الجنوب السوري وإيران.. التحدي الكبير
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
إيران ومنذ العام 2018 كثفت من جهودها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للسيطرة على الجنوب السوري، درعا والسويداء والقنيطرة، وفي سبيل ذلك لجأت عبر أذرعها المختلفة، الرسمية ممثلة بأجهزة الأمن التابعة للنظام السوري، وغير الرسمية التي يتربع على رأسها تنظيم داعش الإرهابي، إلى إسكات كل الأصوات المناهضة للمشروع الإيراني الكبير، سواء بالاغتيال أو التهجير.
كما عمدت إيران من خلال ميليشياتها إلى نشر المخدرات في المجتمع وقد نجحت في ذلك بنسبة كبيرة إذ زاد عدد متعاطي المخدرات بشكل غير مسبوق، إضافة إلى عمليات التجارة والتهريب العابر للحدود خاثصة نحو الأردن ودول الخليج.
لكن على الرغم من ذلك، لم تتوقف أشكال وأساليب معارضة تواجد إيران وميليشياتها، والنظام السوري “التابع” الذي تترد عبارة إسقاطه في كل مناسبة أو مظاهرة، وهذا ما يدعو للتساؤل حول استمرار الجانب الثوري في الجنوب رغم كل الانتكاسات التي واجهته بدءًا من سيطرة النظام بعد التسوية وصولاً للتمدد الإيراني الحالي.
المظاهرات روح الثورة السورية
لا تزال المظاهرات التي تخرج بين الفينة والأخرى في درعا، وتلك التي تخرج في السويداء مع رفع مطالبها لإسقاط النظام، تنفي عن المتظاهرين أن خروجهم جاء بدافع تردي الأوضاع الاقتصادية، على الرغم أن هذه الأوضاع جزء من حياة المواطنين، إلا أن أبناء الجنوب أدركوا بشكل لا رجعة فيه أن الجانب الاقتصادي ليس سوى جزء من منظومة سياسية متكاملة تقبع تحت سيطرة الفساد والميليشيات الإيرانية، لذلك عادت المظاهرات إلى الواجهة.
منذ يوم الأربعاء الفائت خرج العشرات من أبناء مدينتي جاسم وداعل في ريف درعا بمظاهرات رفعوا فيها أعلام الثورة السورية ورردوا شعارات مناهضة للنظام أبرزها “الشعب يريد إسقاط النظام”، إضافة إلى شعارات ضد تواجد إيران وحزب الله اللبناني.
المتظاهرون طالبوا بإطلاق سراح جميع المعتقلين من سجون النظام السوري، معتبرين أن الاعتقال لم يعد عائقًا أمام استمرار الثورة وأن المعتقلين يدفعون نحو استمرار المظاهرات وهو ما يعد نقلة مهمة في التفكير باستمرار الثورة، أي كسر كل الحواجز التي أراد النظام وداعموه الإيرانيون وضعها أمام السوريين.
جاءت مظاهرات جاسم بعد نجاح المقاتلين من المعارضة في المدينة ومن ساندهم من أبناء المحافظة بالتخلص من عناصر وقيادات تنظيم داعش الإرهابي المدعوم من قبل إيران والنظام وعلى رأسهم خليفة داعش “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، والذي كان يُعرف في جاسم بـ “عبدالرحمن العراقي”.
“تجمع أحرار حوران” نقل عن أحد وجهاء مدينة جاسم في وقت سابق، أن المتظاهرين رفعوا أعلام الثورة السورية تأكيداً منهم على الطابع الثوري في مدينة جاسم، بعد قضاء أبنائها على خلايا تنظيم داعش الذي أسهم نظام الأسد بإدخالهم إلى المدينة خلال الأشهر الماضية.
وأضاف أنّ أبناء المدينة سيخرجون بمظاهرات تطالب بالمعتقلين بشكل متكرر حتى تتم الإستجابة لمطالبهم التي وصفها بالعادلة والمحقة، حيث يقبع الآلاف من أبناء محافظة درعا في غياهب سجون نظام الأسد، ومعظمهم في عداد المختفين قسرياً ولا يعلم ذويهم عنهم أي شيء.
السويداء على خط درعا في التظاهر
منذ مطلع الشهر الجاري عادت السويداء من جديد إلى واجهة الأحداث في سوريا، ولكن هذه المرة بطريقة لم يألفها حتى النظام الذي لم يتخيل حتى وقت قريب أن تصل الأوضاع إلى إحراق مبنى لمحافظة الذي يشكل رمزيته السياسية والسلطوية، وتمزيق صور الأسد الأب والابن ورميها ووطئها بالأقدام.
أحداث السويداء أعادت إلى الأذهان انطلاق الثورة قبل 11 عامًا في درعا، وردة فعل النظام الذي واجه المتظاهرين بإطلاق النار المباشر ما أدى لمقتل أحد المتظاهرين في السويداء.
مظاهرات السويداء التي بدأت مطلع الشهر الجاري، ولا تزال مستمرة ليست وليدة الصدفة، أو حدثًا عابرًا، إنما جاءت نتيجة تراكمات في اتجاهين رئيسيين، الأول الأزمة السياسية التي تسبب بها النظام السوري منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011 والتي لا تزال مستمرة حتى الآن.
أما الاتجاه الآخر فهو الاقتصادي والمعيشي، وبدأ هذا الاتجاه بالبروز بشكله الكبير في شباط/فبراير الماضي بعد قرار إلغاء الدعم عن شريحة كبيرة من السوريين ما أدى لخروج مظاهرات في السويداء استمرات نحو شهرين.
مصدر من السويداء، أكد لـ”تجمع أحرار حوران” أن المظاهرات والوقفات في المحافظة تحمل طابعين في نفس الوقت، طابع معيشي متعلق بالاحتياجات الرئيسية كالوقود والمواد الأساسية الأخرى، وطابع آخر سياسي كتمزيق صور بشار الأسد واقتحام مبنى المحافظة في مطلع الشهر الجاري، والشعارات التي تم إطلاقها وعلى رأسها “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”، “الشعب يريد إسقاط النظام”، “الموت ولا المذلة”، هذه الشعارات والتطورات مهمة للغاية وتحمل طابعًا سياسيًا وهي استمرار للثورة السورية الأولى في 2011 وثورة من أجل رغيف الخبز، أما الترويج من قبل البعض بأنها ثورة للجياع إنما هو تقزيم لهذا الحراك المهم ليس إلا.
وأضاف المصدر أن السويداء لم تنسلخ يومًا عن الثورة السورية منذ بدايتها، ولا تقبل أن يتم إبعادها عن بقية السوريين، فهي جزء لا يتجزأ من كامل سوريا ولكن ما جرى خلال السنوات الماضية هي محاولات من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، والميليشيات الإيرانية لإسكات صوت المحافظة وخلق خلافات مع المحافظات المجاورة وخاصة درعا التي بذل النظام والإيرانيين جهودًا كبيرة لخلق عداء مستمر بينهما من خلال عمليات الخطف التي لم تعد تنطلي على أي من أبناء المحافظتين بعد أن تم الكشف عمن يقف خلفها، وهو جهاز المخابرات العسكرية الذي كان يديره وفيق ناصر سابقًا، ولؤي العلي حاليًا.
وأشار المصدر أيضاً إلى أن مظاهرات السويداء مستمرة للحفاظ على حقوق السوريين بغض النظر عن الهويات ما دون الوطنية. كذلك لا بد من التنويه أن بعض الجماعات التي ألصقت نفسها بالثورة وخاصة ذات الجوانب الدينية أو الطائفية، لا تناسب ثوار السويداء وحراكها ولا يمكن لثورة العقل أن تتقبل هؤلاء بأي شكل، هدف الحراك كرامة المواطن وكرامة الوطن من خلفه وهو هدف الثورة السورية التي انطلقت في آذار/مارس 2011.
إيران أمام التحدي الكبير
إيران على الرغم من إمكانياتها الكبيرة خاصة في المجال الأمني، وما قامت وتقوم به في الجنوب السوري استطاعت أن تتمدد في هذه المنطقة الحيوية، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تطويع أهالي الجنوب السوري، فلا يزال غالبية الأهالي يقفون ضد المشروع الإيراني الرامي إلى تحويل الجنوب إلى ضاحية جنوبية جديدة، من خلال تجنيد عدد من العملاء وإن تجاوز عددهم بضعة آلاف إلا أنهم لايزالون يشكلون أقلية لا يمكن أن تزداد خلال المرحلة المقبلة.
اقرأ أيضًا.. كيف تعمل إيران على تحويل الجنوب السوري لضاحية جنوبية ثانية؟
اقرأ أيضًا.. إيران في درعا.. اللعب على المكشوف
هذا ما يجعل إيران اليوم تقف أمام تحدٍ كبير في درعا والسويداء، إذ لم تتمكن من قهر الثورة السورية وإنهائها، رغم كل ما تمارسه من قتل وتهجير وتجويع متعمد للأهالي، وإضافة لذلك فهناك تحدٍ آخر يواجهها وهو الشارع الإيراني الذي لم يهدأ منذ أربعة أشهر بعد قيام شرطة الأخلاق الإيرانية بقتل الشابة مهسا أميني، والذي يطالب أيضًا بإسقاط نظام الحكم العميق في إيران الذي تمثله المراجع الدينية وعلى رأسها المرشد علي خامنئي.
بالنتيجة فإن المظاهرات في الجنوب السوري، تثبت أن الثورة السورية هي ثورة بمفاهيم وأبعاد وطنية، مستمرة باستمرار نظام القمع، وتمدد الميليشيات الإيرانية، وباستمرار الاستئثار بالوطن والسلطة ومؤسسات الدولة، مطالب شعبية تنبع من عمق المعاناة التي يعيشها الشعب، مستمرة مع استمرار المعاناة.