انخفاض الوجود الإيراني في الجنوب السوري.. بين الادعاءات والواقع!
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لا يزال التواجد الإيراني في الجنوب السوري في محافظاته الثلاث مثارًا للجدل، سواء إقليميًا أو دوليًا خاصة مع الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الإيرانية وأتباعها في هذه المنطقة من تجارة وتهريب المخدرات وعمليات الاغتيال وغيرها.
أشارت إسرائيل في أكثر من مرة على لسان مسؤولين عسكريين وأمنيين، إلى انخفاض الوجود الإيراني في الجنوب لكن دون تحديد لأي المناطق التي تم تخفيض هذا التواجد فيها، فقد أوضح رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أهارون هاليفا، خلال المؤتمر الذي حمل عنوان “إيران، إسرائيل والمحور الشيعي في 2023 عام من الصراع”، أن الحضور الإيراني في جنوبي سوريا على مستوى “منخفض للغاية”، وأن كمية “الوسائل القتالية الاستراتيجية الموجودة على الأراضي السورية تتراجع نتيجة الضربات الإسرائيلية”، لكن دون أي يحدد هاليفا أين انخفض هذا الوجود!
ما حقيقة انخفاض الوجود الإيراني؟
بحسب المعلومات التي حصل عليها “تجمع أحرار حوران” فإنّ الوجود الإيراني انخفض بشكل نسبي في محافظة القنيطرة المحاذية للجولان السوري، حيث قامت إيران خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسحب عدد من مستشاريها الأمنيين والعسكريين، إضافة لعدد من قيادات وعناصر الميليشيات غير السورية في بعض مناطق المحافظة، مع إخلاء بعض المقرات لها لتُظهِرَ أنها تنسحب وفقًا للتصريحات الإسرائيلية.
الانسحابات التي نفذتها إيران من القنيطرة جاءت بعد عدد من العمليات العسكرية والأمنية التي نفذتها إسرائيل في المحافظة والتي أدت خلال الفترة الماضية لمقتل عدد من أتباع إيران.
لكن بالنسبة لمحافظة درعا، فلا يزال الوجود الإيراني يتمتع بقوة ونفوذ كبيرين، فبحسب المعلومات التي تمت مقاطعتها من مصادر مختلفة، فإن الثكنات العسكرية للنظام السوري تشكل قواعدًا أساسية للإيرانيين إضافة إلى قاعدتهم القديمة في منطقة مثلث الموت.
سياسة التجنيد والاعتماد على الوكلاء
عملت إيران منذ اليوم الأول لسيطرة النظام على درعا في تموز/يوليو 2018 على البدء بتجنيد مقاتلين محليين من أبناء المحافظة، واستطاعت حتى عام 2020 تجنيد ما لا يقل عن 2000 شخص قسم كبير منهم من مقاتلي الفصائل السابقين، وذلك بحسب تقرير سابق لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
مؤخرًا وقبل نحو شهر، عادت الميلشيات الإيرانية إلى عمليات تجنيد جديدة من أبناء المنطقة، ونجحت في تجنيد ما يقارب مئة عنصر غالبيتهم من المنطقة الشرقية من درعا، عمليات التجنيد تلك هدفها تعزيز وحماية المواقع التي تسيطر عليها ميليشيات إيران في المنطقة الجنوبية من سوريا وإرسال جزء منها إلى أرياف دير الزور لحماية مواقعها هناك.
بحسب تقرير لـ”تجمع أحرار حوران” قدمت الميليشيات الإيرانية عروضاً، إذ يحصل المتطوع في صفوفها على راتب شهري يقدر بـ 250 ألف ليرة سورية، ويمنح بطاقة من إدارة المخابرات الجوية.
التقرير أشار إلى أن إلى حصول الأشخاص الذين تكون خدمتهم في المنطقة على 10 أيام إجازة في الشهر في حين تصل إجازات العناصر ممن تكون خدمتهم في ديرالزور لـ 15 يوم مقابل 15 يوم في الخدمة.
حصل “تجمع أحرار حوران” على معلومات تؤكد تورط كل من فرع الأمن العسكري في درعا برئاسة العميد لؤي العلي، وفرع المخابرات الجوية برئاسة العميد خردل ديوب بعمليات التجنيد بشكل رئيسي، إذا يتم منح المجندين التابعين للميليشيات الإيرانية بطاقات أمنية تابعة للفرعين أعلاه للتمويه، في حين أن ارتباط المجندين يكون للميليشيات بشكل مباشر.
الدور الروسي بالتواجد الإيراني في الجنوب
روسيا ومنذ عملية التسوية في 2018 سمحت بالتمدد الإيراني في الجنوب السوري وخاصة محافظة درعا، إذ تركت الباب مفتوحا للميليشيات الإيرانية للتغلغل تحت ستار الفرقة الرابعة بشكل رئيسي والتي تتبع لإيران وتتلقى أوامرها منها، تلا ذلك توزع لعناصر الميليشيات غير السورية في مختلف الثكنات العسكرية.
أيضًا ساهم الانسحاب الروسي من عدد من المناطق السورية ومن بينها محافظة درعا بخلق مناخ مناسب لانتشار الميليشيات الإيرانية في الهوامش الفارغة التي تركها الروس نتيجة لانشغالهم بالحرب في أوكرانيا.
من جهتها تعمل إيران على مسابقة الزمن لجعل الجنوب السوري ومحافظة درعا قاعدة عسكرية متقدمة لها في ظل حساباتها لأي مواجهة مع إسرائيل أو مع الدول العربية الإقليمية التي باتت غير قادرة على تحمل الاختراقات الأمنية للميليشيات الإيرانية المتمثلة بتهريب المخدرات والسلاح.
في هذا السياق، فقد حولت إيران الجنوب السوري، كأحد المناطق الاستراتيجية التي تسيطر فيها إلى مستودع كبير للأسلحة والمقاتلين الذين يشكلون رأس الحربة للدفاع عن العاصمة طهران، أي أن إيران تنظر للجنوب السوري وتحضره ليكون ساحة معركة في حال نشوب أي صراع قادم.
عجز دولي وإقليمي أمام نشر المخدرات في الجنوب
صناعة وتجارة المخدرات في الجنوب السوري لم تعد تؤرق الأردن فقط كدولة مجاورة تستهدفها عمليات تهريب شبه يومية تنفذها الميليشيات الإيرانية عبر وكلاء لها في المنطقة، بل باتت مصدر رعب داخلي في الجنوب السوري وخاصة درعا، إذ تنتشر ظاهرة الإدمان على حبوب الكبتاجون والترامادول والحشيش على نطاق واسع، لم يستثنِ أي فئة عمرية، كما لم يفرق حتى بالجنس.
تشير كل الملومات التي يتابعها “تجمع أحرار حوران” منذ أكثر من 3 سنوات، إلى تورط الميليشيات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، والأجهزة الأمنية السورية بنشر المخدرات بين المواطنين، وغياب أي رقابة أو ملاحقة للتجار والمروجين الداخليين، وهذا من جعل من هذه التجارة، تجارة علنية.
وبحسب مختصين لـ”تجمع أحرار حوران” فإن إيران تسعى لإغراق المجتمع بالفساد وعدم المسؤولية والجرائم، وبالتالي سيكون المجتمع حياديا تجاه قضاياه، ولن يشكل أي تهديد على المصالح الإيرانية، وحتى الجيل الذي يمكن أن يصنع فارقًا في المستقبل فهو أيضًا مستهدف أي اليافعين وطلاب المدارس، لتحييدهم وجعلهم غارقين في الإدمان، وهذه جريمة أخرى إذا لم يلتفت لها المجتمع ستكون عواقبها وخيمة.
أيضًا فإن المجتمع يعيش تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية ونفسية ومن كل الجوانب، ما يجعل هذا المجتمع فريسة سهلة للوقوع في فخ التعاطي، وبذلك يجد التجار والمروجين بهؤلاء الناس قيمة مادية لكسب زبائن جدد، سيكونون بعد إدمانهم زبائن دائمين لديهم دون أن ينظروا إلى المبالغ التي يدفعونها كثمن للمخدرات.
هنا وعلى الرغم من المحاولات الدولية والإقليمية لكشف ما يجري من تصنيع وتهريب وترويج داخلي للمخدرات، إلّا أن هذه الأطراف لا تزال عاجزة حتى الآن عن التصدي لمشروع المخدرات الإيراني الذي يغزو العالم، ولا تزال الوسائل التي تعتمدها الدول المتضررة من المخدرات لا تعدو عن كونها تصريحات إعلامية، دون النظر إلى تحول الجنوب السوري إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وتشكل خطرًا على الجميع.