الثورة السورية نظيفة..
تجمع أحرار حوران
بقلم : الكاتب والباحث السياسي “عبد الناصر محمد”
عندما يشاهد العالم بأم عينه ما تفعله كثير من الانتفاضات الشعبية في جنبات الأرض من تخريب وتحطيم وتهشيم ويستذكر السلوك المميز للثورة السورية نخلص بنتيجة مفادها أنه يحق لكل سوري حر أن يفتخر بثورة الكرامة السورية بوصفها «الثورة العصماء»، فالشعب السوري الذي أطلق ثورته لم يرتكب خطأ بارزاً مما يمكن للقوانين الدولية أن تسجله عليه..
ففي طور الاحتجاج السلمي برزت الثورة في قمة رقيّها وتحضرها.. فحافظ الثائرون على المنشآت العامة والمؤسسات الخدمية والإدارية ومصالح الناس، انطلاقاً من الإيمان بأنها ملك للشعب وليست وكالة حصرية لعائلة معينة أو شخص بعينه. حدث هذا على الرغم من استخدام ميلشيا النظام لكل أنواع القمع التقليدية والاستثنائية التي لم تستخدم من قبل ضد أي شعب آخر في مكان آخر وزمان مغاير.. حدث هذا على الرغم من امتلاك الشعب السوري الثائر لكل مبررات الثوران ودواعي الغضب فهو مستهدف بحياته ومعيشته وكرامته وحريته وهويته. بينما الثورات الأخرى تمتلك بعض المبررات وربما تكون كمالية أو نوعاً من «الغنج والبطر»..
ففي مرحلة «تسلّح الثورة» التي قادتها طلائع «الجيش الحر» فقد خاضها الأحرار بمنتهى اللياقة واللباقة والأخلاق.. فقدموا الحماية والرعاية للمدنيين.. وأحاطوهم بأرواحهم.. ومرروا الإغاثة والدواء للمحاصرين.. وأخرجوا العالقين على الحدود.. وأنقذوا الناس من تحت الأنقاض.. حتى رأينا الثائر المقاتل يحمل البندقية بيد والطفل باليد الأخرى. والثورة العصماء ليست مسؤولة أصلاً عن «عسكرة الحراك الثوري» التي كانت رغبة جامحة لدى النظام القاتل، وبالتالي فهي لا تتحمل أي مسؤولية قانونية ولا أخلاقية ولا تاريخية عن القتل والدمار في سورية.. لأنها في الأصل ثورة للتحرير والبناء.. تحرير الوطن من قيود العبودية المذلّة وأغلال الغزاة المعتدين.. وبناء سورية القوية العصرية التي تقدر قيمة الإنسان.. وتصون حقه في الحياة والحرية والمساواة..
والثورة العصماء ليست مسؤولة عن «النزوع الطائفيّ» الذي اجتاح سورية، بل على العكس تمامًا فقد كانت الثورة مبرأة من هذا الطيش الجنوني الذي صنعه نظام الأسد ودعمه ورعاه، ففي الوقت الذي أكدت فيه خطابات الثورة على نبذ شرور الطائفية، كان النظام يعد خطابًا طائفيًا جاهليًا دمويًا لأنه يعلم أنه ليس قادرًا على حماية عرشه إلا بالمخططات القذرة..
وثورة الكرامة ليست مسؤولة عن «ظاهرة الإرهاب» التي تم إقحامها عن سابق دراسة وتخطيط في المشهد السوري.. فنظام الأسد خَطّط، وخُطّط له كذلك ليحتمي بالإرهاب والتطرف.. وهو خير رداء يرتديه ليتقيَ به عاصفةَ الثورة.. فعندما سقطت شرعيته دوليًا لعب على وتر الإرهاب باعتباره اللغة التي يتحدث بها كل العالم.. واجتهد في إلباس الثورة السورية عباءة التطرف والإرهاب.. ومعروف عن نظام الأسد بأنه يتقن عملية استغلال السجون ليستنبت غراس التطرف والإرهاب فيها.. بل لديه القدرة على جعل نزلاء سجونه يعادون جهات معينة أكثر مما يعادونه هو، حتى وهو يذيقهم صنوف العذاب.,
كما أن الثورة العصماء لا تتحمل مسؤولية استدعاء «التدخل الأجنبي» المتمثل بروسيا وإيران، وميليشا القتل والإجرام المعبأة بأحقاد التاريخ المصطنعة، فالمحتل الأجنبي هو الذي تولى سحق البشر والحجر، بطريقة همجية تهدف إلى تدمير كل ما هو جميل ونافع ومهمّ في سورية، كما هدف إلى تفتيت الوطن أرضًا وشعبًا وهويًة وقرارًا..
والثورة السورية ليست مسؤولة عن جلب «عابري الحدود» الذين جندتهم مخابرات الدول المعادية للشعب السوري ليتم استيعابهم بقوالب فكرية مريضة، تستهدف الشعب السوري قبل أعدائه الذين كانوا في مأمن من الاستهداف أصلًا، بل كانوا ينسقون عملياتهم مع النظام القاتل..
إنّ كل ما تتهم به الثورة العصماء من قبل خصومها هي مبرأة منه، وكله جاء بتدابير تآمرية تهدف إلى «شيطنة الثورة» التي يصعب شيطنتها لأنها ظهرت للعالم بمظهر لائق متقدم، متماسكة الأعصاب، واعية الرؤية والهدف، قبل أن تمتد إليها يد الإثم وتخلط الأوراق على العالم، فلا «العسكرة ولا الأسلمة ولا الإرهاب ولا الطائفية ولا التدويل ولا فتح الحدود» تعتبر من منتجات الثورة ومفرزاتها، وكل ذلك لا يمثل ردة فعل الشعب السوري على ظلم الطغاة.. مطلقًا.. فالشعب رد على ظلم النظام الطائفي الإرهابي بإطلاق ثورته العصماء النظيفة لا بشيء آخر.. وأصلًا لا يملك الشعب السوري سوى الثورة المباركة ليرد بها على الظلم.. أما «الملعنة» فليست من ممتلكات الشعب السوري العريق والمتحضر.. فهذه البضاعة مملوكة للطغاة.. وهم وضعوها في حقيبة الثورة ليوصلوا للعالم رسالة بأنهم يواجهون الإرهاب ويحاربون الطائفية ويرفضون التدخل الأجنبي.
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.