استخراج جواز السفر في درعا.. ابتزاز والدور لمن يدفع أكثر!

تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني

لا يزال استخراج جواز السفر في سوريا يمثل الحلم الأكبر لمعظم السوريين منذ عدة سنوات، كما أنه يمثل مشكلة في الوقت نفسه، نظرًا للارتفاع المبالغ فيه في تكاليفه من جهة، ولأنه غير قادر على إدخال السوريين إلا لعدد محدد من الوجهات والدول، والتي هي في الحقيقة تعتبر قواعد للتهريب إلى أوروبا، مثل ليبيا وروسيا، عدا الإمارات العربية المتحدة التي تسمح بدخول السوريين بما تعرف فيزا الزيارة.

في درعا لا يختلف الأمر عن بقية المحافظات السورية الأخرى، فالظروف الاقتصادية بالغة السوء وتدني مستوى المعيشة، والأوضاع الأمنية المتردية والتي تسيطر عليها عمليات الاغتيال، والخطف وتجارة وتهريب المخدرات، تدفع حتى الآن الكثير من أبناء المحافظة من الجنسين للسفر، وحتى يتمكنوا من ذلك لا بد من المرور بمرحلة الحصول على جواز السفر والتي جعلها نظام الأسد أكثر أهمية من الحصول على شهادة جامعية.

ازدحام خُلِقَ للابتزاز!

تشهد نوافذ تقديم طلبات الحصول على جوازات السفر في مبنى الهجرة والجوازات في المجمع الحكومي بدرعا ازدحامًا كبيرًا بشكل يومي، حيث تبدأ رحلة الحصول على جواز السفر من الخطوة الأولى وهي الحصول على استمارة التقديم، وتعبئتها بالمعلومات المطلوبة وإرفاق ما يُطلب من أوراق، ثم تأتي مرحلة التقديم سواء للجواز المستعجل أو العادي.

أحمد (27 عامًا) من مدينة درعا، ذهب يوم الأحد الفائت، للتقديم على جواز سفر، وخلال حديثه لـ”تجمع أحرار حوران” أكد أنه احتاج للحصول على استمارة تعبئة طلب الحصول على جواز السفر من الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وحتى الثانية عشرة والنصف ظهرًا، نتيجة الازدحام الشديد.

لكن في الوقت نفسه، أكد أحمد أن هناك العديد من السماسرة، منهم من يرتبط بموظفي الهجرة والجوازات، ومنهم من يرتبط بالأجهزة الأمنية، حيث لكل حصته من كعكة جواز السفر، يقومون بجلب الاستمارة بشكل فوري مقابل مبلغ يبدأ بـ 100 ألف ليرة سورية، ويصل أحيانًا إلى 250 ألف ليرة وذلك حسب مقدم الطلب أو “الزبون” كما يحلو لهؤلاء السماسرة تسميته.

المرحلة التالية حسب أحمد، تأتي في الاصطفاف على الدور لتقديم الطلب، والذي قد ينتهي الدوام الرسمي دون القدرة على تقديمه على النافذة المخصصة، وهنا أيضًا يأتي دور السماسرة، في تقديم الطلبات مقابل الحصول على مبالغ تتجاوز 200 ألف ليرة في معظم الأحيان، ومتى بدأ الشخص الراغب في الحصول على جواز سفر مع هؤلاء لابد أن ينهي معاملته معهم، ويكون قد دفع تكاليف تضاهي قيمة الجواز المستعجل نفسه.

عند الوصول إلى نافذة التقديم بدون سماسرة، تبدأ عملية ابتزاز أقل تكلفة من موظفي الهجرة والوازات تحت مسمى “الحلوان”، فبمجرد استلام الطلب، يقوم الموظف بطلب الحلوان بشكل علني ويبدأ المبلغ من 10 آلاف ليرة ويصل إلى 25 ألف ليرة، وعند الانتقال لبقية النوافذ لتقديم أي أوراق أخرى يمكن أن تكون طارئة يتم طلب الحلوان، وعند استلام الجواز أيضًا لا بد أن يكون الحلوان المقدم جيدًا أو حسب التعبير السائد “محرز” أي لا يقل عن 40 ألف ليرة سورية، وفي حال عدم دفع الحلوان يمكن لموظف الجوازات خلق أي مشكلة في الأوراق ليعود مقدم الطلب إلى الرحلة من بدايتها.

وتمكن تجمع أحرار حوران من الحصول على صور يظهر فيها الازدحام من المواطنين على النوافذ المخصصة لتقديم طلب الحصول على جواز السفر.

تكاليف عالية لا تقتصر على الرسوم

تختلف تكاليف استخراج جواز السفر في سوريا، بين العادي والمستعجل، وبين من يرسل جواز سفره من خارج سوريا لتجديده فيها، وبين التكاليف التي تُدفع في القنصليات السورية في أي دولة.

في داخل سوريا، تبلغ رسوم حواز السفر العادي، 150 ألف ليرة سورية، ويحتاج من يقدم الطلب للحصول عليه إلى 3 أشهر، بينما ترتفع الرسوم إذا كان جواز السفر مستعجلاً إلى مليون ومائتي ألف ليرة سورية ويحصل المواطن على جواز السفر في غضون ثلاثة أيام على الأكثر.

يُضاف إلى الرسوم المفروضة من الحكومة، المبالغ التي تُدفع كرشاوى ونتيجة لابتزاز السماسرة والموظفين، لتتجاوز في معظم الأحيان قيمة الجواز نفسه.

أما بالنسبة لبعض السوريين في الخارج ممن يرسلون جوازات سفرهم لتجديدها داخل سوريا، فالأمر مختلف، وهناك لهذه الحالة تجديد مستعجل فقط، وتبلغ تكلفته 1000 دولار أميركي، تدفع كرسوم مقطوعة للنظام السوري، وفي بعض الأحيان إذا كان صاحب الجواز من الأشخاص الذين عليهم علامات أمنية من الأجهزة الأمنية، فلا بد من اللجوء لأحد السماسرة المرتبطين بالأجهزة الأمنية، ليضاف مبلغ 500 دولار بشكل تلقائي، وتصبح تكلفة تجديد الجواز 1500 دولار، وعادة يلجأ لهذه الطريقة بعض المغتربين ممن يجدون صعوبة في الوصول للقنصليات السورية، أو إذا كانت هذه القنصليات لا تستقبل طلبات جوازات السفر لأي سبب كان.

في القنصليات السورية في الخارج، يكاد يكون المكان الوحيد الذي يمكن الحصول فيه على جواز السفر دون رشاوى، لكن في معظم الأوقات تكون القنصليات متوقفة عن استقبال طلبات الجوازات.

وتبلغ تكلفة رسوم جواز السفر المستعجل في أي قنصلية سورية 850 دولار أميركي، فيما تبلغ رسوم جواز السفر العادي 325 دولار ويتم الحصول عليه بعد 3 أشهر من تاريخ التقديم.

نجح النظام السوري بتحويل حتى أبسط الخدمات والحقوق التي يجب تقديمها للمواطن السوري إلى وسيلة للابتزاز وجمع الأموال، ضاربًا عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والأخلاقيات، ونجح في دفع السوريين إلى الرضوخ لكل أنواع الابتزاز واضعًا إياهم بين خيارات محدودة للغاية يطال الابتزاز كل جوانبها.