الأدوات الإيرانية الصامتة للتغلغل في الجنوب السوري
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
بعد عملية التسوية في درعا في 2018، بدأت إيران تعمل على تركيز وجودها في مناطق الجنوب السوري بطرق صامتة يصعب مراقبتها سواء بالأقمار الصناعية وأحياناً حتى بالطائرات المسيرة، إضافة إلى أنّ هذا التواجد يعتمد بشكل كبير على الطابع المدني مما يسهل عمليات تمويله وفي الوقت نفسه يصعب استهدافه، كما أنّه لا يشكل خطراً استراتيجياً من الناحية العسكرية خاصة على إسرائيل.
تشكيل الصورة وفق الرؤية الإيرانية
تنبهت إيران بعد عملية التسوية للاتفاق الإقليمي مع الروس بوجوب إبعاد الميليشيات الإيرانية إلى مسافة لا تقل عن 85 كم عن الحدود الجنوبية لسوريا، لذلك بادرت باتخاذ خطوات كانت كفيلة بإعادة رسم صورة المنطقة وفق الرؤية الإيرانية وهذا ما تشهده المنطقة حالياً من سيطرة إيرانية على كل مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية إضافة إلى خلق شبكات للتهريب والاغتيال تشبه إلى حد كبير كتائب الموت التي أوجدتها في العراق عقب سقوط بغداد في العام 2003.
أيضاً جاء الغزو الروسي لأوكرانيا والضعف الذي تواجهه روسيا كعامل مهم تسبب في اختلال الموازين في الجنوب ولكن لصالح إيران، وهو ما أتاح للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني إعادة تشكيل نفوذهم في الجنوب بطريقة مناسبة عبر وسائل متعددة أبرزها، تصفية كل المناهضين للوجود الإيراني في الجنوب، وذلك عبر شبكة معقدة أنشأتها إيران بدءاً من مكتب الدراسات التابع لمكتب أمن الفرقة الرابعة، وصولاً إلى انخراط الأجهزة الأمنية وخلايا تنظيم داعش ومجموعات أخرى تعمل وفق نظام الارتزاق.
التدخل بشكل مباشر في وزارة الدفاع السورية والفروع الأمنية في مسألة التعيينات الأمنية والعسكرية، حيث استطاعت إيران فرض الضباط المحسوبين عليها في نشرات التعيينات في الجنوب وذلك لتبدو هذه التعيينات وكأنها جاءت من قبل النظام، وكان آخر تدخل لإيران التمديد للعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري والذي كان قد وصل إلى سن التسريح من العمل، إلا أنّه شخص لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لإيران لكونه يمتلك خيوط التحكم بمعظم المجموعات في الجنوب، إضافة إلى صلاته حتى ببعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة.
اقرأ أيضاً.. الفرقة الرابعة إلى الحدود مع الأردن.. الأسباب والدلالات
كما عمدت إيران إلى أسلوب التواجد داخل القطعات العسكرية التابعة للنظام، والفرق العسكرية الموجودة في الجنوب، حيث يتواجد عناصرها بشكل فاعل في هذه القطعات، وبرز ذلك في الفرقة الرابعة خلال الحملة على درعا في صيف عام 2021، إضافة إلى الفرقة التاسعة التي تعتبر تابعة لإيران بشكل كامل، وفوق ذلك الفروع الأمنية الرئيسية، العسكري والمخابرات الجوية.
أيضاً عملت إيران على خلق شخصيات ونخب موالية لها في الجنوب وخاصة في محافظة درعا، من خلال إنشاء جمعيات ودعم أخرى ترتبط بها، وأبرزها جمعية الزهراء، وجمعية الشهيد، وجمعية العرين “البستان سابقاً” والتي يترأسها وسيم اعمر المسالمة التابعة للحرس الثوري والتي تعتبر الذراع المدني لقوات العرين أو ما تعرف بـ”اللواء 313″.
الخلايا وشبكات التهريب أهم من القوة العسكرية
خلال السنوات الأربع الماضية لم تقم إيران “على الرغم من توفر القدرة لديها” بتشكيل قوات عسكرية رسمية تابعة لها في الجنوب، لأنّ ذلك سيثير الرأي العام الدولي والإقليمي كما سيجعلها هدفاً سهلاً للطائرات والهجمات الإسرائيلية.
لكن بالنظر إلى ما يهم إيران في الجنوب فهناك ثلاث نقاط أساسية وهي، عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها إلى الأردن ودول الخليج، وقد تمكنت بالفعل من تحقيق أهدافها في هذا المجال وتحويل الجنوب السوري لأحد أهم مراكز تصنيع حبوب الكبتاجون على المستوى العالمي، وقد اعتمدت في ذلك على مجموعات محلية ترتبط بها بشكل كامل، وعلى تنسيق مباشر بحزب الله اللبناني المشرف الرئيسي على عمليات تصنيع وتجارة المخدرات.
عمليات التشيع في الجنوب أي تشكيل حاضنة شعبية “طائفية”، وتتركز الدعوة للتشيع في بلدة قرفا بريف درعا، ويتولى زيدان الغزالي رجل إيران الأول في الجنوب السوري عمليات التشيع، والذي عرف عنه انتماؤه خلال دراسته الفلسفة في جامعة دمشق، بميوله، إلى حركة الإخوان المسلمين، التي أصبح عضواً فيها في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ولكن مع بدء نشاط جمعية المرتضى عام 1981، التحق زيدان بها ليسافر بعد ذلك إلى إيران حيث بقي فيها سنوات عدة وعاد في العام 1997، بدعم إيراني ديني ومالي كبيرين، ليغدو رجل إيران الأول في الجنوب، بالإضافة إلى الدعم الأمني الذي أمّنه له رستم الغزالي، واستمر بعد مقتله.
استغلال إيران خروج الجنوب السوري خلال الفترة الماضية من دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، قبل أن يعود خلال الأشهر الأخيرة مع التصاعد غير المسبوق في تهريب المخدرات والذي أقض مضجع الأردن ودول الخليج والسعودية.
فقبل تصاعد عمليات تهريب المخدرات، لم يكن هناك أي دعم منظم من قبل الفاعلين الخارجيين لأي فصائل في الجنوب، ولم يكن مؤشرات على احتمال حصول متغيرات قد تدفع الأطراف الخارجية إلى معاودة نشاطها في جنوب سوريا، بما فيها إسرائيل، التي كان يقتصر نشاطها على مراقبة تحركات حزب الله على الشريط الحدودي، ولم تكن معنية بأي نشاط آخر لإيران في الجنوب السوري ما لم يكن ذو طابع عسكري واضح.
اقرأ أيضاً.. إقليم إداري في الجنوب السوري.. هل تنجح الفكرة بالتخلص من إيران؟
ساعد إيران في تحقيق أهدافها في الجنوب السوري تفكك فصائل المعارضة بعد التسوية، وتشتت عناصرها وقياداتها وتعرض معظم القادة المناهضين للوجود الإيراني إلى عمليات اغتيال منظمة، أما ما تبقى من مجموعات معارضة فهي مجموعات صغيرة غير قادرة على التأثير على سير المشروع الإيراني، ليبقى اللواء الثامن الذي تم تحييده عن مواجهة المشروع الإيراني بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وإلحاقه بشعبة المخابرات العسكرية، ليقتصر وجوده على مناطق محددة في ريف درعا الشرقي وهذه المناطق في الأصل ليست ضمن حسابات المشروع الإيراني على الأقل في الوقت الحالي، نظراً للاهتمام الإيراني بالريف الغربي المجاور للأردن وإسرائيل إضافة إلى الشريط الحدودي من أجل تهريب المخدرات.
بالنتيجة يمكن القول أنّ إيران استطاعت من خلال تمدد صامت أن تقوم بإعادة تشكيل المنطقة الجنوبية من سوريا لتكون وفق مصالحها سواء الاقتصادية وحتى المذهبية والطائفية، لتحول المنطقة إلى قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الإقليم بالكامل ما لم يكن هناك تحرك دولي وإقليمي حاسمين ضد التواجد الإيراني الذي تحول إلى حلقة جهنمية تعصف بالجنوب ودول الجوار السوري.