هل يمكن أن يتحول الجنوب لساحة مواجهة إيرانية إسرائيلية؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لا يزال التمدد الإيراني منذ العام 2011 الأمر الأكثر إشغالا لإسرائيل، فالأخيرة بحسب تصريحات مسؤوليها المستمرة تؤكد أنها لن تسمح بتمدد إيراني يحول الجنوب السوري إلى ضاحية جنوبية جديدة.
ولكن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، فمنذ عملية التسوية في 2018، تمكنت إيران من بسط سيطرتها على معظم الجنوب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي مناطق محاذية لحدود الجولان السوري في محافظة القنيطرة، كمدينة البعث، وحضر وغيرها، إضافة لتمركزها بعناصرها غير المحليين في قواعد عسكرية في درعا والسويداء.
ماذا تقول إسرائيل؟
القائد السابق لفرقة “جولان” في الجيش الإسرائيلي رومان جوفمان، حذر من أن “أعداء إسرائيل” وعلى رأسهم إيران وميليشيا “حزب الله” اللبنانية، يسعون إلى “إقامة جبهة عسكرية ووجود مدني في جنوب سوريا”.
و قال جوفمان، إن “العمل على توسيع الطائفة الشيعية وتعميقها في جنوب دمشق وفي بعض القرى عبر الحدود، إلى جانب تجنيد السكان المحليين في أعمال إرهابية في القنيطرة والخضر، يهدد بجعل مستقبل المنطقة رهينة بأيدي إيران”.
وأشار القائد الإسرائيلي السابق، في تصريحات مؤخرًا، تابعها “تجمع أحرار حوران”، إلى أن الفعاليات التي تقوم بها فرقة “جولان”، “مثل إحباط محاولة الهجوم قبل عدة أيام على دورية حدودية إسرائيلية، تدفع إيران وحزب الله إلى الخروج من جنوب سوريا”، مضيفًا أن نشاط لواء جولان “يهيئ الظروف لاستمرار ازدهار هضبة الجولان، وبداية تعافي منطقة حوران”.
تصريحات إسرائيلية تثير عددًا من التساؤلات، حول إمكانية أن تقوم إسرائيل بشكل منفرد بمواجهة إيران في محافظتي درعا والقنيطرة بحسب ما أشار الجنرال الإسرائيلي، خاصة مع ضعف الأمل بتشكيل ما يشبه “ناتو” عربي يضم إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية خاصة جنوب سوريا.
ولكن بحسب المعطيات الحالية للأوضاع الحالية على الأرض، فإن التعامل الإسرائيلي مع إيران في الجنوب لن يتغير في هذه المرحلة بشكل دراماتيكي، فإسرائيل ومنذ سنوات تستهدف النقاط والأشخاص التابعين لإيران في محافظة القنيطرة، لكن ضمن درعا لم يسجل أي استهداف صريح لهذه الأهداف.
وبحسب خبراء لـ”تجمع أحرار حوران”، فإن إسرائيل خلال المرحلة الحالية غير مضطرة لتغيير استراتيجيتها تجاه إيران، فتغيير حالة المواجهة تحتاج لتغيير كامل في المشهد السياسي والعسكري في المنطقة وهو ما لم يحصل حتى الآن، لذلك سوف تستمر إسرائيل باستهداف إيران بالأسلوب الحالي، وفي المقابل ستستمر إيران بالتمدد بنفس الوتيرة.
ما الذي يسبب استمرار الوضع الحالي؟
هناك أمران مهمان بالنسبة للعالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، تسببتا بأن يتم إهمال سوريا أو عدم الاكتراث بها في الوقت الحالي، الأول هو الغزو الروسي لأوكرانيا والذي يشكل التهديد الأكبر لأوروبا والغرب ولذلك تتجه أنظار الدول الغربية إلى هذه الحرب التي لا يمكن حتى الآن استشعار متى تكون نهايتها، خاصة مع التصعيد الروسي الأخير بإعلان التعبئة والتهديد باللجوء للأسلحة النووية التكتيكية.
أما الأمر الثاني، فهو مفاوضات الملف النووي الإيراني، وهو الأمر الأهم للولايات المتحدة والغرب على صعيد منطقة الشرق الأوسط، فالملف يكاد أن يكون قد وصل إلى طريق مسدود باعتراف الخارجية الأميركية قبل أيام، على خلفية التعنت الإيراني برفض قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة وتفتيش 3 مواقع نووية إيرانية أشارت الوكالة في وقت سابق أنه عُثر فيها على بقايا من اليورانيوم المخصب لأغراض عسكرية، والوكالة بدورها تصر على تفتيش هذه المواقع.
وبين الحرب في أوكرانيا من جهة، وتعقيدات الملف النووي الإيراني، استطاعت إيران استغلال الأمرين لتعزيز تواجدها بشكل أكبر في سوريا خاصة مع الانسحابات الروسية التي جرت مؤخرا في مختلف المناطق ومن بينها الجنوب السوري.
ونتيجة لهذه الظروف لا تستطيع إسرائيل أيضا القيام بأي تصعيد عسكري ضد إيران في الجنوب السوري من شأنه أن يشعل فتيل حرب واسعة النطاق في المنطقة، لا ترغب كل الأطراف الدولية باندلاعها قبل إيجاد حلول للملفات الأخرى.
إلى أين تتجه الأمور في الجنوب السوري؟
بحسب مصادر مطلعة لـ”تجمع أحرار حوران”، فإن الأوضاع مستمرة على حالها في القنيطرة ودرعا، ففي درعا يزداد التغلغل الإيراني، محذرين من قيام إيران باستغلال الظروف والأوضاع الاقتصادية لتهجير أكبر عدد ممكن من أبناء المحافظة تحت مسمى الهجرة واللجوء لأوروبا، وبالفعل يغادر يوميا العشرات من أبناء المحافظة، من مختلف الفئات العمرية والجندرية إلى ليبيا أو إلى لبنان طلبا للجوء في دول الاتحاد الأوروبي.
وبحسب تقرير سابق لـ”تجمع أحرار حوران”، فإن عمليات بيع العقارات تتم بوتيرة مرتفعة، حيث أشارت احصائيات غير رسمية وبتقدير بعض تجار العقارات في المنطقة إلى أنّ نسبة العقارات المعروضة للبيع اليوم قد تتجاوز الثلث في بعض المناطق خاصة ريف درعا الغربي مع استمرار قوات النظام في عملياتها العسكرية والتشديد الأمني على الحواجز والاعتقالات المتكررة وابتزاز الأهالي مقابل الإفراج عن أبنائهم وارغامهم على دفع مبالغ مالية قد تصل إلى 5 آلاف دولار أمريكي، إضافة لعمليات القتل والاغتيال التي تعيشها المحافظة منذ 2018، دفعت هذه الأسباب الأهالي لعرض ممتلكاتهم للبيع بعد فقد الأمل في تغير أساليب النظام وفروعه الأمنية بالتعامل مع السكان هناك.
اقرأ أيضاً.. باب الهجرة مفتوح.. ومئات العقارات معروضة للبيع في الجنوب!
أصحاب المكاتب العقارية أكدوا أنّ جميع عمليات البيع التي تتم حالياً بين سوريين من أبناء المنطقة ولم تسجل أي حالة بيع لجنسيات غير سورية ،لكنهم في المقابل لم يستبعدوا أن يكون بعض المشترين على علاقة بإيران خاصة أولئك الذين يطلبون عقارات في مناطق محددة ويدفعون مقابلها الثمن المطلوب من دون مفاوضات.
وتشير كل الأحداث التي تعيشها المنطقة إلى عملية ممنهجة في إفراغ الجنوب السوري وتحديداً ريف درعا الغربي ذو الكثافة السكانية العالية ضمن مخطط إيراني بالتعاون مع فروع النظام الأمنية للسيطرة عليه بأقل التكاليف ومن دون مقاومة تذكر.
وفي هذا السياق، فإن استمرار الوضع كما هو عليه الآن لفترة أخرى سيؤدي إلى إسقاط درعا بيد إيران بشكل كامل، إلا إذا استشعرت إسرائيل أن هناك موافقة أميركية للتحرك في الجنوب، فمن الممكن حينها أن تبدأ مواجهة إيران بطريقة مختلفة وأكثر حدة ولن تكون إسرائيل وحدها في هذه المواجهة إذ سوف تضطر دول إقليمية إلى المشاركة إلى جانبها، كي لا يتم استبدال إيران بإسرائيل وهذا ما ترفضه أيضا الدول العربية المجاورة لسوريا.
فالثابت أن هناك رفضا عربيا كبيرا لتواجد إيران جنوب سوريا، ولكن التحرك في مواجهته بات يرتبط إلى حد كبير بملفات دولية أهمها الملف النووي الإيراني، وبحسب الترجيحات فإن التحالف ضد إيران لا بد أن يقوم وإن كان بقرار عربي مستقل عن التنسيق مع الولايات المتحدة لأن الخيار الآخر هو الفوضى التي ستنشرها إيران بسهولة في هذه الدول.