تهرّب إيراني من الدفاع عن غزة
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
تصعيد ملحوظ بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بدًا واضحا خلال الأيام الأخيرة سواء من حيث زيادة وتيرة القصف ونوعية الأهداف من جهة، واستهداف العمق اللبناني من قبل إسرائيل من جهة أخرى، وهو ما لم يكن على مدار أكثر من شهر من تبادل القصف بين الطرفين الذي وُصف بالمسرحية العبثية.
لكن أيضًا لا بد من القول أن إيران بدأت تستشعر الخسارة لأهم إنجازاتها التي اعتقدت على مدار سنوات أنها تمكنت من إيجادها كوسائل للضغط على إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، وهي المجموعات المسلحة في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن.
الجميع يعلم أن أيًا من هذه الفصائل والمجموعات لا يمكنها أن تتحرك إلا بضوء أخضر إيراني على الأقل، أو أوامر مباشرة من قيادة الحرس الثوري وفيلق القدس، إلا أن الحرب في غزة جعلت إيران تعيد حساباتها في وضع نفسها في الواجهة، وبدت وكأنها تتمرس خلف هذه المجموعات لتأخر دورها ربما، ليس أكثر.
تهرب إيراني مدفوع الثمن!
تراوحت التصريحات الرسمية الإيرانية منذ اليوم الأول للحرب على غزة بين تهديدات من وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، بتوسيع الحرب إذا استمرت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وبين الدعوة لإيجاد حل لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.
كما برزت تصريحات من مسؤولين آخرين، أبرزها من وزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف المعروف بقربه من الدائرة الضيقة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، والذي أكد أن هناك من يريد جر إيران للحرب مع إسرائيل، لكن إيران لن تحارب، وتتطابق تصريحات ظريف مع التسريبات التي يحاول المسؤولون الإيرانيون نفيها حول لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، مع المرشد الخامنئي، الذي أبلغ هنية أن إيران لن تحارب عن أحد.
هذه التصريحات تدفع للتساؤل، هل اتفقت إيران مع الغرب والولايات المتحدة؟ أو كما يتم تداوله في أوساط التحليل السياسي، هل باعت إيران حركة حماس وغزة؟
بالنظر إلى الوقائع على الأرض، هذا ما يبدو، فمن أجل أن تبرر إيران ما تفعله كان الخامنئي قد أبلغ هنية، “بأنكم في حماس لم تقوموا بإبلاغنا مسبقا بخطتكم للهجوم على إسرائيل”، لكن في الحقيقة لا يعتبر ذلك سببًا كافيًا لإيران للتخلي عن حماس، فهناك ثمن تم دفعه لإيران، مادي وهو مبلغ 10 مليار دولار كانت محتجزة تم دفعها عن طريق العراق وسلطنة عُمان، وهناك ثمن أكبر وهو إطلاق يد إيران في المنطقة بشكل أكبر.
ففي سوريا، وتحديدًا في الجنوب السوري، ومع بداية الحرب على غزة بدأت الميليشيات الإيرانية بالعودة إلى التمركز في درعا والقنيطرة بشكل أكبر من ذي قبل، حيث وصلت العديد من الميليشيات من لواء الإمام الحسين، وميليشات أخرى عديدة وبدأت بالتمركز في درعا والقنيطرة.
أيضًا في حلب، باتت حلب تحت قبضة إيران من خلال قوات الحشد الشعبي العراقي، ولواء ذو الفقار الشيعي المحلي من أبناء قبيلة البكارة، وفي حمص والبادية السورية باتت سيطرة إيران واضحة على حقول الغاز في السخنة، وآرك، والهيل، وصولاً إلى البوكمال المدخل الأكبر والأهم لإيران في المنطقة.
أيضًا وتحت ذريعة غزة وفلسطين، تمكنت إيران من إرسال الآلاف من قوات الحشد الشعبي العراقي المرتبطة بفيلق القدس مباشرة إلى معبر طريبيل الحدودي، بين الأردن والعراق، لتشكل أول قاعدة عسكرية تحاصر بها الأردن من الشرق، على الرغم من النفي لذلك، إلا أن ما يجري في طريبيل يؤكد ذلك.
كما تمكنت إيران من السيطرة على حدود العراق مع السعودية من خلال ميليشيا سرايا الخراساني، والتي تعتبر أكثر الميليشيات الإيرانية إجراما واحترافا في استخدام المسيرات.
وبالعودة إلى التعزيزات للميليشيات في درعا، وطريبيل والحدود السعودية العراقية، واليمن، فقد تمكنت إيران خلال فترة وجيزة من فرض حصار هادىء على الأردن والسعودية، وهو هدفها الأهم.
هل باعت إيران حزب الله؟
يوم أمس، وفي لقاء مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أكد وزير الخارجية الإيرانية، عبداللهيان، أن “حزب الله اليوم دخل مرحلة من الحرب مع إسرائيل”، مضيفًا أن “الرسائل الأميركية للحزب لها تأثير معاكس، فهي لن تردعه فحسب، بل ستجعله أيضاً أكثر حزماً في قراراته”.
وأضاف أن “الحرب اتسعت بالفعل في المنطقة”، وذلك نظرًا إلى حقيقة أن “الجيش اليمني يُهاجم الأراضي المحتلة بالصواريخ والطائرات المسيرة، وأن “حزب الله يقاتل ثلث الجيش الإسرائيلي”.
تصريحات عبداللهيان، تزامنت مع تصعيد هو الأول من نوعه في جنوب لبنان، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية يوم أمس السبت، بلدة تول في قضاء النبطية في لبنان، وتبعد تول عن الحدود نحو 40 كم، في حين بقيت الاستهدافات بين الحزب وإسرائيل خلال الفترة الماضية ضمن نطاق لا يتجاوز 10 كم كحد أقصى، كما استخدمت إسرائيل مروحيات الأباتشي الهجومية لأول مرة يوم أمس في استهداف مقرات حزب الله في الجنوب اللبناني.
لكن في لبنان يختلف الأمر عن غزة، حيث أن الحديث نظريًا عن بيع إيران لحزب الله غير منطقي، لأن ذلك يعني بداية الكسر في الهلال الشيعي الممتد من قم إلى بيروت، وكسره سيتبعه كسر أكبر في سوريا ما يعني نهاية الحلم الإيراني في الوصول للمياه الدافئة شرقي المتوسط، وابتلاع المنطقة لتكون بين فكي طهران وتل أبيب.
إذا وبحسب محللين سياسيين فإن تصريحات عبداللهيان وإن كانت تدل على أن حزب الله دخل في المعركة وأنها توسعت بالفعل، إلا أن إيران لن تترك الحزب يواجه الهزيمة، فقد استغل الحزب الحرب لتمدد إيران في لبنان، حيث عمل الحزب منذ الأيام الأولى على تهجير سكان البلدات من السنة والمسيحيين في جنوب لبنان، مثل كفرشوبا، وحتيتا وغيرها، لتحويل الجنوب اللبناني إلى منطقة شيعية بالكامل تتصل شمالا مع الضاحية الجنوبية.
في هذا السياق أيضًا، هناك العديد من الدلائل التي تؤكد أن الحزب هو الهدف التالي لإسرائيل بعد حماس وغزة، فحزب الله نقض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي ينص على انسحاب قوات الحزب إلى ما بعد نهر الليطاني، ولم يتم انتشار للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية للبنان، أيضًا لم يتم الإعلان بعد عن الخطوات النهائية لترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، رغم زيارة المبعوث الأميركي هوكشتاين قبل أيام للبنان واجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعودته دون أن يصرح بأي شيء حول اتفاق نهائي.
من الواضح أن المنطقة بشكل عام مقبلة على تغيرات غير مسبوقة، من الممكن أن تكون مرحلة جديدة من “سايكس – بيكو”، لكن وفق الطريقة الأميركية – الإسرائيلية، وخاصة دول الطوق الإسرائيلي، فالحرب لم تنتهِ بعد في غزة، والتصعيد قادم في لبنان، ولا تزال الأساطيل الغربية تتمركز شرقي المتوسط وفي البحر الأحمر والخليج العربي، وهذه الأساطيل وبتكلفتها الخيالية لا يمكن أن تأتي للمنطقة لمجرد فكرة الحرب على غزة فقط.