بداية المشروع الإيراني وتطوّره في الجنوب السوري
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
يعتبر المشروع الإيراني الأخطر بين المشاريع التي تحاك للمنطقة الجنوبية من سورية منذ 2011، إذ يهدف الإيرانيون إلى السيطرة على المنطقة الجنوبية السورية، للاستفادة منها من جانبين، الأول تصنيع وتهريب المخدرات لدول الجوار لتحقيق منافع اقتصادية، والثاني ابتزاز سياسي لدول الجوار من خلال نشر عناصر ميليشياتها بالقرب من الحدود الأردنية وحدود الجولان السوري أي “إسرائيل”.
المشروع الإيراني بعد العام 2018 بعد عملية التسوية الأولى اصطدم بعقبة مهمة وإن كان تأثيرها محدودًا وهي وجود العديد من العناصر المعارضين من شبان المحافظة، الذين يعون خطورة ما يجري، إضافة إلى جيل شاب من المحتمل (بحسب الرؤية الإيرانية) أن يعارض المشروع في المستقبل، لذلك فرضت تسويتا عام 2018 و2021، خيارات محدودة أمام أبناء المحافظة كتضييق متعمد من النظام والإيرانيين بهدف التخلص من فئة عمرية محددة.
خيارات محدودة
بعد عملية التسوية الأولى في 2018، والثانية في 2021، وجد أبناء درعا أنفسهم أمام خيارات محدودة، الانتساب إلى صفوف اللواء الثامن، وهو ما حاربه النظام بشتى الوسائل، أوالانتساب إلى صفوف الفرقة الرابعة، وخاصّةً أبناء ريف درعا الغربي، وهو ما يضعهم بين فكَّي عمليات الاغتيال من قِبل الفرقة الرابعة، للرافضين الانضمام إلى صفوفها، ومن جهاتٍ تدّعي أنها من المعارضة، لمن وافقوا على الانتساب، أو الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية بشكلها الاعتيادي عن طريق شعب التجنيد، وهو ما سيؤدّي إلى أن تكون خدمة هؤلاء العسكرية خارج المحافظة.
أما الخيارات الأخرى، فهي الخروج بشكلٍ غير قانوني، عن طريق التهريب، من المحافظة إلى لبنان، أو الشمال السوري، ومنه إلى تركيا، وعبر مهرّبين تابعين لحزب الله اللبناني، أو الفرقة الرابعة، أو الأجهزة الأمنية، أو السفر إلى عدة وجهات في محاولة للهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
الخروج الصعب
خلال الأعوام التي تلت التسوية الأولى وحتى منتصف العام الماضي، لجأ النظام إلى وسيلة لإفراغ درعا من أبنائها عبر عمليات تهريب منظمة تنفذها الأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة بالتعاون مع حزب الله اللبناني، يتم من خلالها تهريب الشبان الراغبين بالخروج من المحافظة إلى لبنان أو إلى الشمال السوري، عبر شبكات تهريب متخصصة، ومقابل مبالغ كبيرة.
لكن لم تخل هذه الوسيلة من الصعوبات والمخاطر وحتى الاعتقال والتسليم لأجهزة النظام الأمنية، وعلى الرغم من ذلك غامر الكثير من الشبان خاصة المطلوبين للخدمة العسكرية ورافضي التسوية بالخروج إلى لبنان، وإلا سيواجهون إما القتل أو الاعتقال بحسب ما أكد العديد منهم لـ”تجمع أحرار حوران”، وقد تمكن مكتب التوثيق في “التجمع” من تسجيل العديد من حالات التصفية والاعتقال لرافضي التسوية، إضافة لتوثيق حالات لشبان تم اعتقالهم خلال عبورهم إلى لبنان ومن ثم سُجنوا في سجن “صيدنايا” العسكري، ولم يخرجوا إلى بعد أن دفعوا مبالغ لا تقل عن 10 آلاف دولار أمريكي.
في تلك المرحلة، كانت عمليات نقل الشبان تتم عبر طرق مختلفة، من بينها طرق من محافظة درعا إلى دمشق على أوتستراد دمشق-درعا الدولي، حتى الوصول إلى دمشق، صحنايا تحديداً، وهي نقطة التجمّع الثانية، والنقل من بئر القصب إلى دمشق يتم عبر أوتستراد السويداء-دمشق، وصولاً إلى نقطة التجمّع الثانية.
يتولّى استلام كافة الأشخاص أياً كان انتماؤهم، ضبّاط في الأمن القومي مرتبطون بحزب الله اللبناني، وهم ضبّاط سوريون.
ويتمّ تقسيم الأشخاص حسب الانتماء، إلى: مطلوبين للخدمة العسكرية والاحتياطية، ومقاتلين “إسلاميين”، وأشخاص متّهمين بارتكاب جرائم جنائية، وبعد ذلك يتمّ النقل بواسطة سيارات تابعة للنظام يقودها “ضبّاط حصراً”، من الفرقة الرابعة، أو المخابرات الجوّية، أو الأمن العسكري.
في المرحلة الثالثة، يتمّ تقسيم الأشخاص حسب وجهتهم: الخارجين إلى لبنان، يتمّ نقلهم عبر بلدة وادي خالد في لبنان، أما الخارجين إلى البادية والسخنة، فيُنقلون من حمص إلى تدمر، ومنها إلى هاتين المنطقتين، ومعظمهم من تنظيم داعش.
وهناك الخارجون إلى الشمال السوري، إدلب وريفها، عفرين والباب، وهؤلاء يتم نقلهم إلى ريف حلب، نبل والزهراء حصراً، ومنهما يتم توزيعهم إلى ريف إدلب، هذا بالنسبة إلى مقاتلي حرّاس الدين، والفارّين إلى عفرين، والباب، وبالنسبة إلى الأشخاص العاديين.
أما الخارجون إلى مناطق قسد، ودير الزور، فيتمّ نقلهم من حمص إلى مدينة الميادين، وهناك يستلمهم القيادي في قوّات الرضوان التابعة لحزب الله، ويتمّ إيصالهم إلى المناطق التي يريدونها.
أما حول أجور التهريب، فتختلف بين شخص وآخر، فالمطلوب للخدمتين العسكرية والاحتياطية 1800 دولار، والمطلوبون لأيّ نوعٍ من أنواع الجرائم الجنائية 2000 و 2500 دولار أمريكي.
أما المقاتلون “الإسلاميون” داعش – حرّاس الدين – تحرير الشام – حزب التحرير الإسلامي، فبين 3500 و 5000 دولار.
عملية الباب المفتوح
على الرغم من أن عملية تهريب الشبان إلى لبنان تدر أرباحا على النظام السوري وحزب الله، إضافة لدورها بتفريغ المحافظة، إلا أنها بدأت بالتراجع منتصف العام 2021، بسبب التشدد من قبل الحكومة اللبنانية تجاه اللجوء السوري، إضافة إلى عملية الابتزاز التي تتجاوز اتفاق عملية التهريب ما دفع أعدادًا كبيرة للتراجع عن هذه الخطوة.
لذلك وجد النظام ومن خلال التنسيق مع إيران وروسيا انه لا بد من اتباع أسلوب مختلف أكثر ربحًا للنظام وأكثر فائدة للإيرانيين، وحتى الروس الذين سيستفيدون في أحد المراحل.
العملية التي يمكن تشبيهها بفتح الأبواب بدأت من خلال تسهيلات غير مسبوقة لأبناء درعا وهذه المرة ليس للشبان فحسب، بل حتى للعائلات باستخراج جوازات سفر، ومن هنا تبدأ الفائدة للنظام إذ تبلغ تكلفة استخراج الجواز المستعجل إلى نحو 1200 دولار أمريكي، وغير المستعجل إلى 500 ألف ليرة سورية.
من ناحية أخرى، أُعطيت التسهيلات لعدد من الوجهات منذ منتصف العام الماضي كان أولها السفر إلى بيلاروسيا، سواء من سوريا أو من دول أخرى عبر “فيزا سياحية” تكلفتها 1500 دولار، وبعد ذلك يتم الدفع للمهربين الذين يعملون لشبكات تهريب ترتبط بروسيا لإيصال طالبي اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في العام الحالي، تطورت الوجهات، بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ أصبحت ليبيا الوجهة الرئيسية لسفر الأهالي من محافظة درعا، ليحاولوا الخروج من هناك نحو السواحل الأوروبية، في رحلة تعتبر الأخطرمن جوانب مختلفة، فمن ناحية السفر تهريبا عبر البحر يجب قطع مسافة لاتقل عن 1500 كم حتى الوصول للسواحل الإيطالية وتتم بواسطة مراكب مهترئة ماتسبب بغرق الكثير خلال الفترة الماضية.
إضافة لذلك وبحسب تقارير صادرة عن البرلمان الإيطالي قبل عدة أشهر، فإن مجموعة “فاغنر” الروسية هي من تشرف على عمليات تهريب البشر من ليبيا إلى إيطاليا، وبهذا تستفيد المجموعة المرتبطة بـ”الكرملين” ماديًا من خلال الابتزاز الذي يتعرض له طالبوا اللجوء في ليبيا، كما تضغط روسيا على دول الاتحاد الأوروبي بمسألة المهاجرين غير الشرعيين.
مؤخرًا تم فتح طريق جديدة للخروج نحو دول الاتحاد الأوروبي، عبر روسيا نفسها، وذلك بواسطة الحصول على “فيزا دراسية” تبلغ تكلفتها 2500 دولار بحسب مصدر خاص لـ”تجمع أحرار حوران”، وبعد الحصول على الفيزا يتم السفر إلى روسيا، ومن هناك تبدأ رحلة جديدة تختلف تكلفتها حسب طريقة التنقل للوصول إلى ألمانيا بشكل خاص، ولكن بشكل عام تتراوح ما بين 4000 إلى 7500 دولار أمريكي، حيث أكد أحد الواصلين إلى ألمانيا الشهر الماضي لـ”التجمع”، أن تكلفة رحلته بشكل كامل بلغت 10 آلاف دولار، وهناك تكلفة أقل من ذلك لكنها طريقها في العبور متعبة أكثر وفيها العديد من المخاطر.
بالتالي، تختلف طرق إفراغ المحافظة من أبنائها، والمستفيد الرئيسي هو إيران بمشروعها العابر للحدود، في الوقت الذي يستمر خروج أبناء درعا بأعداد كبيرة بعد أن تم التضييق عليهم أمنيا وحتى اقتصاديا نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم الاقتصادي وتدني مستوى الدخل بشكل غير مسبوق، وتردي مستوى الخدمات الرئيسية إلى أدنى مستوى.