درعا التي لم تتوقف ثورتها.. 18 آذار وللحلم بقية
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لم يتوقع نظام الأسد، بكل أركانه، كما لم يتوقع حتى السوريون أن يكون يوم 18 آذار 2011 في درعا، يوم الخروج الأكبر للمطالبة بالحرية والعدالة التي طالما سلبها نظام جثم على صدور السوريين منذ ستينيات القرن الماضي، وأوغلت أجهزته الأمنية تصفية واعتقالات وإخفاء لما وراء الشمس، لكل من يتجرأ وينتقد أي شيء يراه سلبيًا في سوريا.
درعا التي كان يعتقد النظام أنها المحافظة الأكثر ولاءً له حتى من المحافظات الساحلية، ولم يعرف أن نخوة أبنائها أكبر من أن تكون راضخة إلى الأبد للقهر، هذه النخوة فجّرت أعظم ثورة في التاريخ الحديث، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
اعتقال الأطفال في درعا على يد العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري بسبب عبارة كُتبت على جدار مدرسة حي الأربعين في درعا البلد قالت يومها “اجاك الدكتور يا دكتور”، سواء كتبها أطفال أو غيرهم، إلا أنّ العبارة كانت المتنفس الأول للحرية التي وصلت نسائمها من ميدان التحرير في القاهرة.
اليوم تحل الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق أولى صيحات الحرية في درعا لتكون فتيلاً أشعل سوريا ولا يزال مشتعلاً على الرغم مما يقوم به النظام وحلفاؤه لتشويه حقيقة أن الثورة السورية ثورة حرية وعدالة وكرامة.
محاولات التشويه منذ البداية
في فجر 23 آذار 2011 اقتحمت قوات النظام الأمنية الجامع العمري في درعا البلد، والذي كان منارة لتجمع المتظاهرين، فقتلت من قتلت، وجرحت من جرحت، وقامت بوضع أسلحة ونقود، لتقوم قناة الدنيا بتصوير ما يجري على أنه عمليات يقوم بها مسلحون لاستهداف رجال الأمن.
يعلم أبناء درعا، كيف حاول النظام منذ الأيام الأولى للثورة والمظاهرات السلمية، دفع الناس لاستخدام السلاح ضد رجال الأمن التابعين له، وأكثر من مرة عمد إلى ترك أسلحة بالقرب من المتظاهرين في درعا البلد، ليس للتصوير ولكن ليستخدموها، لكن في جميع المرات قاموا بإعادتها للأجهزة الأمنية، وأصروا أن الثورة سلمية، ولها أهدافها المحقة بالحرية والعدالة، هي ثورة تريد بناء دولة لا هدم دولة.
ستة أشهر مرت منذ بداية الثورة كانت سلمية وباعتراف رأس النظام، بشار الأسد، قبل أن تتحول الثورة إلى التسلح نتيجة القتل والإرهاب الكبيرين الذين مارسهما النظام وجيشه وشبيحته على السوريين، ورغم ذلك كانت المظاهرات السلمية تخرج بكلمات الثورة الأولى كلما سنحت لها الفرصة بذلك.
13 عامًا مرّت استطاع النظام خلالها استعادة السيطرة على درعا تحت ما سمي “اتفاق التسوية” في 2018، بدعم عسكري روسي غير محدود، عمل كل من نظام الأسد وروسيا وإيران وميليشياتهم بعد التسوية على مسح هوية درعا الثورية، من خلال دعم العصابات والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، ومحاولات تحويل المحافظة لأكبر مصنع لإنتاج وتهريب المخدرات، وتقييدها بقيود مختلفة وتحت مسميات عديدة.
عمليات الخطف التي ركز النظام من خلال عملاء أجهزته الأمنية على تغذيتها، وعمليات الاغتيال، والقتل خارج نطاق القانون، إنما أراد من خلالها الإثبات لمحيطه الموالي أولاً والذي فقد الآلاف دفاعًا عن مجرم، وللمحيط العربي والدولي أن درعا مكان غير آمن في ظل عدم سيطرته المطلقة عليها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل 18 آذار 2011.
دعوات للمظاهرات.. الشرارة لم تنظفىء
في 18 آذار 2011 اجتمع عدد من الشبان في مسجد الحمزة والعباس في درعا البلد بعد أن اتفقوا على الخروج في مظاهرة ضد النظام، بعد الدعوات التي كانت تنادي بالتظاهر في الخامس عشر من نفس الشهر، والتي جرت محاولة لها في دمشق، قامت الأجهزة الأمنية بفضها بسرعة.
خرج الشبان وكان تركيزهم على الجامع العمري ليكون رمزًا للتظاهر، وكانت أول صيحة “الله أكبر” لتشجيع الأهالي أطلقها علي المسالمة، الذي استشهد لاحقًا.
ذهول حتى بين أبناء درعا البلد أنفسهم في ذلك اليوم، والذي تسارعت فيه الهتافات، من هتاف “ياحيف درعا ياحيف .. شعبك واقف عالرصيف” على الرغم أنه لم يكن أحد يقف على الحياد يومها ولكن للتشجيع أكثر، لتتحول الهتافات بلحظة إلى “يا حرية وينك وينك.. شوفي العسكر بيني وبينك”.
المظاهرة التي وصلت إلى الجسر الفاصل بين درعا البلد ودرعا المحطة، اصطدمت بقوات الأمن المركزي، والأجهزة الأمنية الأخرى، ومروحية عسكرية في سماء المدينة، ليبدأ إطلاق النار، ويستشهد محمود الجوابرة، وحسام عياش، أول شهيدين في الثورة، والذين كانت دماؤهما وقود ثورة لا تزال حتى الآن.
اليوم وبعد 13 عامًا، عادت الدعوات للتظاهر وكأنها البداية، وهو ما لم يكن يتوقعه النظام وغيره، دعوات عادت لتؤكد أن الثوابت التي وضعها الجوابرة وعياش، وارتوت بدمائهم لم ولن تتغير.
التظاهرات التي ستخرج اليوم في عموم محافظة درعا، ستؤكد من جديد أنّ الثورة السورية ومهدها درعا تصر على حلم تجرأت عليه، وغير نادمة على تذوق طعم الكرامة.
التظاهرات التي ستخرج ستؤكد أن الثورة السورية، ثورة سلمية، حضارية، أهدافها الحرية والعدالة، وأن هدفها بإسقاط نظام الأسد لن يتغير، ويعلم أبناء درعا اليوم ومعهم السوريون، أن لا شيء دون ثمن، وأن نصرًا يليق بالثورة السورية من الممكن أن يحتاج سنوات للخلاص من أعتى الأنظمة في العالم وأكثرها إجرامًا.
تظاهرات تأتي لتقول للسوريين ممّن فقدوا الأمل بحريتهم، وللعالم الذي تخاذل ويعمل على تعويم الأسد المجرم، بأن السوريين وعلى رأسهم أبناء درعا لا يزالون هنا، وللحلم بقية.