في ذكرى الثورة العاشرة ابن خلدون يتكلم عن مهد الثورة
تجمع أحرار حوران
بقلم : د. موسى الزعبي
يتكلم ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري عن الطبيعة البشرية وتطور المجتمعات ومراحل بناء الدولة ونهوضها ثم سقوطها ويؤكد أن اجتماع العصبة الدموية مع العصبة الدينية هي أقوى أنواع التماسك الاجتماعي والسياسي لاستمرار السلطة ويستفيض بالكلام عن طبيعة المجتمعات التي تحقق تلك العصبة بين مجتمع بدوي ومجتمع قروي ومجتمع مديني ثم يفصل بطباع كل مجتمع بين ذم ومدح فهو يمدح الشجاعة بالمجتمع البدوي ولكنه يذم هذا المجتمع بعدم بحثه عن الاستقرار وبناء الدولة فهو يعتمد الغزو في تحصيل أسباب رزقه كما يمدح المجتمع المديني باستقراره وتطوير الحرف والتحضر وبحثه عن الأمن ومصدر للرزق ثابت ورفضه لكل الثورات ومايثير القلق وأنه معيار تطور الدول ولكنه يذمه بنفس الوقت وأنه أصبح عبد للاستقرار والدولة حسب المفهوم الحديث لأنه يرى باستمرار السلطة الحاكمة استمرار لحياته البيروقراطية وهذا ما فعله النظام بمعظم حاضنته التي بقيت مؤيدة له والمناطق التي لم تثور عليه حيث ربطها بالوظيفة والبونات والبطاقة الذكية وأكثر المناطق موالاة له كانت أكثر عبادة للدولة فتجد في الأسرة الواحدة ربما نصفها موظفين بالدولة !!؟
ثم يتكلم عن المجتمع القروي وهو بالمصطلح الاجتماعي مجتمع ليس مفرط بالبداوة وليس مفرط بالمدينية
فهو لا يؤمن بعبادة الدولة لأن رزقه لا يعتمد على وجود السلطة بشكل أساسي وبنفس الوقت يؤمن بوجود الدولة لأنها ركيزة للأمن والتطور عكس المجتمع المفرط بالبداوة الذي لا يؤمن بوجود الدولة
وهنا نميز بين المجتمع البدوي والذي يعني التنقل بالسكن بحثا عن الرزق والمجتمع القروي والمديني والذي يعني ثبات السكن وجلب الرزق لمكان السكن وليس حسب المفهوم المتداول..
وبذلك فإن ابن خلدون تنبأ بانطلاق الثورة السورية بشكل أساسي من المجتمع القروي الغير غارق بالتمدن أو بالبداوة فحافظ على الشجاعة دون التفريط بالدولة أو عبادتها والذي يشكل ثلثين المجتمع السوري ولكن انطلاق اعتصام أو مظاهرة لا يعني انطلاق ثورة فهي أمور تحدث بأي زمان وأي مكان كما حصل مؤخرا بروسيا وإيران و تم وأدها و لا تكفي لإشعال ثورة حسب ابن خلدون ويجب اجتماع العصبة الدموية مع العصبة الدينية لضمانة لاستمرارها وكانت المنطقة الأكثر تحقيقا لشروط مؤسس علم الاجتماع هي منطقة حوران فهو مجتمع يحافظ على تنظيم عشائري قوي مع توجه ديني واحد لغالبية المنطقة مع التحرر من عبادة الدولة بالرزق حيث معظم أبنائه بالمغترب منذ الثورة النفطية بالخليج والتي تزامنت مع قدوم هذا النظام للحكم مطلع ستينيات القرن الماضي والبقية يعملون بالزراعة والمهن الحرة والتعليم.
حيث تعتبر حوران أكبر تجمع للجامعات الخاصة على مستوى سورية قرابة عشرة جامعات وتعتبر محافظة درعا أقل محافظة بعدد المنتسبين للجيش والأمن ووظائف الدولة عموماً وبذلك توفرت شروط التحرر من عبادة الدولة وبالتالي الثورة على السلطة الحاكمة لذلك استطاع هذا النظام سحق جميع المظاهرات والثورات التي انطلقت منذ انقلاب البعث بالستينات حتى انطلاقها من مهد الثورة في حوران حيث عجز عن سحقها لاجتماع عصبية الدم مع عصبية الدين ففشلت انتفاضة مسجد السلطان بحماه وانتفاضة أحداث الدستور بالسبعينات وتم تدمير حماة بالثمانينات بسبب الشرخ الكبير بين المدينة والريف ولو كان ذلك موجود في حوران لتم محي بؤرة الثورة من الأيام الأولى ولكن انتفض جميع أبناء حوران وفشلت انتفاضة الكورد سنة 2004
حيث عمل النظام منذ مذكرة هلال البعثية باعتبار الأكراد إسرائيل الثانية ويجب تفريقهم بالحزام العربي وتشتيتهم بالأحزاب المختلفة لتضعف عصبتهم وتماسكهم ونجح النظام بذلك وهو نفس السيناريو الذي تنفذه إيران اليوم في حوران بتشييع البعض ونشر المخدرات لتفكيك عصية المجتمع كما كانت هناك إرهاصات ومظاهرات كثيرة قبل انطلاقها من درعا سواء بالداخل أو الخارج حيث اعتصم بعض السوريين أمام بعض سفارات النظام بالخارج وحرق شخص نفسه بالحسكة وانطلقت مظاهرة بدمشق ولكن استطاع النظام احتواء جميع تلك المظاهرات حتى حملت لوائها حوران في الثامن عشر من آذار وسقط أول شهيدين في جمعة الكرامة لتستمر بعدها الثورة دون رجعة حتى النصر..
وأب النظام منذ الأيام الأولى للثورة على سياسة فصل الريف عن المدينة ومحاولة عزل المدن عن الثورة فبقيت المدن الإدارية بجميع المحافظات بيد النظام ولم تتحرر وهو يتوافق مع مفهوم ابن خلدون بعلم العمران حيث بقيت مدينة درعا ومدينة إزرع والصنمين ومدينة دمشق ومدينة حلب وحماه واللاذقية وطرطوس والسويداء خارج الثورة بينما حمل أعباء الثورة بشكل أساسي بقية المجتمع السوري رغم تأثر الجميع بنتائجها وتبعاتها وهاجر أبناء المدن الثائربن للريف أو الخارج لعدم توفر المناخ الثوري بالمدينة..
وعطفاً على ذلك فإن ما حصل بالقاهرة بيناير لا يعد ثورة بمفهوم الثورات بل احتجاج واعتصام شعبي لمدينة القاهرة أدى لتغيير بعض الوجوه بالنظام دون أي ثورة فعلية وهذا أيضا يتوافق مع مفهوم ابن خلدون بافتقاد المدينة لعصبية الدم وعصبية الدين كونها من مكونات مختلفة دينية ودموية..
ومن مفارقات تاريخ سورية الحديث فإن الثورة السورية الكبرى كانت شرارتها أيضا من حوران بعد هجوم ثوار خربة غزالة على القطار الذي يحمل رئيس حكومة الانتداب علاء الدين الدروبي لتشتعل بعدها الثورة بجميع أنحاء سورية في 21 أب 1920م
ولطالما أصبح أطفال درعا رمز لانطلاقتها بجميع المحافل لما يحمل الأطفال من براءة وعفوية ولا أحد يختلف على الطفولة فهي ثورة شعبية عامة ضد منظومة الحكم المستبدة وليست ثورة نخب وإيدلوجيات.
ولكن لا يزال النظام وفكر البعث يحاول زرع الشقاق والخلاف بين مكونات الشعب السوري ومناطقه وبين الريف والمدينة والمحافظة والمحافظة والعشيرة والعشيرة ليبقى متسيّد المشهد لبقاء المدن خارج الثورة وتحت سيطرته لذلك تم إقصاء معظم أبناء المدن المؤثرين من القرار الثوري والمعارضة السورية وخاصة أبناء دمشق وحلب وغيرهم من مدن وهو اختراق خطير من النظام للثورة ليشق صف الثورة والمجتمع وأنها ثورة ريف ضد مدينة فتصدر حثالة المدينة ورعاع الريف للواجهة ليتم التلاعب فيهم بسهولة لطالما لعب النظام على جميع الأوتار للبقاء بالسلطة فتارة حامي الأقليات وتارة حامي العلمانية وتارة حامي الدين وغيرها من خدع ينتهجها هذا النظام للبقاء بالسلطة وشعبنا للأسف لا يزال يسمع ويخدع بأفعاله بسبب التصحر الفكري والأخلاقي.
وفي الختام بورك هذا الشعب العظيم الذي قاد ويقود أعظم ثورة عرفها التاريخ وسوف تنتصر هذه الثورة لا محالة رغم تأخر انتصارها وبورك هذا الشعب الذي لا يزال صامد ومتمسك بالنصر بمسلميه ومسيحييه وعربه وكورده وجميع مكوناته وجميع محافظاته من درعا حتى الحسكة مرورا بدمشق وحلب وإدلب وحمص وحماه والرقة ودير الزور والساحل والسويداء
وسنبقى شعب واحد ووطن واحد وعاشت سورية حرة أبية وموعدنا مع النصر بدمشق عاصمة الأمويين غريمة إيران ولنفكر بالمستقبل وليس الماضي فمن يحسم النصر ويجمع شتات الثورة سيخلده الشعب السوري على مر التاريخ.
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.