الأسد وغزة وسوريا المفيدة.. سيد الوطن أم سيد التنازل؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
أكثر من أسبوعين منذ أن بدأت الحرب في غزة بعد الهجوم الذي شنته حماس تحت اسم “طوفان الأقصى”، وما تبعه من قصف إسرائيلي هستيري لم يتوقف أبدًا، وتسبب بقتل آلاف الفلسطينيين من أبناء غزة، وسط تباين في الآراء السياسية الدولية بين مؤيد لإسرائيل وبين معارض لردة فعلها غير المبررة، وبين مؤيد لأهل غزة، والدول العربية تكاد تكون منحازة للفلسطينيين لكن دون المستوى الذي يمكن أن يكون عداوة صريحة لإسرائيل وحلفائها.
من جهته، محور ما يسمى “المقاومة والممانعة” بدأ منذ اليوم الأول بإطلاق خطاباته وتهديداته النارية بوقوفه مع غزة واستعداده للقتال مع أبنائها، ووصل التصعيد على لسان وزير خارجية إيران إلى التهديد بدخول الحرب ضد إسرائيل ليتراجع في اليوم التالي من التهديد بالحرب إلى طلب التهدئة وإدخال المساعدات الإنسانية، بعد تهديد أميركي بالرد الأميركي ضد كل من يتدخل في الحرب.
لكن إيران في الوقت نفسه أرادت حمل العصا من منتصفها، فهي التي خذلت حماس في حربها من جهة، ولا تستطيع التدخل بشكل مباشر من جهة أخرى، فأوعزت إلى أدواتها في المنطقة بالتحرك لمناوشة إسرائيل كما يفعل حزب الله في جنوب لبنان، وكما فعلت بعض الفصائل في الجنوب السوري.
النظام السوري، وعلى لسان رئيسه الأسد، لم يتطرق إلى ما يجري في غزة سوى مرة واحدة عندما وصف ما يجري “على استحياء” بأنه جرائم تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني الذي دأب على قتله في سوريا، في المخيمات، والسجون وحفرة التضامن في دمشق، وفي الوقت نفسه بدا وكأن الأسد غير متفق مع إيران في مسألة مهاجمة إسرائيل أو حربها، وهذا ما يدفع للتساؤل عن موقف الأسد المقاوم المتخاذل في نصرة محوره التاريخي.
فرصة انتقام
في مقابلة الأسد مع قناة “سكاي نيوز عربية” في آب الماضي، وصف الأسد موقف حماس من نظامه بأنه “موقف غدر”، وقال “هذا الموقف هو مزيج من الغدر والنفاق، أما علاقتنا اليوم هي علاقة ضمن المبدأ العام” في إشارة منه إلى عودة علاقات نظامه مع الحركة، وأضاف إنه “العلاقات مع حماس لا يمكن أن تعود كما كانت عليه في السابق”.
تصريحات الأسد آنذاك تدل على حقده على الحركة وعلى قادتها الذين وقفوا على الحياد خلال الثورة السورية، ورفضوا الانخراط في إجرام الذي مارسه نظامه وساندته فيه فصائل فلسطينية على رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “القيادة العامة”، ولواء القدس الفلسطيني المدعوم إيرانيًا بعد توقف دعمه الروسي نتيجة الحرب في أوكرانيا.
لذلك وعلى الرغم من بيان رئاسة الجمهورية في سوريا، وبيان خارجية النظام، بأن عملية “طوفان الأقصى”، خطوة جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي وتأتي بعد يوم واحد من الانتصار الكبير في حرب “أكتوبر”، إلا أن الأسد لم يتخذ أي موقف فعلي للدفاع عن غزة سواء المدنيين أو حماس.
وحتى حوادث القصف التي تمت من الجنوب السوري، نفذتها فصائل ترتبط بحزب الله اللبناني وبأوامر إيرانية لا يجرؤ الأسد على منعها، فقد وجد في ما تقوم به إسرائيل انتقاما من حماس يصب في مصلحته بعد موقفها “الغادر” حسب وصفه.
سيد التنازلات
من الواضح أن الحرب في غزة لن تبقى على ما هي عليه الآن، فجميع المؤشرات تدل على تغييرات قادمة تشمل المنطقة، خاصة مع وصول أساطيل أميركية وغربية قادرة على هزيمة دول كبرى، ومن هنا سيعمل الأسد على الإبقاء على نفسه ونظامه.
فالأسد يقف اليوم بين محور الممانعة المستهدف ظاهريًا من جهة، وبين الغرب وإسرائيل التي تستبيح مطارات سوريا بشكل أسبوعي، دون أن يرد على ذلك عسكريًا أو بدعم ما يجري في غزة على سبيل الانتقام الذي يبرع فيه.
وهو يعلم أن بقاءه في المرحلة القادمة حاكمًا لدمشق سيكون مرتبطًا بتنازلات كبيرة وجدية لا يمكن له رفضها، وهو لن يرفضها بطبيعة الحال، فقد اعتاد تقديم أي تنازل يصب في مصلحته، حتى لو أضر ذلك بحلفائه من الروس والإيرانيين وحزب الله.
ممر ديفيد
قبل أيام نشر المحلل السياسي التركي، محمد كنبكلي، ما أسماه الخطة الأميركية الإسرائيلية لإنشاء ممر اقتصادي وأمني بين العراق وإسرائيل، من خلال وجود حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، في مشروع سُمي “ممر ديفيد”.
هذا الممر الذي سيقتطع جزءاً كبيراً من سوريا بشكلها الحالي، يقوم على نظرية “إطار الأرض” التي وضعها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “بيل”، نيكولاس سبيكمان، في أربعينيات القرن الماضي، والتي تعتمد على فكرة الجغرافيا السياسية للتحكم بالعالم، وتقوم هذه النظرية على فكرة أنه من يحكم منطقة الحافة يحكم أوراسيا ويتحكم بمصير العالم، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة بالتحكم بمصير العالم في القرن القادم.
وأطلق سبيكمان على منطقة الحافة، اسم “الريملاند” والتي تشمل كل أوروبا -عدا روسيا- والجزيرة العربية بما في ذلك العراق وآسيا، والصين وشرق سيبيريا، واعتبر سبيكمان الريملاند بمثابة منطقة حاجزة تفصل بين القوى المتصارعة البرية والبحرية، في زمن السلم، كما تعتبر منطقة التقاء و تصادم بين القوى البحرية والبرية في زمن الحرب، كما اهتم سبيكمان بهذه الحلقة الوسطى وأعطاها أهمية أكبر من قلب الأرض، ويرجع ذلك إلى أن النطاق الارتطامي يضم عددًا ضخمًا من سكان العالم وأنه يمتاز بموارده الاقتصادية والطبيعية الغنية المتنوعة، علاوة على استخدامه لطرق بحرية داخلية.
الولايات المتحدة ومن خلال سياستها خلال العقود الماضية استطاعت وضع الركائز الأساسية للسيطرة على منطقة الريملاند أو الحافة، سواء في أوروبا، أو الجزيرة العربية ودول آسيا وحتى الصين وسبيريا، ليبقى قلب هذه المنطقة هو مفتاح تلك السيطرة وهذه المنطقة تقع في سوريا التي يحكمها الأسد.
المنطقة تمتد على شمال شرق سوريا حتى معبر البوكمال، ومن معبر البوكمال تمتد المنطقة لتشمل الحدود العراقية والأردنية من الجنوب وصولاً للجولان وإسرائيل، وخط موازٍ يبعد عن الحدود الجنوبية وحدود العراق من البوكمال مسافة تتراوح ما بين 40 – 60 كم، وهي المسافة التي كان من المفترض أن تبتعد عنها الميليشيات الإيرانية عند تنفيذ اتفاق التسوية في الجنوب عام 2018.
ولتحقيق ذلك أوجدت الولايات المتحدة منذ تدخلها في سوريا أدواتها الملائمة لتطبيق المشروع وحراسته، فقد أنشأت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرق سوريا والتي ستتوحد لاحقًا مع الأحزاب الكردية العراقية لاستكمال السيطرة على هذه المناطق.
وفي الوسط أنشأت قاعدة التنف في منطقة تتواجد فيها حقول الغاز الطبيعي وثروات أخرى، بحسب تقرير سابق لـ”تجمع أحرار حوران”، وبقي حاليًا استكمال المنطقة الجنوبية الممتدة من السويداء إلى الجولان لتكون القسم الثالث أو الإقليم الثالث المرتبط بالمشروع والذي سيتطلب عزل هذه المنطقة عن نظام الأسد سواء بتنازل منه أو دون تنازل، في ظل ما بات يوصف به الجنوب السوري بالمنطقة الثائرة المطالبة برحيل نظام الأسد والتي اكتمل رفضها مع دخول السويداء في هذه المطالبة الصريحة مؤخرًا.
أي أن هذه المنطقة أو الدويلة أو الأقاليم القادمة ستكون منطقة حيوية للولايات المتحدة وإسرائيل من جهة كما أنها ستكون البديل المتوفر لحماية إسرائيل بدعم أميركي، وهذه الأقاليم والتي على شكل “ممر ديفيد” والذي يصل إلى البحر سيكون الجدار الأكبر في وجه إيران وتركيا، وهو ما تحاول الصين وروسيا منعه لكن دون جدوى حتى الآن.
بالنتيجة فإن خطط التقسيم الجديدة باتت جاهزة، حيث ستلغي تقسيمات “سايكس – بيكو” التي لم تعد ملائمة لأمن إسرائيل ومصالحها التي تتطلب تفتيت ما هو مفتت أصلا، وهنا يظهر دور بعض الأنظمة العربية وفي مقدمتها نظام الأسد في لعب الدور الأكبر بتفتيت المنطقة وليس سوريا فقط، مقابل جزء أطلق عليه الأسد سابقا “سوريا المفيدة”.