لماذا لا تؤثر المظاهرات في إيران على التواجد الإيراني في سوريا وجنوبها؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لا تزال المظاهرات في إيران مستمرة على نحو غير مسبوق منذ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، وخلال الفترة الماضية تدرجت مطالب الإيرانيين مع تدرج المظاهرات، إذ بدأت بالمطالبة بالعدالة ووصلت للمطالبة بإسقاط النظام الإيراني الحالي.
لكن وعلى الرغم من اتساع رقعة المظاهرات لتشمل أكثر من 140 مدينة ومنطقة في إيران، إلا أن النظام الإيراني لا يزال صامدا حتى الآن، ويمارس سياسته الداخلية “القمعية” ضد الشعب من خلال التصدي للمظاهرات واعتقال النشطاء وإصدار أحكام الإعدام، وخارجيا من خلال علاقاته المتوترة مع المجتمع الدولي، واستمرار سياسته التوسعية في الدول التي باتت تخضع لسيطرته جزئيا أو بشكل كبير وعلى رأسها سوريا، وهذا ما يثير العديد من التساؤلات حول تأثير المظاهرات الحالية، ودعم المجتمع الدولي لها على النظام الإيراني، ولماذا لا ينكفىء للداخل لمواجهة ما يجري ويقوم بسحب ميليشياته من سوريا.
لا نية غربية للتدخل في شأن النظام الإيراني!
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، لشبكة “سي أن أن” الأميركية، أن السياسة الأميركية تجاه إيران “ليست سياسة تغيير النظام بتحريض من واشنطن”، لكنه أصر على أن هناك “دعماِ أمريكياً قوياً للمتظاهرين الإيرانيين حتى مع مطالبة العديد منهم بتغيير النظام في بلادهم”.
في مقابل ذلك يرى خبراء دوليون أنّ الطريقة التي سيتم بها الإطاحة بهذا النظام ستكون عبر الشعب، وهي ذات الطريقة التي وصلوا بها إلى السلطة، فالشعب الإيراني يوصل رسالة للعالم أنه قادر على تحمل عبء إسقاط النظام، لكنه بحاجة إلى المساعدة.
الخبراء يضيفون أن الدعم يجب أن لا يقتصر على التصريحات، بل من خلال عمل الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، على دعم مهمة إزالة النظام الإيراني عبر فرض عقوبات على القطاعات التي تتعامل بشكل مباشر مع النظام الإيراني.
كما أن الغرب مطالب أيضاً بالتخلي عن مفاوضات العودة للاتفاق النووي الذي سيمنح النظام الإيراني مليارات الدولارات، لكن في الوقت نفسه فإن العقوبات الغربية على النظام الإيراني حتى الآن غير كافية.
في مقابل ذلك، يرى خبراء متخصصون، أنه وعبر الأحداث والوقائع المتتالية، لا تزال تلك القوى العالمية وعلى رأسها الغربية تتمسك بوجود نظام “الولي الفقيه” رغم ما يصرِّحون به ويقولون عنه، بل أتاحوا له المجال كله للتوسع والتمدّد خاصة في سوريا، فهذه القوى لا تزال تريد الإبقاء على (الدور الوظيفي) لهذا النظام في الإقليم وفي بلده.
في هذا السياق، تشير كل المعلومات إلى أن إيران لم تسحب أيا من قواتها وعناصرها من سوريا وخاصة الجنوب السوري، على الرغم من وجود عدة تقارير تتحدث عن هذا الانسحاب من أجل مواجهة المظاهرات.
لماذا لا يتم التدخل ضد إيران جنوب سوريا؟
الجنوب السوري من أكثر الجبهات السورية تغيرات في التمركزات العسكرية والأمنية الإيرانية، كما أنه الأكثر إشكالية بالنسبة للجوار السوري والأكثر حساسية،لوجود إسرائيل من جهة والأردن كدولة رافضة للتواجد الإيراني، الذي يهدد الطرفين سواء أمنياً أو من ناحية تهريب المخدرات بشكل كبير.
إسرائيل تحذر بشكل مستمر من أن إيران و”حزب الله” اللبناني، يسعون إلى تشكيل جبهة عسكرية وتواجد مدني في الجنوب السوري، والعمل على توسيع تواجد الطائفة الشيعية في درعا والقنيطرة يجعل من هذه المنطقة رهينة بيد إيران.
لكن في مقابل التصريحات الإسرائيلية، لا تزال المنطقة الجنوبية بشكل عام ودرعا بشكل خاص تشهد تمددا إيرانيا من خلال تعزيز التواجد العسكري داخل قطعات النظام العسكرية، إضافة إلى الاستمرار بتصنيع وتهريب المخدرات وتجارتها، وهذا ما يطرح تساؤلاً مهماً حول عدم استهداف إسرائيل والتحالف الدولي للميلشيات الإيرانية في الجنوب السوري على غرار ما يجري في بقية المناطق السورية.
بحسب مختصين لـ”تجمع أحرار حوران” فإن الواقع في الجنوب السوري لا يختلف كثيراً عن بقية المناطق السورية، فهو جزء من الملف السوري بشكل عام، وبشكل خاص بين إيران وإسرائيل، فالواقع أن الاستهدافات الإسرائيلية لبقية المناطق السورية تتم على المدى الطويل وإسرائيل حالياً لا تسعى لخلق حالة جديدة في الجنوب السوري، فالوضع الحالي مناسب لها حتى يكون هناك تبدل مفصلي في المشهد السوري، إضافة إلى نواح أخرى أهمها الملف النووي الإيراني وما إذا كان سيكون هناك اتفاق بين إيران والغرب أم لا، إضافة إلى انتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة وهل ما إذا كلانت حقيبة الدفاع فيها من نصيب المتطرفين دينياً أم لا، ولكن لن يكون هناك تغير على المدى القريب بالنسبة لملف جنوب سوريا.
أيضاً فإن الوضع مستمر حالياً لصالح إيران، والتي تعمل على ابتلاع الجنوب بواسطة العديد من السياسات، الأمنية والعسكرية من خلال افتعال معارك لتوريط أبناء الجنوب فيها، إضافة إلى سياسية تهجير أبناء الجنوب وخاصة محافظة درعا، وكل ذلك بالتزامن مع إنشاء قواعد عسكرية ونشر المخدرات وتهريبها، وهذا سيؤدي بالنهاية للتصعيد لكن ربما يحتاج وقتاً طويلاً نسبيا.
ما الذي سيدفع للتصعيد في الجنوب؟
لا تزال الاستهدافات الإسرائيلية والأميركية لإيران في سوريا تقتصر على بعض المناطق، خاصة في محيط دمشق وحمص وطرطوس وفي مناطق في دير الزور، إلا أنها لم تصل إلى الجنوب الذي بات يشكل أهم مناطق التواجد الإيراني.
مصدر خاص لـ”تجمع أحرار حوران” يرى أنه إذا وجدت إسرائيل تشجيعاً أمريكياً نحو توسيع العمليات ضد إيران، فسيكون هناك توسيع للعمليات وتصعيد ضد إيران في الجنوب، ولكن إسرائيل لم تجد ذلك حتى الآن، وهذا ما يجعلها لا تقوم بالتدخل في هذه المنطقة، إضافة لذلك فإن الوضع في الجنوب إشكالي، فهناك رغبة شعبية بالخلاص من إيران، ولكن هذه الرغبة لن تقبل بوجود إسرائيل على الأرض كبديل، وأيضا وجود إسرائيل على الأرض جنوب سوريا لا يتناسب أبدا مع الرؤية الأردنية الرافضة لهذا الخيار ولا حتى الرؤية الخليجية، لذلك فالجميع بانتظار مشهد جديد يطيح بكل ما سبق وعلى رأسه التواجد الإيراني.
لكن بحسب المصدر فهناك تصعيد قادم لا محالة باتجاه الجنوب، فالقيادة العسكرية الإسرائيلية تستشعر تنامي الخطر الإيراني في هذه المنطقة، كما أن الدول العربية باتت تشعر بتهديد غير مسبوق على الحدود السورية الجنوبية، لكن كل ذلك يرتبط بتغير المشهد في إيران نفسها من خلال ما ستتمخض عنه المظاهرات، إضافة لبعض الملفات الدولية ومنها الحرب في أوكرانيا، فالغرب لا يريد حالياً فتح جبهة واسعة ضد إيران في سوريا.
بالنتيجة، هناك بعض المتغيرات التي لا تصب في صالح إيران، خاصة مع استمرار المظاهرات فيها، حيث أدرك الشعب الإيراني وشعوب المنطقة التي تمثل “الهلال الشيعي” في إيران والعراق وسوريا ولبنان، أن النظام الإيراني الحالي لن يجلب سوى الدمار والخراب لهذه الدول ومجتمعاتها، ما يعطي مؤشرا مهما أن التواجد والتمدد الإيران لن يستمر كما يخطط نظام “الملالي”.