هجرة جديدة من درعا هي الأكبر منذ سنوات.. من المستفيد؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
أربع سنوات كاملة مرت منذ سيطرة النظام على محافظة درعا بموجب اتفاق التسوية الأول منتصف عام 2018، ليتبعه اتفاقات تسوية متعددة في صيف عام 2021، كان أحد بنودها الرئيسية، إطلاق سراح المعتقلين، وإيقاف عمليات الاعتقال وتمديد تأجيل الخدمة الإلزامية، ولكن لنظام كعادته نكث بكل الاتفاقات، وعاد لعمليات الملاحقة الأمنية، وحصار المدن والبلدات.
من جهة ثانية، تزداد الأوضاع الاقتصادية في درعا وسوريا بشكل عام سوءاً، خاصة منذ مطلع العام الحالي الذي شهد تدهوراً غير مسبوق لسعر صرف الليرة السورية، وارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ورفعاً للدعم المقدم لشريحة كبيرة من المواطنين عبر ما يُعرف بالبطاقة الذكية، وبالإضافة لذلك ازداد تدني فرص العمل وثبات الأجور بشكل لا يتناسب مع أسعار الصرف الحالية، كل هذه العوامل إضافة للعوامل الأمنية باتت تشكل أسباباً كبرى للبدء بموجة هجرة جديدة لأبناء المحافظة تعتبر الأكبر منذ 4 سنوات.
الباب الموارب
كعادته أغلق النظام جميع السبل أمام أبناء المحافظة، ولم يترك لهم الحرية في ممارسة حياتهم وتطوير أي من أعمالهم، على الرغم من الادعاءات الكاذبة التي تدعيها سلطاته “المدنية” الممثلة بالمحافظ ومجلس المحافظة وغيرها من إصلاحات تسعى لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.
ففي حقيقة الأمر، تقف الأجهزة الأمنية وعلى رأسها فرع الأمن العسكري كحجر عثرة في وجه أبناء المحافظة على اختلاف أعمارهم وتوجهاتهم، وتمنعهم من العودة لحياتهم الطبيعية، فعمليات الملاحقة الأمنية والاعتقال لا تزال مستمرة بهدف الابتزاز من جهة وإخفاء الشخصيات المعارضة قسراً من جهة أخرى.
لكن في الوقت نفسه، أبقى النظام شقاً صغيراً من الباب المغلق، وذلك بعد أن عاد ومنح التسهيلات مؤخراً للحصول على جواز السفر المستعجل مقابل مبلغ يزيد في الحقيقة عن المبلغ المُعلن عنه وهو 500 ألف ليرة سورية، وهذا ما دفع الآلاف من أبناء المحافظة وعلى رأسها فئة الشباب للوقوف في طوابير الانتظار أمام فرع الهجرة والجوازات يومياً للحصول على جواز السفر بغية الخروج بشكل نهائي من البلد الذي بات الكثير يراه بؤرة للجحيم ليس أكثر.
هجرة كبيرة
لم تتوقف محاولات الخروج من درعا والهجرة سواء إلى أوروبا، أو السفر إلى الخليج العربي وخاصة الإمارات بحثاً عن فرصة لحياة أفضل منذ عدة سنوات، لكن هذه المحاولات عادت في الأشهر الأخيرة بوتيرة أكبر وأكثر تصاعداً.
مؤخراً لوحظ خروج أعداد كبيرة من أبناء المحافظة، لكن اللافت في الأمر أن الهجرة لم تعد تقتصر على فئة الشبان وحدها، بل عادت إلى ما كانت عليه في العام 2015 خلال موجة الهجرة السورية الكبرى إلى أوربا، حيث تخرج النساء والأطفال، كما أن هناك العديد من الأهالي باتوا يرسلون أبناءهم مع أشقائهم وشقيقاتهم.
اقرأ أيضاً.. درعا: أكثر من 100 مهاجر يصلون أوروبا
وبحسب معلومات حصل عليها “تجمع أحرار حوران” فإن المئات في مدينة درعا وريفها باعوا منازلهم وعقاراتهم وغادر قسم منهم سوريا للبدء برحلة المجهول فيما يتحضر آخرون لها وسط تكلفة عالية تتراوح ما بين الـ 5 – 8 آلاف دولار أي تصل لنحو 35 مليون ليرة سورية.
وبحسب المصادر فإن هذه الهجرة تتم بتسهيلات من النظام السوري، الذي يمنح جوازات سفر بشكل يومي من جهة، ويسهل عمليات الخروج لأبناء درعا من جهة أخرى سواء عبر المطار أو عبر المنافذ البرية.
وتضيف المصادر أن ما لا يقل عن 40 ألف شخص من أبناء المحافظة يتجهزون حالياً للسفر، معظمهم إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا عبر البحر، ومنهم إلى روسيا ليقطعوا طريقا برياً طويلاً يمر عبر بيلاروسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.
مصلحة سورية روسية
هجرة أبناء درعا بشكل خاص، وسوريا بشكل عام مصلحة مهمة للغاية لكل من النظام وروسيا وإيران، فالنظام يسعى لتوسيع موارده المالية في ظل العقوبات التي لا تزال مفروضة عليه، وقد وجد في إعادة منح التسهيلات لاستصدار جوازات السفر موردا مهما، إضافة إلى رغبته بالتخلص من كل من يعارض وجوده في المحافظة لتسهل سيطرته عليها.
أما بالنسبة لروسيا، فالأمر مختلف فلا يعنيها الدافع المادي، إنما تهدف للضغط على دول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي، إضافة للتأثير على الانتخابات القادمة في عدة دول أوروبية.
فمؤخراً أكد تقرير اللجنة البرلمانية لأمن إيطاليا “كوباسير”، وجود علاقة بين ازدياد عدد المهاجرين الذين يغادرون إقليم برقة، شرقي ليبيا، وبين استراتيجية الكرملين الشاملة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما التي تمر بمرحلة انتخابات، ويخضع الإقليم الليبي المذكور لسيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتنتشر فيه بنفس الوقت مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية.
ويدعم التقرير البرلماني حديث صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، عن دور محتمل لفاغنر في زيادة تدفقات المهاجرين المنطلقين من ليبيا، خاصة من سواحلها الشرقية، التي لم تكن في السابق نقطة انطلاق نحو إيطاليا بسبب البعد الجغرافي، إذ إن السواحل الليبية الغربية، خاصة الممتدة من بلدة زليتن شرقاً إلى بلدة زوارة في أقصى الغرب، مروراً بمدن القرة بوللي والزاوية وصبراتة، شهدت أكثر عمليات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الجنوبية لإيطاليا.
وبحسب التقارير، فإنه من المستغرب أن ينتقل المهاجرون غير النظاميين من شرقي ليبيا مباشرة نحو السواحل الإيطالية، رغم بُعد المسافة ووجود طريق أقرب.
وتفيد التقارير الصحفية، بأن تدفق المهاجرين على إيطاليا بكثافة يصب في مصلحة الأحزاب اليمينية، وعلى رأسها حزب الرابطة المعادي للأجانب، ما قد يمكّنه من حصد المزيد من الأصوات والمقاعد، والعودة مجدداً لرئاسة الحكومة.
اقرأ أيضاً.. أستاذ جامعي: خطة جديدة للسيطرة على سوريا
بينما أثبت التحقيق الذي أجرته اللجنة البرلمانية الإيطالية عبر جلسات الاستماع مع أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية، أن المزيد من المهاجرين يغادرون أكثر من برقة الليبي.
وتوصّلت اللجنة في تقريرها الذي سلمته للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ، إلى استنتاج مفاده أن “ضغط الهجرة، أحد وسائل الحرب المختلطة لروسيا، في محاولة لخلق استراتيجية حقيقية للفوضى”.
لذلك فإن موسكو تراهن على فوز الأحزاب اليمينية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وحصول الحزب الجمهوري على الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، لخلخة الموقف الأوروبي والأمريكي من الحرب الروسية في أوكرانيا، للوصول إلى غرض كسر العقوبات الغربية عليها.
إيران المستفيد الأكبر
من جهتها، تسعى إيران لاستكمال مشروعها الرامي إلى السيطرة على الجنوب السوري وخاصة درعا، لتحويل المنطقة لضاحية جنوبية جديدة، ولدعم هذا المشروع فمن المفضل لدى الإيرانيين تهجير القدر الأكبر من أبناء المحافظة ولكن بشكل طوعي، وذلك بهدف تخفيف التقارير التي تفيد بوقوف طهران خلف الفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال في المحافظة.
ومؤخرا بدأت بوادر المشروع الإيراني بالتبلور بشكل أكبر من ذي قبل، خاصة مع نية إيران إنشاء القاعدة الأكبر لها في محافظة درعا، حيث بدأت إيران بنقل قوات تابعة لها من الميليشيات غير السورية إلى محافظة درعا، وعلى رأسها ميليشيا فاطميون الأفغانية، وتعتبر هذه الميليشيا رأس حربة للحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني في سوريا، نظرا للشراسة في القتال والقتل الذي تتمتع بها، بحسب تقرير سابق لـ”تجمع أحرار حوران”.
وفي هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة “القبس” الكويتية، نهاية الشهر الماضي، نقلاً عن مصادر مطلعة داخل إيران، أن طهران أرسلت أخيراً وحدات جديدة من فيلق القدس “الجناح الخارجي للحرس الثوري” إلى الحدود السورية الأردنية، وهي بصدد إنشاء قاعدة كبيرة بدلاً من النقاط الصغيرة التي تستخدم من قبل ميليشياتها في المنطقة.
وبحسب الصحيفة، فإن الحرس الثوري أرسل ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” بزعامة القيادي في الميليشيات الأفغانية “حكمت الله هراتي”، وصلت مؤخراً من طهران إلى دمشق ثم إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، وقد أُرسلت تحديداً للاستقرار والانتشار على الحدود السورية – الأردنية بعد أن تم تدريبها، في معسكرات تابعة للحرس الثوري جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، وهي مجهزة عسكرياً أكثر من الميليشيات الإيرانية المتمركزة في دمشق.
وأشارت المصادر الإيرانية إلى أن الحرس الثوري أنشأ قيادة جديدة لإدارة المنطقة السورية الجنوبية، وتولت هذه القيادة مهامها الأسبوع الماضي بعد أن استكملت الوحدات الأفغانية انتشارها على طول النقاط الحدودية مع الأردن.
وأوضحت المصادر الإيرانية، أن الحرس الثوري أطلق اسم “مالك الأشتر” على القاعدة الجديدة التي بدأ استكمال بنائها وانشائها في ريف درعا، مبينة أن عدد عناصر ميليشيات “فاطميون” الذين نقلوا إلى الحدود السورية – الأردنية يبلغ نحو 350 عنصراً إضافة إلى ضباط وكوادر للحرس الثوري. وتريد إيران الاستقرار لفترة طويلة هناك، وأكدت المصادر أن عائلات عناصر لواء “فاطميون”، التحقت بهم بعد وصولهم الى درعا.
ونقلت الصحيفة عن المصادر الإيرانية، أن طهران تخطط للاستثمار في المنطقة الجنوبية من سوريا، وإنشاء قاعدة “مالك الأشتر” في درعا هو في جزء حماية الشركات الإيرانية من هجمات قد تشنها فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى انشاء نقطة مركزية ثابتة في الجنوب لإحكام السيطرة على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ دمشق.
وتشير العديد من المعلومات التي حصل عليها “تجمع أحرار حوران” من مصادر خاصة، أن الإيرانيين بدأوا فعلا بنشر عناصرهم في محيط مدينة درعا، وبالقرب من درعا البلد وسط تجهيزات للبدء بإنشاء القاعدة، والتي لن تكون ضمن مكان واحد، بل ستتوزع في أكثر من المنطقة تجنباً للتدمير في حال استهدافها، إنما من المرجح أن تكون قاعدة الدفاع الجوي قرب درعا البلد هي القاعدة الأم لكل القواعد الأخرى.
والجدير بالذكر أن عمليات الهجرة لن تتوقف، فالسوريون ومنهم أبناء درعا بات هدفهم الوحيد هو البحث عن إيجاد فرصة جديدة للحياة أياً كان الثمن الذي سيدفعونه مقابل ذلك.