أثر الاغتيالات في درعا على السلم الأهلي والهجرة.. ما دور العشائر؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
تستمر عمليات الاغتيال، والإعدام الميداني وباتت تشكل واجهة الأخبار في محافظة درعا منذ تموز/يوليو 2018، أي منذ التسوية الأولى والتي فتحت الباب على مصراعيه لدخول العديد من الأطراف إلى المحافظة وعلى رأسها الميليشيات الإيرانية التي تمكنت من تشكيل عدد كبير من خلايا الاغتيال، سواء من عناصر سابقين من تنظيم داعش اعتقلتهم قوات النظام ثم أفرجت عنهم ليكونوا سكيناً بيدها ضد أبناء المحافظة، أو من المقاتلين السابقين وغيرهم ممن انتسبوا لهذه الميليشيات مقابل امتيازات تتعلق برواتب ومكافآت والسماح بتجارة المخدرات وإن كانت على نطاق ضيق.
الميليشيات الإيرانية، ومعها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام يدركون عن خبرة سابقة كيفية التعامل مع المحافظة من خلال استغلال تركيبتها العشائرية والعائلية، والتي عادة ما ترفض لدى غالبيتها الإقرار بانخراط أبنائها في ارتكاب هذه الجرائم، وتمكنت هذه الأطراف من استمالة عدد من الشخصيات العشائرية والعائلية التي باتت تشكل غطائًا لعدد من أفراد مهمين في خلايا الاغتيال، وهذا ما سيؤدي على المدى القريب أو المتوسط لضرب السلم الأهلي في المحافظة وتفجر الأوضاع التي من الممكن أن تتحول في النهاية لاقتتال عشائري.
من جهة ثانية كان لعمليات الاغتيال وخاصة في النصف الثاني من العام الحالي دور واضح بدفع الشبان من محافظة درعا للهجرة، دون النظر إلى الخطورة المنتظرة في الطرق التي سيتم سلوكها سواء عبر البحر أو عبر تركيا أو أي طرق أخرى، فيما بات واضحا أنه جزء من المشروع الإيراني الرامي لتفريغ المحافظة ليسهل فيما بعد إجراء تغييرات ديموغرافية وسكانية.
هل يستفيد الجميع من عمليات الاغتيال؟
بعد أن كانت عمليات الاغتيال في الفترة التي تلت التسوية حكرًا على النظام والميليشيات الإيرانية وخلاياهم، لم تعد كذلك منذ مطلع العام الحالي، إذ تساهم جميع الأطراف بهذه العمليات ما يدفع للقول بأن جميع الأطراف على الأرض باتوا يتخذون منها وسيلة غير معلنة لصراع يبدو أنه سيكون طويلا.
اقرأ أيضاً.. “الاغتيالات في درعا” عمليات ممنهجة تحصد أبناء المحافظة
فبالرجوع إلى أعداد العمليات والشخصيات المستهدفة يُلاحظ أن هناك نسبة لا تقل عن 35 بالمئة من الأهداف التي يتم تصفيتها هم من أتباع الميليشيات الإيرانية والنظام، من بينهم منفذو اغتيالات أو تجار مخدرات، أو مخبرون أو حتى مسؤولون بعثيون ارتبطوا بإيران مذهبيًا إضافة لارتباطهم بالحزب الحاكم عقائديًا، وهذا يعني بالنتيجة أن الاغتيالات أصبحت وسيلة للحد من السطوة الإيرانية في المحافظة عبر استهداف أذرعها.
وفي سياق موازٍ تستمر الميليشيات وأجهزة النظام الأمنية عبر أذرعهم باستهداف الشخصيات المعارضة والقياديين، إضافة إلى عمليات الاغتيال النوعية التي تستهدف الشخصيات المؤثرة في المحافظة والتي تعمل كمحرض ضد المشروع الإيراني.
اللعب على وتر العشائر
العديد من المعلومات التي حصل عليها “تجمع أحرار حوران” تشير بشكل خطير إلى ضلوع بعض العشائر والعائلات بالاغتيالات وذلك من خلال حماية عدد من القادة المحليين التابعين للأجهزة الأمنية والميليشيات الإيرانية، حيث يعيش هؤلاء القادة في بيئة حاضنة عائلية تحميهم كلما حاولت الأطراف المعارضة النيل منها.
فهناك على الأقل ثلاثة قياديين، كانوا في السابق ضمن صفوف المعارضة والتحقوا بعد التسوية بالأمن العسكري، ويعملون اليوم على تنفيذ أجندات تتعلق بالاغتيالات، والخطف، وتجارة وتهريب المخدرات، ويعيش هؤلاء القياديون في مدنهم ومناطقهم وبين عائلاتهم الكبرى “عشائرهم” التي تلقي بعباءة حمايتها عليهم، ولم تتمكن حتى الآن من إصدار بيان إدانة لأفعالهم الإجرامية.
شاهد أيضاً.. عبد العزيز الرفاعي.. أحد أذرع إيران العشائرية في درعا
وفي هذا السياق، يستغل النظام هذه الناحية ببراعة كبيرة، فمن جهة يقوم هؤلاء الأشخاص بخدمته وخدمة المشروع الإيراني، ومن ناحية ثانية فالنظام يذهب في تخطيطه لأبعد من ذلك.
إذ يهدف لضرب السلم الأهلي في المحافظة من خلال التحضير للحظة انفجار شبيهة بتلك التي جرت في السويداء عندما لاحقت فصائل الجبل مجموعة “راجي فلحوط” التابعة للأمن العسكري، والتي أنكر النظام بعد تفككها ارتباطها به وتحدثت وسائل إعلامه عنها بأنها مجموعة إجرامية وأن فلحوط مطلوب للقضاء بتهمة ارتكاب العديد من الجرائم، وهذا ما سيحصل في درعا بالنسبة لهؤلاء القياديين في مرحلة ما.
ولكن في مقابل ذلك، هناك خوف كبير لدى العشائر، وهو خوف مركب من عدة أمور، فمن جهة هي غير راضية عن ارتكاب أبنائها جرائم لصالح النظام، ومن جهة أخرى، تخشى أن يتسبب قضاء أي طرف على القيادات من أبنائها إلى توسيع الشرخ بينها وتحول الأمر إلى حرب عشائرية لا تنتهي أبدًا وفي التاريخ عبر كثيرة لاقتتال العشائر الذي يختلف عن الثورة، كما أنها لم تستطع أن تضع حدًا لهؤلاء القادة ما جعلهم يتمادون في تهديد أهلهم.
اقرأ أيضاً.. كيف اخترقت إيران العشائر في جنوب سوريا؟
حاول النظام خلال السنوات الماضية تكرار التجربة الأميركية في العراق، فعلى غرار الصحوات في العراق التي حاول الأمريكيون تشكيلها من عشائر بعض المناطق لمحاربة الثوار بعيد احتلال العراق، حاول النظام بعد تسوية 2018 إعادة نفس التجربة في حوران، من خلال تشكيل مجموعات مسلحة نجح في الإبقاء على قسم منها وهي مرتبطة بالأمن العسكري والفرقة الرابعة، ولكن كانت هناك محاولات أكبر من ذلك.
فقد عمد النظام عبر لجنته الأمنية إلى استمالة وجهاء من حوران من عشائر كبيرة، والاتفاق معهم على تشكيل ما يعرف بـ” مجالس شورى العشيرة” والتي تتكون من رئيس مجلس شورى، ورئيس للمكتب السياسي، وآخر للعسكري، وتنظيم أبناء هذه العشائر، في ميليشيات مسلحة مرتبطة بشكل غير مباشر بالفرقة الرابعة في ريف درعا الغربي، لتكون بديلًا لقوات الفرقة من خارج المحافظة على حواجز المنطقة ولحماية مصالح النظام فيها.
لكن جهود النظام لم تفلح بتحقيق هذا الأمر كما أراد بسبب رفض قسم كبير من أبناء العشائر لتلك الفكرة، واعتراضهم عليها بشدة، وظهور بوادر انشقاق كبيرة آثر الجميع في النهاية عدم القبول بما يريد النظام، والذي اكتفى بمجموعات أمنية صغيرة فقط.
الاغتيالات والهجرة
يرتكز المشروع الإيراني في درعا على مجموعة من الأسس التي لا بد من تحقيقها لنجاحه، ومن بينها تفريغ المحافظة من سكانها بأكبر قدر ممكن وخاصة فئة الشبان، حيث يعتقد الإيرانيون أن عدم قدرتهم على استمالة هؤلاء الشبان ستجعل منهم في مرحلة لاحقة مقاتلين معارضين لهذا المشروع.
لذلك بدأت عمليات الاغتيال خلال الأشهر الأخيرة تطال الشبان من المدنيين، ممن لم يسبق لهم الانتساب لأي جهة عسكرية سواء للنظام أو فصائل المعارضة، وبالتوازي مع ذلك قدّم النظام تسهيلات كبيرة لهم للخروج من البلاد، عبر تسهيل الحصول على جوازات السفر وعدم اعتراض سفرهم عبر مطاراته على الرغم من أن معظمهم مطلوبون للخدمة العسكرية.
فالرسالة التي يوجهها النظام والإيرانيون لأبناء المحافظة إما الهجرة ومغادرة البلاد أو القتل، إذا فهي خطة ممنهجة يتم العمل عليها بشكل محكم للغاية.
اقرأ أيضاً.. تحقيق: “تجارة بالأرواح”.. في هجرة أبناء الجنوب السوري
أما بالنسبة للحلول حول ما يجري في درعا، فمهما تعددت حاليًا تعتبر حلولا مؤقتة، أبرزها تعرية الشخصيات التابعة للأجهزة الأمنية والخلايا المنخرطة معها في عمليات الاغتيال، وكشفهم إعلاميًا وهذا الأمر سيحد من تحركاتهم، إضافة لذلك لا بد من مطالبة عشائر وعائلات المحافظة برفع غطائها عن هؤلاء الأشخاص ومجموعاتهم وعدم تقديم الحماية لهم.
وللحد من عمليات الاغتيال على مستوى المدن والبلدات، وخاصة بعد التجربة خلال الأيام القليلة الماضية في مدينة جاسم، لا بد من إنشاء مجموعات محلية في كل مدينة أو بلدة تقوم بمراقبة مداخل ومخارج المدن والبلدات، ومراقبة الغرباء وعدم السماح لمن هو مشكوك في أمره بالسكن واستئجار المنازل أو المزارع.
اقرأ أيضاً.. جاسم: المجموعات المحلية تمنع تأجير المنازل للغرباء
وبالنتيجة مهما تم الحد من عمليات الاغتيال فلن تتوقف بشكل نهائي، فالمطلوب في النهاية هو حل شامل للقضية السورية يترافق بإيصال كل مرتكبي كل لجرائم لقضاء عادل.
لا يبدو أن مرحلة الفوضى ستنتهي قريبًا في درعا، ولكن العملية التي ينفذها المسلحون المعارضون في جاسم تعتبر نقلة نوعية في الصراع من الدفاع إلى الهجوم، والتي إذا عممت على بقية مناطق المحافظة ستحدث توازنًا على الأقل يفقد النظام والإيرانيين قدرتهم على التحرك وتطبيق مشروعهم بسهولة.