إقليم إداري في الجنوب السوري.. هل تنجح الفكرة بالتخلص من إيران؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
مؤخراً استقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، فيما يبدو أنّ العلاقة بين الطرفين باتت في مراحل متقدمة من التطبيع، وذلك في الوقت الذي تسير فيه حكومة حزب العدالة والتنمية التركية على مسار تطبيع آخر مع النظام بدفع من روسيا.
زيارة بن زايد إلى دمشق، حسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”، بيّنت أنّ الاجتماع تناول التطورات في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع، وأضافت الوكالة أنّ وزير الخارجية عبد الله بن زايد أشار إلى دعم الإمارات لحل سياسي للصراع السوري المستمر منذ أكثر من عقد.
تصريحات تكاد تكون أقرب إلى ما يتم تداوله إعلامياً، لكن في حقيقة الأمر فإنّ هناك اقتراحات لحلول جزئية للوضع السوري الحالي خاصة بعد تعذر إيجاد حل وفق قرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار 2254.
الجنوب السوري الوضع الخاص
التطورات التي مرّ بها الجنوب السوري خلال السنوات الأربع الماضية، فرض تحوُّل ملف الجنوب إلى وضع خاص ومستقل ينطوي على خصوصية مميزة عن مجاله السوري، باستثناء مناطق شرق وشمال البلاد.
لذلك برزت فكرة تحويل الجنوب السوري إلى إقليم إداري لامركزي يتبع لسلطات النظام في دمشق ضمن حدود معينة، ولكن تطبيق هذه الفكرة يحتاج إلى موافقة من رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث لا توجد رغبة دولية أو إقليمية كاملة بتنفيذ الفكرة، ومن هنا جاء الدور الإماراتي والروسي لدراسة الفكرة مع تسرب معلومات عن موافقة الأسد عليها ضمن شروط معينة.
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على عملية التسوية التي سيطر النظام بموجبها على الجنوب في تموز/يوليو 2018، وصل جميع الأطراف إلى قناعة راسخة بأنّ المنطقة تحوّلت إلى أداة بيد إيران للضغط على الأردن ودول الخليج، من خلال تصدير المخدرات والسلاح، وإن استمرار هذه المعادلة ستكون له عواقب سلبية على أمن واستقرار المنطقة، فضلاً عن ترسيخ الوجود الإيراني وتحويله إلى أمر واقع يستحيل تغييره.
اقرأ أيضاً.. الجنوب السوري وإيران.. التحدي الكبير
ومسألة إيجاد وضع خاص لجنوب سوريا مطروحة منذ سنوات طويلة، إذ سبق أن شُكِّلَت مجالس مدنية، بعد خروج المنطقة عن سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد، في درعا والقنيطرة والسويداء، لكن لم تجد الفكرة حينها تأييداً إقليمياً ودولياً، بالإضافة إلى رفض شرائح سكانية كبيرة هذه الفكرة باعتبارها قد تعني حالة انفصالية لا وجود دواعي مهمة لها، على اعتبار أنّ الأزمة السورية ستنتهي إما بعد سقوط النظام، وإما بعد توافق روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على حل سياسي في سوريا بدا أنّه ممكن في مراحل معينة.
إلا أنّ الفكرة جرى إعادة طرحها، بحسب مصادر صحفية، من قبل الملك الأردني، عبدالله الثاني في زيارته للولايات المتحدة في أيار/مايو الماضي، وذلك بعد إدراكه أنّ الجنوب السوري يتحول إلى منطقة نفوذ إيرانية للتأثير في الأمن الأردني، بعد تراجع الدور الروسي نتيجة الانشغال بالحرب الأوكرانية، واستطاع الحصول على دعم أمريكي للمشروع، وعلى هذا الأساس تم استدعاء بعض قادة الفصائل السابقين والحاليين إلى الأردن، ووُضعوا في صورة التفاهمات الحاصلة، وجرى إبلاغهم أن المشروع مدعوم من واشنطن والأردن ومصر والسعودية. وثمة احتمالات أن يكون الأردن قد ناقش الفكرة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي زار عمَّان في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ما مشروع إقليم الجنوب ودوافعه؟
فكرة الإقليم الإداري في الجنوب، تقوم على إجبار الميليشيات الإيرانية، وكذلك السورية المرتبطة بها، على مغادرة الجنوب السوري مسافة 55 كيلومتراً شمالاً حتى بلدة كناكر بريف دمشق، بالتوازي مع تنظيف المنطقة من عناصر ومجموعات تنظيم داعش والجهات غير المنضبطة وسحب السلاح من السكان المدنيين، وانكفاء قوات النظام السوري وسحب أجهزتها الأمنية، والاكتفاء بوجود عناصر الشرطة المدنية، مع ترك المجال للمجالس المحلية لتولي المهام الأمنية، ويبقى معبر نصيب تحت إدارة النظام السوري، على أن تُوزَّع الإيرادات بين الطرفين.
فكرة الإقليم الإداري انطلقت إلى إدارة محلية من محركات داخلية بالدرجة الأولى، وتبدو مدفوعة بأسباب أمنيّة واقتصاديّة وثقافيّة عدة، أهمها، فشل النظام السوري في إدارة المنطقة منذ سيطرته عليها، حيث لا توجد خارطة طريق واضحة لحل أزمة الجنوب، ولم تؤد التسويات إلى نتائج عملية، وبدلاً من ذلك تشتعل في الجنوب حربُ الجميع ضد الجميع في فوضى قاتلة تستنزف جميع الأطراف.
اقرأ أيضاً.. اجتماع الإمارات: منطقة عازلة بعمق 35 كم في الجنوب السوري
أيضاً ضعف الموارد المالية ووصول الأوضاع إلى عتبة انهيار المؤسسات، مع تصاعُد الهجرة من المنطقة، وخاصة ضمن فئة الشباب، وعجز الدولة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات والدعم لمنطقة يقوم اقتصادها على الزراعة بدرجة أساسية.
أما الدافع الثالث فهو شعور معظم الأهالي في الجنوب السوري أنّ استمرار الوضع الحالي في المنطقة وما يمنحه النظام السوري من سلطات مطلقة للميليشيات الإيرانية سوف يؤثر على الهوية القوميّة والدينيّة لهم، خاصة بعد ما حصل ذلك فعلاً في دمشق وريفها حيث سيطرت إيران على كل مفاصل الحياة.
خيارات النظام في الموافقة
خلال الفترة الماضية، قام رئيس النظام السوري بإرسال أحد ضباطه وهو اللواء مفيد حسن للاجتماع بعدد من المعارضين السوريين في العاصمة الأردنية عمان، والفرنسية باريس، من أجل بحث فكرة الإقليم الإداري في الجنوب، ومن هنا يمكن القول، أنّ مشروع الإقليم الإداري في الجنوب لم يعد مجرد أفكار، حيث يتم العمل عليه منذ ثلاثة أشهر، والتحركات الأخيرة في درعا قطعت شوطاً كبيراً على الأرض من خلال عمليات تطهير المنطقة من خلايا تنظيم “داعش” وعصابات السلاح والخطف والسلب والسرقة.
أما بالنسبة للمؤشرات التي تدل على موافقة النظام السوري على الفكرة فهي، قناعة النظام بصعوبة السيطرة المطلقة على المنطقة، خاصة مع التحركات الجارية في درعا والسويداء، حيث تتجه المنطقة إلى أنماط جديدة من الصراع مع النظام في المرحلة المقبلة، مثل إعلان العصيان السياسي، ولن يستطيع النظام لاعتبارات عديدة إعادة تجربة قمع هذه التحركات دون دفع أثمان عسكرية وسياسية.
أيضاً برز خوف النظام من تبعات قانون “محاربة الكبتاجون” الذي وقَّعه الرئيس الأميركي نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، والذي قد تكون له تداعيات اقتصادية وسياسية على النظام السوري، في وقت يجري الحديث، في أوساط عربية، بأنّ الأسد ليس طرفاً في تجارة الكبتاجون، بقدر ما هي تجارة تديرها إيران وحزب الله، ولا يستطيع الأسد منعهما بالنظر لسيطرتهما المتحققة في جنوب سوريا، واختراقهما للأجهزة الأمنية، لذلك قد يرغب الأسد لتبرئة ساحته من تجارة الكبتاجون برمي كل التهم على الميليشيات الإيرانية وقسم من أجهزته الأمنية وبالتالي ما سيمهد لعمليات محاكمة للعديد من الضباط والقادة تهدف لتبييض صورة الأسد.
اقرأ أيضاً.. النظام يحاول الالتفاف على قانون مكافحة الكبتاجون.. تصعيد في الجنوب؟
من جهة ثانية يمكن أن تكون فكرة الإقليم الإداري في الجنوب، إبداء للنية الحسنة من قبل النظام السوري تجاه دول الخليج والسعودية، التي تعتبر أنّ الجنوب السوري بوابة للخطر الإيراني القادم الذي يهدد أمنها واستقرارها.
لكن بحسب المعلومات فإنّ النظام اشترط أن تجري هذه العملية وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107، حيث ستكون هناك عدة أقاليم في سوريا يمكن أن يصل عددها إلى 7 أقاليم، وذلك كي لا يُتهم النظام بالإقدام على القبول على منح الجنوب سلطة لامركزية.
من الواضح أنّ المشروع الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من ثلاثة أشهر حسب معلومات “تجمع أحرار حوران” بات أقرب للواقع، والنظام السوري لم تعد أمامه خيارات كثيرة، فمن جهة لم يعد يمتلك القدرة الاقتصادية والعسكرية لإعادة حكمه في الجنوب كما كان سابقاً، وبالتالي فإنّ عدم قبوله للمشروع قد يؤدي إلى تقسيم سوريا لذلك من الممكن أن يقبل بالخيار الأقل سوءاً بالنسبة له، كما قد يكون ذلك بوابة لرفع جزئي للعقوبات المفروضة عليه ما يمهد لفتح باب للمساعدات وإعادة الإعمار، ولكن تجدر الإشارة في النهاية إلى أنّ الولايات المتحدة لم تقل كلمتها الفصل حتى الآن على الرغم من حديث أنّ هناك موافقة ضمنية منها.