هل تحول الجنوب السوري إلى “كارتل” إيراني للمخدرات؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
الجنوب السوري، وخاصة درعا التي تحولت إلى مرتع للمخدرات والجريمة والاغتيالات باتت تشكل خطرًا على أبنائها، والدول الإقليمية التي تقع إلى الجنوب من سوريا، نتيجة لصناعة وتهريب المخدرات، وتهريب السلاح والعناصر الإرهابية.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يحرك أحد ساكنًا حتى الآن لوضع حد لما يجري، ولم تتبلور حتى الآن أي خطة للتعامل مع الإجرام العابر للحدود الذي يكاد يجعل من المحافظة السورية الجنوبية قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.
عضو مجلس النواب الأميركي، فرينش هيل، أكد أن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها لمنع وصول “سم” (الكبتاجون) إلى الشعوب بالدرجة الأولى، إضافة إلى وقف تمويل آلة النظام العسكرية عن طريق تجارة المواد المخدرة التي تدر عليه ملايين الدولارات.
وقال النائب الأمريكي إن النظام لم يكتف بمعاقبة الشعب السوري من خلال الحرب التي شنّها ضدهم، بل بدأ بمعاقبة الشرق الأوسط كاملاً عبر المخدرات التي ينتجها والتي من الواضح أنها تُهرّب عبر الأردن إلى الخليج وحتى أوروبا.
الجنوب يتحول إلى “كارتل” متكامل
يعرف “الكارتل” بأنه أي تنظيم إجرامي، يهدف إلى عمليات تجارة المخدرات، وقد استخدم هذا المصطلح عندما توصلت منظمات تجارة المخدرات الكبرى إلى اتفاقية لتنسيق إنتاج وتوزيع الكوكايين قبل عدة عقود خاصة في أميركا الجنوبية، ولكن لم تعد الكارتلات موجودة فعلاً، ولكن المصطلح بقي للإشارة إلى التنظيمات العاملة بالمخدرات.
في الجنوب السوري تحولت صناعة وتهريب المخدرات بعد العام 2018، إلى “كارتل” حقيقي، مكون من مجموعات إجرامية أسستها إيران بتركيبة تضم ميليشياتها، وقوات تابعة للنظام على رأسها الفرقة الرابعة، ومجموعات محلية معظمها من المعارضة السابقة وعلى رأسها قياديون التحقوا بالنظام منذ اليوم الأول من التسوية.
وبحسب الدراسات التي قام بها “تجمع أحرار حوران” خلال السنوات السابقة، فإن هذه المجموعات ليست مجرّد عصابات تقليدية، بل أصبحت حركة منظمة تقوم على صناعة حقيقية ونوعية لحبوب “الكبتاجون” و”الحشيش”، وتؤمن موادها بشكل غير منقطع من إيران عبر العراق، ومن لبنان، ويتولى كل من الحشد الشعبي العراقي، وحزب الله اللبناني تأمينها بشكل سلسلة مستمرة.
اقرأ أيضاً.. القوة الناعمة.. الوجه الآخر للتمدد الإيراني في الجنوب السوري
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ رافق صناعة المخدرات، صناعة دموية غير مسبوقة على خلفية طائفية وسياسية واقتصادية حيث أنشأت حركة صناعة المخدرات مجموعات موت شبه عسكرية وأمنية، يعمل فيها المئات من المقاتلين المحليين بتنسيق محكم بين مكتب أمن الفرقة الرابعة والفروع الأمنية وعلى رأسها فرع الأمن العسكري مهمتها تصفية كل من يقف في وجه هذه الحركة.
وتشير الوقائع إلى أن كتائب الموت شبه العسكرية، التي أسسها القائمون على تجارة المخدرات، وما يرافقها وينجم عنها من جرائم، جعل من قادة هذه المجموعات أمراء حرب فعليين، لم تعد إيران قادرة على الاستغناء عنهم، بل باتوا أكثر أهمية من مؤسسات النظام النظام الأمنية، خاصة أنهم قادة “محليون”، يهدفون إلى الربح المادي من خلال أكثر تجارة مربحة في العالم.
ونتيجة للتطور الذي شهدته درعا في صناعة وتهريب وتجارة المخدرات، إضافة إلى الحركة المنظمة بشكل كبير للمجموعات القائمة على هذه التجارة، فقد تحولت المحافظة إلى أهم “كارتل” في المنطقة.
هل يمكن القضاء على “كارتل” إيران في درعا؟
عضو مجلس النواب الأميركي، فرينش هيل، بين أنه في حال عدم ردع النظام السوري عن صناعة المواد المخدرة، فإن الكبتاغون سيصل إلى أفريقيا وجنوب أميركا والولايات المتحدة، مشدداعلى أن مصلحة الدول بجوار سوريا والاتحاد الأوروبي، تتمثل بتصميم استراتيجية توقف تهريب المخدرات وتوقف التمويل الذي يصل إليه منه، لأن الأسد أصبح مجرماً عابراً للحدود.
لا يبدو أن المهمة الأميركية سهلة، للحد أو وقف صناعة وتهريب المخدرات السورية، فهي تحتاج لأمرين مهمين:
الأول: أن يتم نقل مشروع عضو مجلس النواب هيل، إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، ثم المصادقة من قبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليكون نافذًا.
الثاني: في حال تمت الخطوات السابقة، فلا بد من وضع خطة متكاملة تستهدف كلا من القائمين على حركة صناعة المخدرات، وسلاسل التوريد الخاصة بها، حتى يمكن القول أن هذه التجارة بدأت بالتوقف.
على المستوى الاقتصادي، يمكن تعريف إدارة سلاسل التوريد على أنه إدارة تدفق السلع والبيانات والأموال المتعلقة بمنتجات أو خدمات، بدءًا من شراء المواد الخام وحتى تسليم المنتج إلى وجهته النهائية.
وفي تجارة المخدرات، وكأي تجارة أخرى فهناك سلاسل توريد، وخدمات لوجستية وهي جزء لا يتجزأ من هذه السلاسل، فالخدمات اللوجستية هي أحد مكونات سلسة التوريد، وتتضمن أنظمة إدارة سلسلة التوريد الرقمية اليوم حزم البرامج ومعالجة المواد لجميع الأطراف التي تعمل معًا لإنشاء المنتج أو الخدمة، وتنفيذ الطلبات، وتتبُّع المعلومات، بما في ذلك المورّدين، والجهات المصنّعة، وتجار الجملة، والناقلين، ومقدمي الخدمات اللوجستية، وبائعي التجزئة.
وتشمل أنشطة سلسلة التوريد المشتريات، وإدارة دورة المنتج وفي حالة الجنوب السوري “الكبتاجون”، وتخطيط سلسلة التوريد بما في ذلك تخطيط المخزون وصيانة أصول معامل “مكابس” وخطوط الإنتاج، والخدمات اللوجستية، بما فيها النقل وإدارة الطلبات من الدول المجاورة وهي ما تعرف بسلاسل التوريد الإقليمية والعالمية إذا تجاوزت عمليات التجارة الإقليم المجاور.
ولكن هناك نقطة تتعلق بـ”الكبتاجون” كنوع من أنواع المخدرات، وهي صعوبة تتبع صناعته وتجارته، فالصعوبة الأولى تتعلق بتتبع أنماط صناعة الكبتاجون وتهريبه واستهلاكه وتكمن في تحديد مركبه الطليعي، حيث يعمل القائمون على صناعته على تعديل تركيبته الكيميائية باستمرار.
أما الصعوبة الثانية، فهي أن الكبتاجون سهل التصنيع بطبيعته، وهذا الأمر خلق عدة شبكات في سوريا، وتتم إدارتها بشكل لا مركزي، وبموافقة من رأس النظام السوري، وإيران اللذين يمسكان عمليان بكل الشبكات عبر أشخاص خصصت مهمتهم بذلك، ومن أجل أن تكون عملية تتبعها صعبة، فإن هذه الشبكات لا تعرف بعضها البعض، وهذه اللامركزية في تصنيع الكبتاجون تجعل ضبط إنتاجها أو إيقافه في حال كان هناك نية لذلك لدى أي جهة صعبة.
ومن أجل ذلك، في حال التفكير في الحد من انتشار الكبتاجون، لا بد من العمل على سلاسل الإنتاج والتوريد كاملة وليس على مرحلة واحدة فقط، فمن غير المجدي أن يتم التعامل مع نقاط التصنيع فقط، لأن هذه الشبكة اللامركزية متفرعة جدًا وبالتالي يمكنها أن تعمل حتى من أي منطقة ويمكن أن تجد أي نقطة للتهريب.
وبالتالي، فالمطلوب أن يكون هناك تحركات منسقة بين الأطراف الفاعلة سواء داخل سوريا وخارجها لمكافحة كامل السلسلة من مرحلة التصنيع وصولاً لمرحلة الاستهلاك، وهنا لا بد من الاصطدام بالحقيقة وهي أن النظام السوري وإيران مستفيدون من هذه التجارة وهي إحدى أهم مصادر الدخل لديهم، فهم العقبة الحقيقية في وجه الحد من هذه التجارة.
إذاً فمن المستحيل، أن يقوم النظام السوري وإيران بالسماح بأن تمس أي جهة هذه التجارة، وذلك على الرغم من المباحثات التي يجريها سياسيو النظام كل فترة ويعلنون فيها أن سوريا ونظامها يكافحون المخدرات، فمن يمسك بهذه التجارة طرف آخر غير الذي يدلي بالتصريحات، وبالتالي فإن تجارة المخدرات لن تتوقف سواء نحو الأردن والخليج والسعودية، أو حتى على المستوى الدولي والداخلي.