إلى متى ستبقى داعش شماعة النظام في المنطقة؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
أحداث جاسم الأخيرة جاءت على أهمية كبيرة، حيث استطاعت إثبات العلاقة بين تنظيم الدولة والنظام السوري بدعم من إيران، بشكل لا يقبل الشك، فقد استطاع أبناء المدينة مع مقاتلين من مناطق أخرى من درعا مداهمة عدد من أوكار التنظيم في المدينة ومحيطها ونجحوا بسحب البساط من تحت النظام الذي اعتاد اتخاذ التنظيم حجة لحصار المناطق واقتحامها.
لكن العملية الأمنية في جاسم كشفت ما لم يكن يتوقعه النظام، إذ نشر أبناء المدينة شريطًا مصورًا لقيادي في التنظيم، يؤكد علاقتهم بالأمن العسكري، ويتحدث فيه عن لقائه برئيس فرع الأمن العسكري، العميد لؤي العلي، وتوجيهه له بتصفية عدد من أبناء جاسم بينهم معارضون.
العلاقة القديمة
العلاقة بين تنظيم الدولة والنظام وإيران، ليست جديدة بل تعود إلى بداية تشكيل التنظيم في درعا، وترتبط بقدوم قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني إلى درعا، عندما قام بتشكيل غرفة عمليات منطقة “مثلث الموت”.
في كانون الأول/ديسمبر من العام 2019، ظهرت تسريبات ضمن تسجيلات فيديو لقياديين من التنظيم، فسّرت جانبًا من العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، منها ما يتعلق باغتيال الأمير العام للتنظيم “أبو هاشم الإدلبي”، ومنها ما يثبت علاقة التنظيم بمكتب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني في سوريا، ودعمه وتسهيله للعديد من أمور التنظيم، مقابل خدمات عديدة منها عمليات اغتيال نُفذت خلال عامي 2016 و2017، وعمليات نفذها التنظيم في الأعوام اللاحقة، من خلال خلايا شكّلها التنظيم بدعم من الإيرانيين.
أظهرت المقاطع المسربة آنذاك، أربعة قياديين من “جيش خالد بن الوليد” في أثناء التحقيق معهم من قبل التنظيم نفسه، والذي قام بإعدامهم مع ثلاثة عناصر في مطلع أيّار/مايو 2017، بعد أن أدلوا بمعلومات عن اغتيال أمير التنظيم، وعلاقتهم مع مكتب سليماني، وتلقيهم مساعدات، وقيامهم بتشكيل خلايا نائمة في المنطقة، وهم أبو عبيدة قحطان، نضال البريدي، نادر القسيم، أبو تحرير الأردني، خالد الجمال، عدي القسيم، وعصام خالد الصالح.
القيادي قحطان حج داوود، المعروف بـ “أبو عبيدة قحطان” هو من مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين، وهو أحد الذين قاتلوا في أفغانستان ضد السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي، مع من عرفوا باسم “المجاهدين العرب”، ثم أصبح أحد المرافقين الشخصيين لعبد الله عزام، مع شخص آخر من مدينة درعا يدعى “كساب المسالمة”، وكلاهما توجه إلى درعا مطلع العام 2013، بهدف تشكيل ما عرف بـ “لواء شهداء اليرموك” في حوض اليرموك، بقيادة محمد سعد الدين البريدي الملقب بـ “الخال” ثم تحوّل اللواء إلى “جيش خالد بن الوليد” لاحقًا، وبايع تنظيم “داعش”، واغتالت هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة آنذاك” البريدي عام 2016، وأصبح “أبو هاشم الإدلبي” القادم من شمال سورية أميرًا للتنظيم.
قحطان تحدث آنذاك، عن اتصالات جرت عام 2016، بين نضال البريدي، القائد العسكري للتنظيم ومندوب عن قاسم سليماني؛ بهدف تشكيل خلايا نائمة جديدة، وضم خلايا شكّلها الإيرانيون قبل ذلك تحت قيادة واحدة، تهدف إلى اغتيال الأشخاص والقيادات المؤثرة في منطقة حوض اليرموك، وأكد قحطان في حديثه أن البريدي أخبره بذلك، وأن أول قائمة للاغتيالات وصلت من سليماني للبريدي في تلك الآونة، مع مبلغ 35 ألف دولار.
أما نضال البريدي، شقيق مؤسس التنظيم، فقال خلال الحديث المسرب، إنّ “حزب الله” وإيران أرادوا تشكيل خلايا لهم في حوض اليرموك، مع تقديم تمويل إغاثي وعسكري لها، وعقد البريدي أول اتفاق مع الإيرانيين، لتسليمهم طائرة تجسس تابعة لهم أسقطها التنظيم، مقابل مبلغ 1.5 مليون دولار، ثم تم تعديل الاتفاق ليصبح تسليم الطائرة مقابل نقل مقاتلي تنظيم “داعش” من الحجر الأسود جنوبي دمشق إلى حوض اليرموك، وأكد البريدي أنه أرسل إلى سليماني أسماء عناصر الخلايا النائمة، بواسطة كرت ذاكرة “فلاشة”.
نادر القسيم، مدير سجن جيش خالد، تحدث في ذلك الوقت، في التسجيل المسرب، عن اتفاقه مع نضال البريدي على تنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة، كان أولها ضد الأمير الأمني للتنظيم المدعو “أبو البراء الأمني” في حين أن البريدي كان يخطط لاغتيال “الأمير العام” للتنظيم “أبو هاشم الإدلبي”، وقام بتنفيذ العملية فعلاً في تشرين الأول/أكتوبر 2016 إثر انفجار استهدف سيارته على الطريق الواصل بين بلدتي عابدين وجملة غربي درعا.
عملية اغتيال الإدلبي تحدث عنها ناصر قاسم سليمان الشطناوي “أبو تحرير الأردني” بعد لقائه بنضال البريدي الذي طلب منه زرع لغم متفجر على الطريق الواصل بين بلدتي جملة وعابدين، من أجل إثارة الفوضى، واعدًا إياه بأنه سيصبح القائد العسكري للتنظيم، وكان اللغم لاغتيال أمير التنظيم الإدلبي.
مصادر متطابقة أشارت إلى أن التحقيقات مع قياديي “جيش خالد” جرت عام 2017 بعد استكمال سيطرة التنظيم على بلدات تسيل، عدوان، والشجرة في حوض اليرموك، وتم تسجيلها آنذاك، وأن إعدامهم جاء للتغطية على العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، ولتحميلهم إعلاميًا هذه العلاقة، بينما استمرت تلك العلاقة حتى سيطرة النظام على المنطقة، في نهاية تموز/يوليو 2018، ليتحول شكل العلاقة بين التنظيم وإيران إلى تبعية خالصة لإيران.
العلاقة الحالية محورها الاغتيالات
بعد سيطرة النظام على منطقة حوض اليرموك في 2018، اعتقل المئات من عناصر تنظيم “داعش” في المنطقة، ولم تمضِ عدة أشهر حتى أطلق سراح العشرات منهم بموجب اتفاقات بين الطرفين وبإشراف إيراني لتصفية الشخصيات المعارضة للمشروع الإيراني في المحافظة.
اقرأ أيضًا.. مهام أمراء داعش في درعا من الفتك بجسد الثورة إلى سجون الأسد ثم لصفوف قوّاته
وبعد عملية التسوية، أوكلت عملية تصفية المعارضين إلى العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري، الذي استطاع إمساك جميع الخيوط بيده في درعا، من خلال ارتباطه القوي بالنظام في دمشق من جهة، وارتباطه بالميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، كما استطاع الإمساك بخيط تنظيم “داعش” وتوظيف قياداته وعناصر لصالح عمليات الاغتيال لقادة وعناصر المعارضة الذين يرغب بتصفيتهم.
وخلال السنوات الأربع الماضية، تمكّن العلي عبر خلايا “داعش” وخلايا أمنية أخرى شكلها كل من النظام والميليشيات الإيرانية، من تصفية المئات من أبناء المحافظة بينهم قياديون وعناصر من المعارضة، إضافة إلى عدد من الشخصيات المؤثرة والتي كانت تدعو لمقاومة المشروع الإيراني، إضافة لشخصيات موالية للنظام يرغب النظام بالتخلّص منها.
أحداث جاسم، أكدت متانة علاقة التنظيم بلؤي العلي، وميليشيات إيران، حيث اعترف القيادي في تنظيم “داعش” رامي الصلخدي، الذي اعتقله عناصر محلّيون بتورط عناصر التنظيم في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية وإيران، طالت عددًا من المعارضين من بينهم الشيخ محمد جمال الجلم “أبو البراء الجلم”، كما اعترف الصلخدي باجتماعه مع العميد لؤي العلي، الذي طلب منه اغتيال شخصيات من أبناء مدينة جاسم، وإدخال عدد من عناصر تنظيم “داعش” إلى جاسم بتنسيق مع ابن عمه نضال الصلخدي المرتبط بقيادات من “حزب الله” اللبناني.
اقرأ أيضًا.. حاكم درعا وشركاؤه !
في محاولة من العلي للتغطية على الفضيحة، لجأ يوم الإثنين الماضي إلى تهديد أهالي بلدة اليادودة خلال اجتماع معهم باقتحام البلدة وشن عملية عسكرية فيها، بذريعة وجود عناصر من خارجها ينتمون لـ”داعش”، فيما نفى أبناء البلدة وجود أي عناصر غريبة في البلدة، مبيّنين أن هذا الاتهام بات أسلوب العلي للمدن والبلدات التي لا تزال ترفض وجود قوات النظام فيها، سواء تواجد فيها عناصر من التنظيم أم لا.
يوم الثلاثاء استقدم نظام الأسد حشودًا عسكرية تابعة للفرقة 15 إلى محيط بلدة اليادودة مكونة من 3 دبابات وعدد من جنود الفرقة، إضافة إلى ميليشيا محلية مزدوجة العمل حيث تتبع للأمن العسكري إداريًا، وتعمل لحساب “الحرس الثوري” الإيراني، بقيادة “مصطفى المسالمة” الملقب بالكسم والمرتبط بـ”الحرس الثوري” الإيراني مع أحد أقاربه القيادي وسيم اعمر المسالمة.
وجهاء بلدة اليادودة، أصدروا مساء الثلاثاء، بيانًا طالبوا فيه الأهالي الذين أجّروا منازلهم لأشخاص من خارج البلدة إحضار المستأجر وتسجيل اسمه عند اللجنة المكلفة في مقر البلدية للبت في أمر إقامته أو مغادرته من المنطقة، محمّلًا كل من يمتنع عن الحضور المسؤولية المترتبة على ذلك.
حتى الآن لم يشن النظام عملية عسكرية في اليادودة، لكن بحسب مصادر “تجمع أحرار حوران”، فإنه يسعى لوضع نقطة عسكرية على الأقل قرب البلدة، كما فعل في جاسم حيث استطاع إنشاء نقاط عسكرية في محيط المدينة.
من الواضح أن النظام ومن خلفه إيران قادرون على توظيف “داعش” لتحصيل مكاسب يعجزون عنها من خلال استعمال القوة العسكرية، وخاصة بفرض شروط على لجان التفاوض المحلية لتقديم تنازلات مستمرة للنظام الذي بات من المؤكد أنه يسعى لتغيير شروط تسوية 2018، ومحاولة إعادة الأوضاع في درعا إلى ما قبل آذار/مارس 2011.