لماذا تعجز إيران عن قهر درعا..؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
منذ اليوم الأول في الثورة السورية، دخلت إيران على خط مواجهة المظاهرات في درعا من خلال إرسال مستشاريها الأمنيين للتخطيط مع أجهزة النظام الأمنية لقمع هذه المظاهرات كي لا تزيد وتمتد إلى بقية المدن السورية.
ولكن منذ تلك البدايات فشلت إيران التي عملت منذ الأسبوع الأول على ارتكاب مجزرة كبرى راح ضحيتها 65 شخصًا من أبناء ريف درعا الذين جاؤوا تلبية لنداءات الفزعة “الحورانية” من درعا البلد، ولعل المراقب يتساءل، أليست هذه المجزرة ولم يمض بعد على انطلاق المظاهرات التي كانت تطالب في الأسبوع الأول بالإصلاح كفيلة بإيقاف ما يعتبره البعض جنوناً من أبناء درعا بمواجهة أكثر الأنظمة وحشية في المنطقة؟
كان على النظام وإيران أن يدركوا منذ تلك المجزرة أنهم لن يستطيعوا قهر درعا أيا كان الأسلوب الذي سيتبعونه في مواجهة أبنائها، ولاحقاً لم يترددوا باستخدام كل المحرمات من الأسلحة لإسكات أبناء المحافظة، ولكنها وحتى الآن لا تزال الرقم الأصعب في معادلة المشروع الإيراني من جهة، واستقرار النظام لاستكمال تنفيذ مشاريعه المتعلقة باستتباب الأمن والتمهيد لعودة اللاجئين من أجل البدء بإعادة الإعمار.
11 سنة أنهكت إيران
في نهاية العام 2011 بدأت كتائب صغيرة تحت تسمية “الجيش السوري الحر” بالتشكل في درعا، وبدأت بالسيطرة على مدن وبلدات المحافظة واحدة تلو الأخرى لتبلغ ذروتها في عام 2015، ولكن وخوفا من أن تكون تجربة درعا خاصة وسوريا عامة في المطالبة بالحرية نموذجاً يستنهض مناطق أخرى، بدأ التآمر على الثورة، فتدخلت روسيا إلى جانب إيران التي أنشأ قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني غرفة للعمليات في درعا في منطقة مثلث الموت واستمرت المعارك حتى تموز 2018، حيث اكتملت حلقة التآمر بالتسوية المضمونة روسياً.
اعتقدت إيران ومعها النظام السوري وروسيا من خلفهم أنهم بعملية التسوية تمكنوا من إنهاء الثورة السورية، فدرعا تتميز بثورتها “المعتدلة” والمقبولة محلياً ودولياً، فثورتها تهدف لإنقاذ وطن، لا لإنشاء إمارات دينية أو طائفية.
أربع سنوات مرت منذ تموز 2018، استخدمت فيها كل عمليات الاغتيال والتصفية للثوار من أبناء درعا، كان هناك اعتقاد سائد لدى الإيرانيين والنظام أنه بهذه الطريقة سيسكتون كل من يقف في طريق مشروعهم ولكن لم تزد هذه الأحداث درعا وأبناءها إلا صموداً وثباتاً وإن بدت في بعض الفترات أنها ركنت إلى الهزيمة، لكنها توقن وأبناؤها أن الهزيمة في معركة لا تعني الهزيمة في حرب، فالحرب طويلة، وكلما طالت الحرب ثبت انتصار أبناء الأرض التي تلفظ كل غريب، وبات أبناء درعا على هذا اليقين، أن “الحرب سجال يوم نُساء ويوم نُسر”.
طفس ليست الهدف!
قبل عام كامل وفي تموز 2021 لم تكن أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات في مدينة درعا الهدف الوحيد لإيران وذيلها الفرقة الرابعة، ولم تكن التسوية التي أُنجزت بعد تلك الحملة نهايةً للأمر، إنما المرحلة الثانية من المخطط الذي يهدف لتفكيك المحافظة وفق الأسلوب الإيراني الذي يشبهه المحللون العسكريون بنسج “السجاد الفارسي” البطيء، أي أنّ ما يجري الآن في درعا عملية قضم بطيء لمدن المحافظة تقوم على الفوضى بالقتل والاغتيالات من جهة، وتقوم على الحصار البطيء والهجمات والتسويات الجديدة لمعرفة من يجب تصفيته من جهة أخرى.
فالمشروع الذي تنفذه إيران يحتاج لكثير من العمل، ولا بأس بالنسبة لإيران أن تهدر فيه الوقت الذي يحتاجه كاملاَ وإن امتدّ لعدة سنوات مضى منها أربع سنوات حتى الآن.
ولكن في مقابل ذلك، تغفل إيران بشكل أو بآخر عن أمر مهم، وهو أن أبناء درعا لم يفقدوا قدرتهم على المقاومة، فهم يستريحون حيناً ويقاتلون آخر.
لذلك تُحاصر طفس اليوم ويتم استهدافها ومحاولة فرض تسوية جديدة عليها تهيئة لتصفية من تبقى من أبنائها، ولكن طفس ليست وحدها الهدف الآن، ففي الوقت الذي يُسلط الضوء عليها هناك تقدم نحو مناطق أخرى، في الريف الغربي، وفي الجيدور، وقريباً درعا البلد مجدداً وما حل مركزية مدينة درعا إلا تمهيد لاستهداف جديد لمهد الثورة السورية.
المقاومة واحدة من إيرلندا الشمالية لدرعا
يُقال أن نصف الانتصار في أي معركة هو العامل النفسي، وأيضا من الممكن الاستفادة من تجارب سابقة في التاريخ، فالمقاومة ضد الظلم والاستبداد متشابهة وإن اختلفت الظروف في الزمان والمكان.
أثبتت درعا خلال الأعوام الماضية أنها تشبه إيرلندا الشمالية إلى حد كبير، فتاريخ المقاومة الإيرلندية ضد المملكة المتحدة طويل تاريخياً، ولكنه تكلل في مطلع القرن الماضي بثورة استمرت عدة أعوام قادها “الجيش الجمهوري الإيرلندي” ضد المملكة المتحدة التي استخدمت كل الأساليب كدولة عظمى لإسكات الثوار، كالقتل والسجن والاغتيال وارتكاب المجازر إلا أنها أقرتفي النهاية بحقهم بتقرير مصيرهم.
لا يختلف الأمر في درعا كثيراً، فدرعا تلك الباقية الوحيدة التي تقف في وجه أكبر مشروع إجرامي في المنطقة، وهي تثور تارة وتخبو تارة أخرى وهذا ما يحير أعداءها، ولكن الشيء الحقيقي أنها ستنتصر في نهاية الأمر.
درعا على مدار السنوات الماضية استثارت إعجاب عدد كبير من الباحثين من العرب ومن الغربيين، حتى بدأت التساؤلات حول كيفية صمود محافظة صغيرة في وجه دول.
أحد الباحثين السوريين، نقل تشبيهه لدرعا بإيرلندا الشمالية خلال المعركة التي خاضتها درعا البلد في الصيف الماضي، خلال إجابته على تساؤلات باحثين غربيين فقال: “كنت ولا أزال أتفاخر بدرعا، أُحدث عنها كل الباحثين الغربيين الذين ألتقي بهم، أقول لهم -مُحاولًا تبسيط المشهد فيها- إنها شبيهة بحالة إيرلندا الشمالية، هي تحت تسوية معينة، لكن قلوب وعقول أهلها أبعد وأقرب إلى الحرية والتمرد، فلا النظام استطاع تطويع أهلها، ولا الدرعاويون تمكنوا من القبول بأدنى من الحرية.
هي عشائرية، لكنها سمت فوق عصبية العشائر، هي مُحاطة بكل أساليب الموت، لكنها تُقاوم بالحد المعقول والمقبول كي لا يموت كل من فيها، فضّلت درعا أن تُعطي العالم أجمع رسالة مفادها: أن نخسر المعركة لا يعني خسارة شغفنا نحو الحرية، “نحن باقون هنا، وللحلم بقية”.