محاور تسعى إيران من خلالها لبسط نفوذها في درعا
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
تشير العديد من الدراسات والتقارير مؤخرًا عن إمكانية أن تحد إيران من وجودها في سوريا، خاصة مع اقتراب التوقيع على الاتفاق المتعلق بالملف النووي الإيراني، ولكن إيران ترفض صراحة التخلي عن تدخلاتها في سوريا والمنطقة، وأكد على ذلك أكثر من مسؤول إيراني بشكل صريح، وأحدها عندما صرح مندوب إيران بأن ثلاثة نقاط في المفاوضات، يجب ألا يتم طرحها أو شرطها على إيران، وهي الصواريخ الإيرانية، وتدخلات إيران في المنطقة، وأيضا حرمان إيران من التكنولوجيا النووية.
وفي سياق التدخل الإيراني والتمدد في سوريا، باتت محافظة درعا أبرز وأهم المناطق التي تعمل إيران منذ بداية الثورة السورية إلى تثبيت أقدامها فيها بوسائل مختلفة، فالمحافظة الجنوبية لها رمزيتها المناوئة للنظام السوري، لكن في مقابل ذلك هي البوابة الكبرى على الأردن ودول الخليج العربي والسعودية، كما أنها قريبة من حدود الجولان السوري، وهي ما تشكل ورقتي ضغط سياسي واقتصادي بيد طهران يمكنها استخدامهما حتى في مفاوضات النووي.
العشائر على ضفّتين
على غرار الصحوات في العراق التي أنشأها الأمريكيون من عشائر محافظة الرمادي بشكل خاص لمحاربة الثوار بعيد احتلال العراق، حاولت من خلال النظام بعد تسوية 2018 إعادة نفس التجربة في درعا، من خلال تشكيل مجموعات مسلحة نجحت في الإبقاء على قسم منها وهي مرتبطة بالأمن العسكري والفرقة الرابعة.
ثم سعى النظام عبر لجنته الأمنية الموالية لإيران من خلال اللواء حسام لوقا من جهة، والعميد غياث دلا القيادي في الفرقة الرابعة، إلى استمالة وجهاء من حوران من عشائر كبيرة، والاتفاق معهم على تشكيل ما يعرف بـ” مجالس شورى العشيرة” والتي تتكون من رئيس مجلس شورى، ورئيس للمكتب السياسي، وآخر للعسكري، وتنظيم أبناء هذه العشائر، في ميليشيات مسلحة مرتبطة بشكل غير مباشر بالفرقة الرابعة في ريف درعا الغربي، لتكون بديلًا لقوات الفرقة من خارج المحافظة على حواجز المنطقة ولحماية مصالح النظام فيها.
لكن جهود النظام لم تفلح بتحقيق هذا الأمر، نتيجة لتدخل بعض الأشخاص المحسوبين على المعارضة، من بينهم القيادي السابق “أدهم الكراد” من خلال علاقاته مع الثوار من أبناء هذه العشائر، والعمل على إثارتهم للوقوف في وجه أخطر مشروع إيراني في الجنوب، ما تسبب بإفشاله، وكان تدخل الكراد أحد أسباب اغتياله من قبل ميلشيات النظام في وقت لاحق.
ومن جهة أخرى، تمكنت إيران من تجنيد “عبد العزيز الرفاعي” وأعطته صفة شيخ وساعدته في الوصول إلى مجلس الشعب، وسبق الرفاعي أن زار إيران أكثر من مرة قبل وصوله إلى مجلس الشعب، وتصديره للشارع في المنطقة كوجه اجتماعي بارز يسعى إلى حل الخلافات وإصلاح ذات البين، حسب تقرير سابق لـ”تجمع أحرار حوران”.
اقرأ أيضاً.. كيف اخترقت إيران العشائر في جنوب سوريا؟
حيث عزز تواجد الرفاعي في صف إيران موقف بعض أفراد عائلته المستفيدين من النظام والمقربين منه، ونجح بعضهم في الوصول إلى مناصب قيادية في المحافظة من بينهم “حسين الرفاعي” أمين فرع الحزب في المحافظة، والقيادي السابق في المعارضة “محمد علي الرفاعي” المعروف محليًا بـ (أبو علي اللحام) الذي عاد من الشمال السوري المحرر إلى مسقط رأسه في أم ولد ليتزعم مجموعة عسكرية تعمل لصالح الميليشيات الإيرانية في المنطقة وتعمل على اعتقال واغتيال معارضي النظام وإيران في المنطقة، وتسهيل عمليات تهريب وترويج المواد المخدرة، بحسب “التجمع”.
تجارة المخدرات
تعلم إيران أن العقوبات المفروضة عليها وعلى النظام السوري، تجعل منهما غير قادرين على تمويل المجموعات المسلحة والمجموعات الأمنية التابعة لهما ي سوريا بشكل عام وفي درعا بشكل خاص، لذا استغلت إيران الموقع الجغرافي لمحافظة درعا، لتصنيع وتجارة المخدرات.
فبعد عملية التسوية غي العام 2018 انتقلت الميليشيات الإيرانية من تجارة العبور للمخدرات عبر درعا إلى الحدود الأردنية، إلى التصنيع من خلال إنشاء عدد من معامل تصنيع حبوب الكبتاجون في عدة مناطق مختلفة، ويصل إنتاج هذه المعامل إلى نحو 130 ألف حبة كبتاجون يوميًا.
وتدر عملية تصنيع وتجارة المخدرات أموالًا طائلة على الميليشيات الإيرانية والنظام السوري وهي قادرة على تمويل عملياتها بشكل كامل، إذ باتت هذه التجارة أحد أهم أعمدة الاقتصاد غير الشرعي في سوريا.
كما باتت أحد أوجه ما يعرف باقتصاد الحرب الذي سخره النظام وحلفاؤه للتحايل والتخلص من العقوبات الدولية، والذي يعرف على أنه “مجموعة التدابير التي تتخذها الدولة خلال الحروب أو عند اندلاع الأزمات والنزاعات الداخلية كي يصمد اقتصادها خلال هذه الظروف الاستثنائية، وذلك عبر اعتماد نظام إنتاجي يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية التماسك على المستوى الداخلي المدني وكسب المواجهة العسكرية”.
وفي سوريا اتخذ اقتصاد الحرب منحىً آخر عن المفهوم العام، فالحرب في سورية حرب داخلية، وما يميز اقتصاد الحرب فيها أنه بني على تدمير الاقتصاد الوطني، ونمو السوق السوداء، وعمليات السلب والابتزاز والاحتيال، كما برز سوق التهريب كنموذج مهم، وخاصة تهريب المخدرات كأحد أبرز وجوه الاقتصاد لتسيير أمور الأجهزة الأمنية في ظل التدهور الاقتصادي الحالي.
الاغتيالات عقوبة للرافضين للمشروع الإيراني
كانت عملية التسوية الأولى في 2018، مدخلًا لاغتيالات منظمة وغير منظمة في المحافظة، إذ تشهد درعا منذ ذلك الوقت فوضى أمنية غير مسبوقة، حيث ترك الروس الذين أشرفوا على عملية التسوية الباب مفتوحًا لدخول الميليشيات الإيرانية، التي استطاعت تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين على شكل خلايا أمنية، بالإضافة إلى استثمارها بعناصر تنظيم داعش السابقين.
فبعد عملية التسوية في درعا، تم إنشاء ما يعرف بمكتب أمن الفرقة الرابعة، بقيادة المقدم محمد العيسى، وهو ضابط في الفرقة الرابعة، ومتهم بارتكاب جرائم حرب في الغوطة الغربية لدمشق، وقد نجح العيسى بتجنيد عدد من أبناء درعا من أجل عمل دراسات شاملة عن الشخصيات المعارضة، وقادة الفصائل الرافضين للتسوية، من أجل رفع هذه الدراسات لقيادة الفرقة الرابعة وللأجهزة الأمنية لتقييمها وتحديد الأشخاص الخطرين وفقها، حيث أن هذه الدراسات تسهم إلى حد كبير بتحديد الشخصيات المعارِضة التي يجب أن تتم تنحيتها عن المشهد في المحافظة.
وقد وظفت إيران عمليات الاغتيال لصالحها، من أجل مشروعها التوسعي في الجنوب، فهي مستفيدة من التخلص من المعارضين لوجودها من خلال تصفيتهم، كما أن لهذه الاغتيالات دور مهم في دفع العديد من الشبان من أبناء المحافظة إلى مغادرتها إلى وجهات متعددة كلبنان، والشمال السوري، ودول أخرى، وفي الحالتين تتحقق المصلحة الإيرانية في بسط السيطرة دون وجود مقاومة قوية ضدها.
شاهد.. الاغتيالات تتصدر المشهد من جديد في درعا
يذكر أن تجمع أحرار حوران، تمكن من توثيق 88 عملية اغتيال في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي في محافظة درعا، أسفرت عن مقتل 68 شخص، وإصابة 30 آخرين بجروح متفاوتة، فيما نجا 13 شخصًا من محاولات الاغتيال.