هل تعيد الولايات المتحدة نفوذها جنوب سوريا تحت ذريعة قانون مكافحة الكبتاجون؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
على الرغم من التسريبات التي أفادت بتعهدات روسية للأردن خلال اللقاء الأخير بين المبعوث الرئاسي الروسي لسوريا، إلكسندر لافرنتيف، ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بأن تقوم روسيا بالحد من تجارة وتهريب المخدرات في الجنوب السوري، إلا أنّ تعهدات الروس كسابقاتها ذهبت أدراج الرياح وسط ما يبدو أنّها سيطرة إيرانية لم تعد روسيا التي ضعفت في حربها في أوكرانيا قادرة على كبح جماحها وتغلغلها.
فخلال الـ 48 ساعة الماضية، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات الأردنية، من ضبط تسعة تجار للمواد المخدرة، من بينهم اثنين ضبطوا على الحدود الشمالية مع سوريا في إطار مكافحة عمليات تهريب المخدرات من سوريا والتي تقوم بها ميليشيات تابعة لإيران بدعم وتسهيل واضح من النظام السوري.
وعلى الرغم من إصدار الولايات المتحدة نهاية العام الماضي، ما يعرف بقانون “مكافحة الكبتاجون” في سوريا، إلا أنّ النظام السوري والميليشيات الإيرانية لا يزالون غير آبهين بما سينتج عن هذا القانون خلال المرحلة القادمة، ويصرون على استمرار عمليات تصنيع وتهريب المخدرات خاصة من الجنوب السوري الذي بات أبرز مناطق التصنيع والتهريب على مستوى المنطقة بالكامل.
هل تعود واشنطن للجنوب السوري مجدداً؟
قانون “مكافحة الكبتاجون”، دخل حيز التنفيذ فعلياً بعد توقيعه من الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإقراره من مجلسي النواب والشيوخ، حيث يركز القانون على عدم السماح بتحوّل صناعة وتجارة المخدرات السورية إلى أمر ثابت ومستمر في المنطقة، وتحويل المسألة إلى قضية ينتظر أن يكون لها تفاعلات على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لذلك وبحسب دراسات عديدة، فإنّه سيكون للقانون تداعيات أمنية واقتصادية خطيرة على سوريا، إذ قد يتحوّل إلى ورقة لتكريس الفلتان والفوضى في الجنوب السوري، ويُعمِّق الأزمة الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها السوريون. ومن المحتمل أن تُعيد واشنطن صياغة وجودها العسكري في سوريا بذريعة إنفاذ القانون، وهذا ما يعني العودة إلى الجنوب كما في السابق، إضافة إلى تكريس التواجد الأميركي في شمال شرقي البلاد حيث بدأت القوات الأميركية بالفعل بالعودة إلى القواعد التي غادرتها في مناطق من محافظة الرقة، إضافة لتواجدها في مناطق سيطرة قوات قسد.
آليات القانون التنفيذية كفيلة بعودة الأميركيين للجنوب
حتى الآن، لم يحدد القانون آليات عمل معينة، إلا أنّ إدارة الرئيس بايدن كلفت كلاً من وزارة الخارجية، والدفاع والخزانة والاستخبارات الأمريكية ومكتب مكافحة المخدرات بالقيام بهذه المهمة، مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات القانون وبنوده الرئيسية، أي أنّ هذه الآليات ستتضمن إجراءات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية.
فمن الناحية الاستخباراتية، يجب أن تقوم الأجهزة الاستخباراتية الأميركية وتلك المتحالفة معها خاصة في المنطقة بجمع البيانات الكافية حول صناعة وتجارة الكبتاجون، وتحديد مناطق التصنيع وطرق التهريب وآلياتها أي وضع بنك أهداف واضح يتم تحديثه بشكل مستمر.
أما الإجراءات العسكرية، فتتضمن استهداف مناطق تصنيع وتجميع الكبتاجون بواسطة هجمات غالباً سوف تستخدم فيها طائرات مسيرة تنطلق من الأردن بشكل رئيسي، كما أنها قد تستهدف أي شحنات يتم رصدها بواسطة طائرات الاستطلاع أو الأقمار الصناعية أو حتى من متعاونين على الأرض، وهنا تبدأ الخطوة الأولى للأميركيين بالعودة للجنوب من خلال توظيف متعاونين لمراقبة عمليات التصنيع والتهريب نحو الأردن.
اقرأ أيضاً.. بالتزامن مع قانون المخدرات الخاص بسوريا.. زيادة في عمليات تهريب المخدرات للأردن
بالنسبة للإجراءات الاقتصادية، فهي سيتم العمل عليها بالتوازي مع مخرجات قانون قيصر، وذلك ما سيؤدي إلى تشديد الرقابة على معبر نصيب جابر الحدودي، ومراقبة أي معابر أخرى غير شرعية على الحدود الجنوبية، وهذا يؤدي إلى تقليص حركة الشحن والعبور بين سوريا والأردن وهو ما سيفاقم من أزمة النظام السوري الاقتصادية.
بالنتيجة من أجل إنجاح الآليات التنفيذية للقانون لا بد من عودة أميركية استخباراتية وعسكرية للجنوب السوري مجدداً، لكنها لن تنجح ما لم تتطور إلى التعاون مع فصائل معارضة يتم انتقاؤها بشكل دقيق ومختلف عما سبق.
تداعيات القانون وآثاره
تنبع الاستراتيجية الرئيسية لتطبيق قانون “مكافحة الكبتاجون” من الاعتماد على دول الجوار السوري وخاصة الأردن، الذي بات يمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع المخدرات القادمة من سوريا، إضافة إلى أنّه البوابة الرئيسية لتهريب المخدرات إلى دول الخليج العربي، لذلك ستعتمد الولايات المتحدة على الدور الأردني في جمع المعلومات.
أيضا فإنّ العمل على تطبيق القانون، بحاجة إلى إعادة إنشاء شبكات استخباراتية كاملة في الجنوب السوري وهذه لن يكون دورها فقط متابعة تصنيع وتهريب المخدرات، بل ستلعب دوراً مهماً ضد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بوصفها الراعي الأهم للفساد والأعمال المخالفة للقوانين، أي أنّ القانون في الحقيقة مقدمة لتغييرات مهمة وجذرية في الجنوب السوري حتى على المستوى السياسي والأمني والعسكري.
اقرأ أيضاً.. إقليم إداري في الجنوب السوري.. هل تنجح الفكرة بالتخلص من إيران؟
ومن أجل ذلك، فلا بد من عودة الأميركيين للتنسيق مجدداً مع الفصائل في الجنوب السوري، وهناك العديد من المؤشرات على البدء في ذلك، بدءاً من إعادة هيكلة فصائل المعارضة في قاعدة التنف، وقيام هذه الفصائل بإزالة الألغام والمخلفات الحربية من البادية السورية وحتى ريف السويداء، إضافة إلى الأحداث التي جرت في محافظة درعا من ملاحقة تنظيم داعش الإرهابي للتخلص من طرف كان سيؤثر سلباً على تطبيق القانون من أجل التفرغ لمواجهة النظام والإيرانيين في هذه المسألة.
من الواضح أنّ الولايات المتحدة بدأت بترتيب قواتها في شرق سوريا وفي جنوبها مجدداً، وهذه رغبة للجناح المؤيد للتدخل في سوريا في إدارة الرئيس بايدن، والذي يريد أن يؤسس لمواجهة تشمل الإيرانيين والروس على حد سواء، وفي نفس الوقت إضعاف النظام السوري للدرجة التي سيرضخ معها للحلول التي ستطرح خلال المرحلة القادمة وعلى رأسها موضوع الأقاليم الإدارية وإخراج الإيرانيين من الجنوب السوري.