التعاطي الأمريكي السيئ حيال الأزمة السورية منح روسيا أوراقاً رابحة وغطاءً سياسياً لتنفيذ سياساتها
أبو ربيع الحوراني – تجمع أحرار حوران
لقد بات من الواضح أن تهاون الإدارة الأمريكية السابقة والحالية وضعف الأداء السياسي لهما بإيجاد حل للأزمة السورية جعل من روسيا اللاعب الوحيد في الأزمة، وأعطاها هامشاً أكبر للاستمرار بتنفبذ استراتيجيتها التي تهدف لإيقاف القتال على جبهات دون غيرها، وهذا مايجعل نظام الأسد يتفرغ لجبهات أخرى وهو ما يحصل فعلاً من خلال الاستهداف اليومي والمتكرر للغوطة الشرقية وغيرها من المناطق .
لقد استغلت روسيا تصريحات “ترامب” الأخيرة بأن الأولوية للولايات المتحدة في سوريا هي محاربة “تنظيم الدولة” لا محاربة “الأسد” رغم كل الجرائم التي ارتكبها بحق سوريا وشعبها، حيث تم استدراج أمريكا للفخ من قبل روسيا بعد اقتراحها لإنشاء مناطق “خفض التصعيد” باعتباره المسار الأفضل لتحقيق الاستقرار الأمني في سوريا .
لقد اخطأت الإدارة الأمريكية الحالية ممثلة بالرئيس “ترامب” خطأً استراتيحياً كبيراً وقاتلاً بحق الثورة السورية عندما أعلنت أن مهمتها في سوريا تقتصر على محاربة “الإرهاب” بعيداً عن محاربة قوات النظام، وهذا يعني تبرئة “الأسد” وأركان حكمه من جرائمهم، وتوفير طوق نجاة لهم رغم إجرامهم واستجلابهم للإرهاب والتطرف، وهذا ما جعل روسيا تسارع لاستغلال هذا الموقف لصالحها حيث استطاعت اقناع أمريكا لتأييد خطتها في سوريا دون أي اعتراض على تفاصيلها، ودون وضع خطة بديلة للحل وفق الرؤية الأمريكية..
وهذا ما جعل امريكا تدخل في المفاوضات داعمة لاتفاق إيقاف النار في جنوب سوريا، غير مدركة أن هذا الاستقرار وإن تحقق فعلاً سيكون لصالح طرف على حساب طرف آخر، وهذا ما اعتبره بعض المحللون السياسيون سقوطاً سياسياً وأخلاقياً لأمريكا وهزيمة لها أمام روسيا وإيران .
إن الثقة المفرطة التي منحتها أمريكا لروسيا بقدرتها على تحقيق الهدوء في سوريا شيء يخالف الواقع بعد فشل الأخيرة على تحقيقه بعد مرور أكثر من عامين على تدخلها المباشر في سوريا، وإن أي رغبة فعلية لروسيا بتحقيق الهدوء في بعض المناطق سيصب إن حصل في تقوية النظام وإضعاف المعارضة، في حين لا توجد هناك أية ضمانات تجبر روسيا على التحكم بالأسد وإيران مستقبلاً، وبالتالي فإن رهان أمريكا على السياسة والرؤية الروسية هو رهان خاسر بلا شك .
لقد تكشفت بعض المواقف الأمريكية من خلال دعمها للموقف الروسي والذي يعتبر غطاءً سياسياً لتنفيذ الاستراتيجية الروسية التي تهدف لتقوية شوكة النظام وإضعاف وتحجيم دور المعارضة، وهذا ما تجلّى أيضاً من قبل الولايات المتحدة مؤخراً عندما رفضت الاستحواذ على المناطق التي خسرها “تنظيم الدولة” في الشمال وتسليمها لفصائل الجيش الحر هناك، بل تركتها وديعة بيد القوات الكردية التي تربطها علاقات مشبوهة مع نظام الأسد من خلال المشاركة في إدارة بعض هذه المناطق .
وعلى هذا الصعيد توقع الكثير من المسؤولين الأمريكيين أن يفرض نظام الأسد لاحقاً سيطرته على تلك المناطق بالتنسيق مع الأكراد، وهذا ما يخالف كل القيم والمبادئ التي من المفترض أن تتحلى بها الولايات المتحدة، وقد يكون هذا أحد الأسباب المباشرة لظهور حركات وتيارات أخرى متطرفة تشبه إلى حد كبير “تنظيم الدولة” أو غيره من التنظيمات .
ومن هنا علينا جميعاً أن نعي وندرك تماماً أن مباركة وتأييد الولايات المتحدة للرؤية الروسية للحل في سوريا هي بمثابة رغبة واضحة بعدم تغيير النظام، وذلك انطلاقاً من استقرار مصالحها في المنطقة على حساب دماء السوريين وتضحياتهم الجسام، أما من بقي يراهن على الإدارة الأمريكية وتصريحاتها الكاذبة فهو واهم .
وما اتفاق “خفض التصعيد” الذي حصل في الجنوب السوري مؤخراً والذي لم تتضح بنوده وأهدافه كاملة حتى اللحظة والذي تمثل بانسحاب بعض الميليشيات التابعة لإيران من محافظة درعا سوى أكذوبة، لأنه سبق وانسحب بعضها قبل ذلك تحت الضغوط وعادت من حيث أتت ، ولا يمنعها شيء من العودة مرة أخرى وفي أي وقت تشاء .
لقد بات واضحاً أن الهدف الحقيقي من وراء هذا “التفاهم” هو إخراج ثلاث محافظات سورية من دائرة الصراع (القنيطرة ودرعا والسويداء)، ومحاولة تجحيم دور أكبر وأهم الفصائل المعارضة فيها وهو الأمر الذي تجري محاولات تعميمه في مناطق أخرى، وهذا ما قد يؤدي لاحقاً لتجميد الصراع بين النظام والمعارضة على الكثير من الجبهات .!
وعلى المعارضة السورية في الداخل والخارج أن تعي حقيقة ما يجري حولها والتنبه لما يخطط ويحاك لها، فهي الوحيدة المعنية بتحمل مسؤولياتها، ومراجعة مواقفها، وإعادة بناء كياناتها بشكل صحيح وفاعل، وترشيد وتوحيد خطاباتها، والتأكيد على منطلقات الثورة بالحرية والكرامة والديمقراطية، فهذا ما يريده السوريون، وهذا ما يفهمه العالم .!