مظاهرات درعا تعود سيرتها الأولى.. ما خيارات النظام وإيران؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
أحد عشر عامًا منذ أن انطلقت المظاهرات في درعا البلد لتشعل شرارة الثورة السورية ضد نظام الأسد، والتي مرت بمراحل بدأت بالسلمية ثم بالتسليح، لينتهي الأمر بعملية تسوية أدرك أبناء درعا أنها إن استمرت ستكون مقتلاً لهم وستعيد سيطرة النظام على كل مفاصل حياتهم، فقد استغل النظام بدعم إيراني كبير التسوية لتحييد أكبر عدد ممكن من قيادات وعناصر المعارضة في المحافظة سواء العسكريين أو الناشطين المدنيين، كمقدمة لبسط إيران سيطرتها على المحافظة من خلال التغلغل فيها ونشر المخدرات بين أبنائها وتسليط تنظيم “داعش” على رقابهم.
لكن الصحوة الأخيرة في محافظة درعا والتي بدأت من مدينة جاسم بالتخلص من تنظيم “داعش” وقتل خليفته كان لها أثر كبير بتحول الأحداث، لتغدو جاسم الشرارة الثانية بعد درعا البلد في خروج المظاهرات ضد نظام الأسد قبل عدة أيام، لتلتحق بها مدن وبلدات حوران واحدة تلو أخرى.
لا بديل عن إسقاط النظام
لم تتغيّر خلال السنوات الماضية طريقة النظام “الأمنية” بالتعامل مع أبناء درعا، على الرغم من تعهده بعد عملية التسوية بعدد من النقاط بضمانة روسية أبرزها، سحب القوات العسكرية إلى ثكناتها، وإيقاف ملاحقة النشطاء والمعارضين العسكريين والمدنيين، إضافة للإفراج عن كافة المعتقلين في داخل السجون التابعة له، إضافة لمطلب داخلي وإقليمي وهو إبعاد إيران وميليشياتها عن الحدود الجنوبية لسوريا ما لا يقل عن 80 كم، إلا أن النظام وبدعم إيراني أخلّ بتلك البنود ولم يطبق أياً منها.
معركة جاسم الأخيرة ضد تنظيم داعش والتي انتهت بانتصار أبناء المدينة ومن وقف معهم من أبناء المحافظة، كانت كفيلة بإسقاط الورقة الأخيرة لتعرية النظام وإيران، وكشف دعمهم الواضح للتنظيم الإرهابي، وهو ما دفع أبناء المحافظة للعودة إلى مربع المظاهرات الأول للمطالبة بكامل حقوقهم وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين، وإسقاط النظام وخروج الميليشيات الإيرانية من المحافظة.
جاءت مظاهرات مدينة جاسم لتشكل دفعاً مهماً لبقية مناطق محافظة درعا، إذ تبعتها كل من الصنمين وداعل وتل شهاب والمزيريب، فيما يجري التحضير لمظاهرات في مناطق أخرى، مع مؤشرات على عودة قريبة لزخم المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام السوري والإفراج عن المعتقلين وخروج الميليشيات الإيرانية.
مظاهرات جاسم أثبتت حالة الضعف غير المسبوقة التي يمر بها النظام السوري، حيث لم يسبق أن تكون ساحة التظاهر في سوريا أمام أحد المقرات الرئيسية للأمن العسكري، كما حصل في جاسم إذ اجتمع المتظاهرون أمام المركز الثقافي في المدينة وهتفوا بإسقاط النظام، وقاموا بإنزال علم النظام ورفع علم الثورة بدلاً منه على سور المركز.
شريط مصور في مظاهرة جاسم، يُظهر أحد الضباط في الأمن العسكري وهو يحاول إزالة علم الثورة السورية عن السور، إلا أن أحد المتظاهرين منعه من ذلك وأخبره بأنك سوف “تتصور” معه رغما عنك، ليوضح هذا المشهد حال نظام الأسد وحلفائه.
ما هي خيارات النظام؟
لا يبدو نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون في أحسن حالاتهم للرد على المظاهرات التي بدأت بالاتساع، فعلى غير العادة لم يتجرأ عناصر النظام على إطلاق النار على المتظاهرين لعلمهم بأن ذلك سيكون له عواقب وخيمة قد تُشعل المحافظة عسكريا مرة أخرى.
ولكن هذه المرة دون أي تدخل من غرف عمليات خارجية أو دول داعمة، ما يعني أنه لن يكون بمقدور أحد أن يوقف أي معارك قد تجعل النظام يخسر ما كسبه بتسوية حملت في طياتها الغدر بأبناء المحافظة.
لذلك، بدأ النظام بالعودة إلى أساليبه المعروفة للجميع والتي يسعى من خلالها لتشتيت أبناء درعا من خلال عمليات الاغتيال، وقد نُفذت أول عملية مساء الأحد في بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي، والتي أدت لمقتل شعلان فرحان الزعبي، برصاص مجهولين.
كما قام عناصر النظام باعتقال سيدة في محافظة درعا، هي زوجة شقيق القيادي السابق في المعارضة المقدم ياسر العبود الذي استشهد في أحد المعارك قرب مدينة طفس قبل عدة سنوات، لكن اعتقال السيدة جاء بأثر سلبي على النظام، إذ زادت وتيرة المظاهرات المطالبة بالإفراج عنها وعن بقية المعتقلين، ليُفرج النظام عنها بعد عدة ساعات من احتجازها في مدينة درعا بعد منح شبان المحافظة ضباط النظام مهلة للإفراج عنها مهددين بالتصعيد.
إذا وبالنظر إلى ردة فعل النظام وأجهزته الأمنية التابعة لإيران وعلى رأسها المخابرات الجوية، فقد بات من الواضح أن النظام سيسعى خلال الأيام المقبلة إلى تنفيذ عدد من عمليات الاعتقال التي سيستخدمها لاحقاً لتهدئة المتظاهرين من خلال الإفراج عمن سيعتقلهم ومن الممكن أن يقوم بالإفراج عن عدد قليل جدا ممن تم اعتقالهم سابقاً، كما أنه من الممكن أن تعود عمليات الاغتيال إلى الواجهة مرة أخرى في محاولة لإرباك المتظاهرين والثوار.
لا يخفى عن أحد أن الأسلوب الذي يستخدمه النظام هو ذاته الأسلوب الإيراني في مواجهة الاحتجاجات التي خرجت في إيران خلال السنوات الماضية، ليس فقط المظاهرات الحالية، لكن في مقابل ذلك لا يبدو أن أبناء محافظة درعا سيتركون ساحات التظاهر مرة أخرى، فالأمر لم يعد يقتصر على المعتقلين فقط، أو على مواجهة التمدد الإيراني، فهناك في سوريا أزمة عامة في النظام السياسي والأمني والاقتصادي، لم تعد تجدي معها أي حلول من أي نوع.
بالنتيجة فإن محافظة درعا وبعيداً عن أي شعارات ثورية، باتت محور الثورة السورية وهي القادرة على تحريك الشارع السوري من جديد، خاصة بعد الحراك الشعبي في السويداء والذي بدأ يطالب بإسقاط النظام، ومن هنا يبرز السؤال الأهم: هل تعود بقية المدن السورية للتظاهر السلمي مرة أخرى حتى ولو انطلقت بشعارات أولها الواقع الاقتصادي والمعيشي وسقفها إسقاط النظام وخروج الميليشيات في ظل مرور النظام بأضعف حالاته؟