مقتل مصطفى المسالمة.. بين دلالات العملية ومستقبل الميليشيات المحلية؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
الأربعاء، التاسع من شهر آب/أغسطس، شهد مقتل أحد أهم أذرع جهاز الأمن العسكري في محافظة درعا، مصطفى قاسم المسالمة الملقب بـ”الكسم”، بتفجير تعرضت له السيارة التي كان يستقلها برفقة دورية من فرع الأمن العسكري وإعلاميين تابعين لقناتي سما والإخبارية السورية في منطقة الشيّاح بالقرب من الحدود السورية – الأردنية.
شهدت ذات المنطقة في الآونة الأخيرة اقتحامات نفذتها مليشيا الكسم المحلية بدعم من فرع الأمن العسكري بحثًا عن المخدرات ومنع عمليات التهريب إلى الأردن بحسب وسائل إعلام نظام الأسد.
لكن في حقيقة الأمر لم تقم هذه الميليشيا سوى بعمليات السلب والسرقة وترويع سكان المنطقة، ولم تعثر على أي مخدرات هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن في منطقة الشياح لا يمكن تنفيذ أي عمليات تهريب فيها بسبب المراقبة الأردنية الشديدة لها، ولم يسبق خلال العامين الماضيين أن تم تسجيل عمليات تهريب للمخدرات من خلالها.
مقتل “الكسم” جاء بمثابة حدث كبير في المحافظة، فمتزعم الميليشيا المرتبطة بالعميد لؤي العلي شخصيًا، والذي نفّذ العديد من المهمات الأمنيّة لصالح العلي، تعرض لنحو ثمان محاولات اغتيال نجا منها جميعًا وقتلت اثنين من أشقائه والعديد من عناصره، إلا أنّ العملية الأخيرة كانت القاضية، ولكنها تثير الكثير من التساؤلات.
فمنطقة الشياح تمتد على مساحة واسعة وتحديد الطريق التي سيعبرها الكسم ومرافقوه تحتاج لمعرفة مسبقة، كما أن الكسم أحد الشخصيات في الجنوب السوري الذي وُضِع على لائحة مهربي وتجار المخدرات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، ما يجعله هدفًا مباحًا خاصة للتحالف كما كان مرعي الرمثان، وأيضًا توقيت قتله وعلاقته بجرائمه وارتباطها بـ “لؤي العلي” الذي من الممكن أنه يريد التخلص من الشهود.
كل هذه النقاط تدعو لطرح تساؤلات عديدة، من قتل الكسم؟ وكيف قُتل؟ وما هي دلالات مقتله؟ وكيف سيؤثر ذلك على قادة الميليشيات الأخرى؟ وهل سيكون هو الأخير أم أنها البداية فقط؟
من قتل الكسم وكيف؟
العديد من الروايات والاحتمالات التي تناولتها جهات مختلفة ظهرت وتداولها الناس بعد العملية، فمن تفجير عبوة ناسفة إلى الاستهداف بطائرة مسيرة، أو الاستهداف بطائرة للتحالف من نوع “إف 16” مع ضعف الاحتمال الأخير إلى روايات أخرى.
لكن بحسب ماجرى فقبل العملية بنحو أسبوع قام مجهولون بتفجير منزل “الكسم” في نفس المنطقة لتظهر على أنها عملية انتقامية للترويع الذي أحدثه الكسم وميليشيات الأمن العسكري في الشيّاح وسلب البيوت، إلا أنها كانت رسالة واضحة له للتوقف عن هذه العمليات لكن يبدو أنه لم يفهم الرسالة.
معلومات خاصة حصل عليها “تجمع أحرار حوران” أنّ عملية قتل مصطفى المسالمة كانت مدبّرة بعناية شديدة ودقيقة، فبالنسبة للتفجير فقد تم باستخدام لغم أرضي مضاد للدبابات لكنه فُجّر عن بعد، كما أظهرت صورًا خاصّة للتجمع مكان انفجار اللغم وسيارة الكسم.
أيضًا فإن المجموعة التي نفذت الهجوم كانت على علم بساعة مرور الكسم في المنطقة وعلى علم دقيق بالطريق التي سيسلكها، كما كانت تعرف بدقة السيارة التي يستقلها والتي تعرضت من أصل 4 سيارات للهجوم.
صور سيارة الكسم التي حصل عليها “التجمع” تظهر مدى شدة الانفجار الذي أدى لاحتراق السيارة بالكامل، وهو ما يؤكد المعلومات حول استخدام لغم أرضي مضاد للدبابات، وبالتالي فإنّ ما جرى في الواقع ينفي عملية الاستهداف بواسطة طائرة مسيرة أو طائرات للتحالف الدولي.
وربما تأتي عملية اغتيال كل من الكسم ومرافقه محمد رضوان المسالمة والإعلامي الموالي فراس الأحمد والمساعدين في الأمن العسكري محمد الخلف، ووسام حمّود، بمثابة الانفراجة للؤي العلي وضباط النظام، الذين باتوا يدركون بأنّ الكسم ومن معه باتوا يشكلون عبئًا على النظام من خلال الانتهاكات والعمليات الإجرامية المختلفة التي يرتكبوها في المحافظة.
فهناك معلومات حصل عليها “تجمع أحرار حوران” بأنّ كل من الخلف وحمّود كانا يعملان في قسم “التحقيق” داخل مبنى الأمن العسكري بدرعا، ويقومان باستجواب المعتقلين ويمارسان عليهم أشد أنواع العذاب بحسب شهادات حصل عليها التجمع من 5 معتقلين سابقين في ذات الفرع.
إضافة لذلك قال مصدر خاص في درعا المحطة للتجمع إن عناصر الكسم وجّهوا شتائم بحق العميد لؤي العلي بعد وصول جثة متزعم الميليشيا “مصطفى المسالمة” إلى مشفى الرحمة بحي المطار، كما أطلق عناصر الكسم النار على المقدم في الأمن العسكري “قتيبة” الذي أظهر فرحه بمقتل الكسم.
وفي محاولة للتحريض على أهالي درعا البلد، وجّه لؤي العلي اتهامًا مباشرًا لأبناء درعا البلد بتنفيذ عملية الاغتيال، وبهذا يحصد نتائج يراها إيجابية من منظوره ببث الفتنة بين أبناء المنطقة من جديد.
دلالات مقتل الكسم
لم يكن مصطفى المسالمة سوى متزعم ميليشيا أو جزار بيد الأمن العسكري لتنفيذ جرائم واغتيالات وعمليات تهريب مخدرات، فبعد التفجير لم يذكر إعلام النظام “الكسم” أو مرافقه “محمد رضوان المسالمة”، بل ذكر مقتل الإعلامي فراس الأحمد وعنصري فرع الأمن العسكري، فإعلام النظام دخل في حالة إنكار مسبقة لوجود الكسم، على غير العادة التي كان يُشير فيها إلى أنّ مثل هؤلاء من القوات الرديفة، وهذا ما يعني أن الكسم كان قبيل مقتله من الأوراق المحروقة لدى النظام.
وبالتالي فإن هذا يعطي مؤشرًا واضحًا على نظرة النظام وأجهزته الأمنية خلال المرحلة الحالية والقادمة لمتزعّمي الميليشيات المحلية الذين تم تجنيدهم وإلحاقهم بالأمن العسكري أو المخابرات الجوية أو الفرقة الرابعة، فهم لا يعدون عن كونهم أدوات إجرامية يتم التعامل معهم لمرحلة معينة ثم يتعين التخلص منهم وفق جدول زمني محدد، أي أنهم من منظور النظام لا يرقون لمستوى المرتزقة كميليشيا فاغنر الروسية أو الميليشيات الإيرانية مثل فاطميون وزينبيون.
هل يكون الكسم هو الأخير؟
لم تكن ميليشيا الكسم هي الوحيدة التي تم إنشاؤها في محافظة درعا بعد تسوية عام 2018، فقد استطاع العميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري إنشاء ميليشيات متعددة مراعيًا التوزع الجغرافي للمحافظة لتطال ذراعه بالاغتيال أو الخطف أو الاعتقال كل من يعارض مشروع النظام ومن خلفه المشروع الإيراني في الجنوب.
اقرأ أيضًا.. ميليشيا الكسم بيدق بيد “الأمن العسكري” في درعا
اقرأ أيضًا.. من قائد لواء في “الحر” إلى لعبة بيد النظام
فميليشيا الكسم عملت في قطاع درعا البلد وجزء من الريف الغربي، بينما هناك ميليشيات أخرى تعمل في الريف الجنوبي الشرقي في بلدة نصيب الحدودية ومحيطها يقودها القيادي السابق في المعارضة عماد أبو زريق، وميليشيا محمد علي الرفاعي “أبو علي اللحام” في الريف الشرقي وتحديداً في بلدة أم ولد وتمتد حتى مناطق نفوذ اللوء الثامن، واللتين ارتكب عناصرهما العشرات من حالات الاغتيال والخطف والاعتقال والتي تم توثيقها بشكل كامل.
لكن بعد مقتل الكسم، من الواضح أن هذه الميليشيات باتت تقف اليوم على طريق لا رجعة منه، فهي لا يمكنها الرجوع للحاضنة الشعبية للأهالي بعد أن أوغلت في دماء أبناء المحافظة، ومن جهة ثانية بات قادتها وعناصرها يترقبون مصير الكسم الذي قد يأتي في أي لحظة يشعر فيها النظام أنّ مهمتهم قد انتهت.
اقرأ أيضًا.. كيف وظّف النظام قيادات في الثورة لخدمة مصالحه؟
أيضًا من الواضح أن النظام قد وجد ضالّته في جهة مسلحة جديدة باتت تتوسع في محافظة درعا في الآونة الأخيرة ولديها القدرة واجتماع الأهداف مع النظام على العمل لمصلحة الطرفين من جهة، لتكون ذريعة في المرحلة القادمة بهدف إفشال أي حل قد يستهدف الجنوب السوري ويقوم على إخراج الميليشيات الإيرانية.
من الواضح أن ما قبل مقتل الكسم ليس كما بعده، وأن هناك تحولات مقبلة في محافظة درعا قد تؤسس لاشتعال المنطقة الجنوبية من جديد وهذا ما يرغب به النظام، فإحلال السلام وتوقف الجرائم وتهريب المخدرات يعني سقوطه الأخير في هذه المنطقة.