القوة الناعمة.. الوجه الآخر للتمدد الإيراني في الجنوب السوري
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
في الوقت الذي تركز الدول التي تقف ضد التواجد الإيراني في سوريا وعلى رأسها إسرائيل جهودها على التمدد الإيراني العسكري، فإن هناك تمدداً إيرانياً من نوع آخر هو أشد خطراً على سوريا بشكل عام وعلى الجنوب بشكل خاص، خاصة خلال السنوات القادمة.
إيران وتصدير الثورة
منذ الثورة التي قام بها المرشد السابق لإيراني الخميني، أعلن أن المبدأ الرئيسي لهذه الثورة هو تصديرها إلى الدول المجاورة، وكان من ضمن الخطة العمل على تثبيت أقدام الثورة الجديدة في العراق ولبنان واليمن، ولكن بعد سنوات طويلة وجدت إيران أنه ليس هناك بد من السيطرة على سوريا، لأنها ستكون حجر الزاوية في تكوين الهلال الشيعي الذي سيكون قادرا على فرض ظله على الدول العربية الأخرى، بدءاً من الأردن ووصولا إلى السعودية ودول الخليج العربي.
وقد استغلت إيران انطلاق الثورة السورية، والرد الدموي للنظام السوري للدخول من الباب الواسع إلى سوريا، وكانت في الوقت نفسه قد دخلت إلى اليمن مع انطلاقة الثورة اليمنية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومع تمكن الحوثيين من السيطرة على العاصمة صنعاء، وتمكن نظام بشار الأسد من استعاد السيطرة على قسم كبير من الأراضي التي خسرها أمام المعارضة، وخاصة الجنوب، كانت إيران قد أحكمت هلالها الشيعي، حيث تقوم الآن بحصار الأردن من جهة الجنوب السوري، وتحاصر السعودية من اليمن.
ومع استعادة الأسد السيطرة على الجنوب “درعا والقنيطرة” بشكل خاص، بدأ المخطط الإيراني بالعمل على الركن الرئيسي وهو تجنيد الشباب في هذه المنطقة، إذ تمكنت إيران عبر أذرعها السورية، وذراعها اللبناني حزب الله من تجنيد ما يزيد عن 3000 في مناطق الجنوب السوري، بحسب تقرير سابق لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
اقرأ أيضاً.. هجرة جديدة من درعا هي الأكبر منذ سنوات.. من المستفيد؟
ومن أجل أن تحافظ إيران على استراتيجيتها في إبقاء هؤلاء العناصر تحت إمرتها، كان لا بد من خطة اقتصادية تكون بعيدة عن خزينة الدولة الإيرانية، فعمدت إلى تصنيع وتهريب وتجارة حبوب الكبتاجون، وقد وجدت في محافظة درعا ضالتها الاستراتيجية لهذا المشروع، فاستطاعت منذ العام 2018 وحتى الآن، تحويل المحافظة إلى الكارتيل الأكبر في المنطقة في إنتاج وتهريب المخدرات إلى دول الجوار.
القوة الناعمة خارج نطاق المواجهة
من الواضح خلال السنوات السابقة أن استهداف إيران كان استهدافا عسكرياً، وبشكل خاص من قبل إسرائيل، وبدرجة أقل الولايات المتحدة، فقد غطت الغارات الإسرائيلية المستمرة منذ التدخل الإيراني في سوريا على جوانب التدخل الإيراني الأخرى والتي لا يبدو أن لإسرائيل أو حتى الولايات المتحدة رغبة بمواجهتها، إذ ترى أن نتائجها تحتاج لسنوات لتظهر هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهي لا تشكل خطراً محدقاً على مصالح الطرفين.
من جانبها، تعمل إيران وفق استراتيجية “النفس الطويل” في الجنوب وفي سوريا عموماً، على أمل أن تحصد نتائج عملها في المستقبل، ومن أجل ذلك فهي تغامر بتحمل الغارات الإسرائيلية ولا تهتم من الناحية العملية بفقدان عناصرها خاصة أن معظمهم من المرتزقة من أفغانستان والعراق ولبنان، فالعنصر البشري في هذه المرحلة التأسيسية للمشروع الإيراني الأكبر هو عبارة عن “جسر” ليس أكثر لتمرير ما هو أهم وهو تحويل المجتمع السوري “السني” في الجنوب إلى مجتمع شيعي من خلال وسائل تقوم إيران الآن بتنفيذها، وعلى رأسها تهجير فئة الشبان الذين باتوا يغادرون المحافظة بالآلاف، وتصفية واغتيال كل من يرفض هذا المشروع، وعلى الجانب الآخر تعمل على تشييع جيل صغار السن، من خلال الحلقات التعليمية والحسينيات التي تنتشر في عدة مدن في المحافظة، والتي تعتبر بلدة قرفا ثقلها الرئيسي.
اقرأ أيضاً.. كيف تعمل إيران على تحويل الجنوب السوري لضاحية جنوبية ثانية؟
وبحسب الخطة الإيرانية، كان من المقرر أن يتم افتتاح عدة مراكز ثقافية إيرانية في المحافظة، وخاصة في مدينة درعا، وقرفا، وحتى في بصرى الشام، لكن حتى الآن لم تتمكن من ذلك نتيجة وجود معارضات لهذا التوجه، ولكنها نجحت بطريقة أخرى من خلال حلقات تعليمية ومن خلال دفع رواتب لعائلات فقيرة في مناطق معينة، إضافة إلى الدورات التي تعقدها لعدد من رجال الدين من أبناء المحافظة “السنة” في مركز المستشارية الإيرانية في دمشق.
وطبقاً للتخطيط الإيراني، فإن حالة الانهيار الاقتصادي السوري الحالية بيئة ملائمة لتمرير هذا المشروع، من خلال استدراج العائلات الفقيرة بحجة تعليم أبنائهم ثم زجهم في معسكرات تدريبية عسكرية ودينية، في أعمار لا تتجاوز الـ 15 عاماً، كما تعمل على ذلك تماماً في دير الزور وحلب وجنوب دمشق، وبهذا تستطيع تكوين جيل متشبع بالأفكار والمعتقدات المذهبية الطائفية ما يجعل من المنطقة قنبلة موقوته قابلة للانفجار خلال سنوات لا يتجاوز عددها 5 سنوات في وجه دول الجوار للجنوب السوري.
مواجهة محلية غير كافية
لا تزال الاستراتيجيات المتبعة في مواجهة المشروع الإيراني في الجنوب تتمثل بالعمل الإعلامي والحقوقي القائم على تغطية عمليات التمدد الإيراني وما تقوم به إيران من انتهاكات وجرائم وعمليات لإنتاج المخدرات وتهريبها وعمليات التشيع، ولكن يبقى ذلك ضمن نطاق محدود.
فإيران تجد في أجواء الفوضى في أي مكان بيئة ملائمة يسهل فيها عملها ومشاريعها، وقد استطاعت خلال السنوات الماضية، إثبات أنها الرابح الأكبر باستغلال هذه الفوضى.
أما بالنسبة لمواجهة إيران على كل المستويات، فلا بد من دعم للمؤسسات القائمة على مواجهة إيران، ولكن بشكل مدروس ومنهجي بعيد، بحيث يكون معتمداً على مختصين وفاعلين بهذا الشأن من أجل التأثير بالرأي العام السوري الداخلي في الجنوب من جهة، ونقل ما يجري بشفافية للأطراف الأخرى.
اقرأ أيضاً.. إيران في درعا.. اللعب على المكشوف
أما بالنسبة لمواجهة إيران عسكرياً، سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الدول العربية المتضررة من الخروقات الأمنية المتمثلة بتهريب السلاح، وتهريب المخدرات، فلن تنجح جهودها ما لم يتم دعم السوريين أنفسهم في الجنوب لمواجهة إيران، ولكن أيضا بطريقة مدروسة وحقيقية ومختلفة عما كان عليه الحال إبان فترة دعم فصائل المعارضة التي أثبتت عدم قدرتها على تلبية طموحات السوريين سواء بالتخلص من نظام الأسد أو إيقاف النفوذ والمد الإيرانيين.