 2022، شاركت مجموعة راني جابر في الحملة ضمن قوات “العرين” كقوات رديفة للفرقة 15 قوات خاصة التابعة للنظام السوري.
لم ينحصر دور جابر في القتال، فقد تمكن بحكم انحداره من مدينة طفس من تشكيل خلايا تقوم بعمليات الخطف والاغتيال، مكونة من عناصر محلية، وبحسب معلومات “تجمع أحرار حوران” فإن هذه الخلايا متفرقة ولا تعرف بعضها، وتتلقى أوامرها من جابر بشكل شخصي، حيث يعمل الأخير وفق الأسلوب الإيراني، بحيث يكون قادرًا على التخلص من هذه الخلايا في الوقت الذي يعتقد أنها باتت قريبة من الانكشاف، عبر ضربها ببعضها.
وفق معلومات حصل عليها تجمع أحرار حوران فإنّه يجري إعداد جابر للسيطرة على مؤسسات مدنية في العاصمة دمشق والجنوب السوري من خلال توظيف الشيعة في مراكز القرار بهدف إقامة مشاريع إنتاجية ضخمة لصالح إيران.
سامر عمران ثقب المدينة الأسود
في سوريا وحدها، لا يرتبط القرب من القيادات الأمنية العليا بالتراتبية العسكرية، وإنما يرتبط بالقدرة على تنفيذ المهمات الصعبة والجرائم الدقيقة والمهمة، فأمجد يوسف مرتكب مجزرة “التضامن” في دمشق لم يكن ضابطًا في الأمن، إنما كان صف ضابط برتبة مساعد، في الأمن العسكري ممن تلقوا تدريبًا خاصًا في مدرسة ميسلون للاستخبارات العسكرية.
في درعا برز اسم “سامر عمران” خلال السنوات الأربع الأخيرة أي بعد عملية التسوية، حتى ساد اعتقاد أن عمران ضابط في الأمن العسكري لا يقل أهمية عن رئيس الفرع “لؤي العلي”.
سامر عمران، صف ضابط في الأمن العسكري برتبة مساعد، وخريج ذات المدرسة التي تخرج منها أمجد يوسف، وهو تلميذ العميد “وفيق ناصر” رئيس فرع الأمن العسكري السابق في درعا والسويداء والذي كان أحد مسؤولي الدراسات والتحقيق في ذلك الوقت.
بعد انتقال ناصر من درعا وسيطرة لؤي العلي على الأمن العسكري في درعا والسويداء، بات سامر عمران أحد الأذرع الضاربة للعلي وللميليشيات الإيرانية في مدينة درعا وفي درعا البلد.
تمكن عمران من تشكيل مجموعته الخاصة، والتي تضم إلى جانب مقاتلين من بقية المحافظات، مقاتلين من أبناء مدينة درعا بشكل خاص، بعضهم كان ضمن قيادات المحافظة ومن أبرزهم القيادي “وسيم اعمر المسالمة”، والقيادي “شادي بجبوج” الملقب محليًا بـ”العو” والتي أصيب بجروح بليغة أسفرت عن بتر قدميه باستهداف سيارته بعبوة ناسفة قرب مدينة درعا في 9 شباط 2022، والقيادي “مصطقى قاسم المسالمة” الملقب محليًا بـ”الكسم” الذي تعرض لعدة محاولات اغتيال نجا منها.
وتعمل مجموعات عمران في اتجاهين، ولكن ضمن هدف واحد وهو التخلص من كل معارضي النظام والميليشيات الإيرانية في كل من مدينة درعا وفي أحياء درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا، إضافة لعمله في الإشراف على نقل شحنات المخدرات عبر الحدود.
ويتمتع سامر عمران بصلاحيات واسعة جدًا في درعا في عمليات الخطف والإخفاء القسري للأشخاص الذين لا يريد النظام إجراء أي تفاوض من أجلهم إضافة إلى تصفية المعارضين بشكل دقيق جدًا من خلال غرفة عمليات مشتركة في درعا المحطة بين ضباط من أجهزة النظام الأمنية وقياديين من ميليشيا حزب الله اللبناني.
وقد استطاع عمران من خلال تجنيد أشخاص داخل أحياء المدينة ودرعا البلد من تصفية أهم القيادات والعناصر السابقين في المعارضة، ويعتقد أنه من خلال العناصر التابعين له تمكن من تحديد مكان القيادي “محمد هلال زطيمة” الملقب “أبو مهند زطيمة” في حي طريق السد خلال حملة النظام العسكرية في العام الماضي ما أدى لاستهداف المكان الذي كان يتواجد فيه بقذيفة بشكل دقيق ما أدى لاستشهاده.
وبالإضافة لعمليات الاغتيال والتصفية الدقيقة التي تنفذها مجموعات سامر عمران، فإنه يدير أحد أهم السجون السرية في محافظة درعا بالقرب من دوار البانوراما بمدينة درعا، والذي يقوم فيه باستجواب المعتقلين ثم تصفيتهم ورمي جثثهم بمناطق محددة قريبة من درعا البلد أو السد أو مخيم درعا.
اقرأ أيضاً.. عمليات خطف جديدة “بلا ضجّة” في درعا..!
لا تنحصر الثقوب الإيرانية السوداء في درعا براني جابر وسامر عمران، فهناك العديد من الشخصيات التي تأتي في المرتبة التالية لهؤلاء من أبرزهم “محمد علي اللحام”، و “عماد أبو زريق”، وهم من أبرز عرابي الاغتيالات والخطف في المحافظة.