المخدرات.. رد النظام وإيران على المساعدات الأردنية العربية لضحايا الزلزال في سوريا
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لم تكن كارثة الزلزال التي ضربت أجزاءً من سوريا في السادس من شهر شباط الجاري، وخلفت آلاف الضحايا والآلاف من الأبنية المدمرة، كافية لإيقاف “مؤقت” لسياسة النظام وإيران بتجارة وتهريب المخدرات خاصة إلى الأردن، كما لم يشفع ما قام به الأردن من استجابة سريعة لضحايا الزلزال سبق بها الأمم المتحدة والدول الكبرى من أن يقوم النظام وميليشيات إيران بإيقاف تهريب المخدرات عبر حدوده.
ففي صباح الثاني عشر من الشهر الجاري، أعلنت السلطات الأردنية إحباط عملية تهريب لحبوب الكبتاغون والحشيش على الحدود الشمالية للملكة قادمة من الأراضي السورية، ونقلت وسائل إعلام أردنية عن مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية قوله، إنّ قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، رصدت من خلال المراقبات الأمامية محاولة مجموعة من المهربين اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية.
المصدر العسكري الأردني، بيّن أنه بعد تكثيف عمليات البحث والتفتيش للمنطقة تم العثور على 181 كف حشيش، و 179000 حبة كبتاجون، وتم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة، وذلك بعد تطبيق قواعد الاشتباك مع المهربين الذين فروا إلى داخل العمق السوري بعد إصابة عدد منهم.
عمليات تهريب المخدرات على الرغم من كارثة الزلزال، باتت تؤكد أن الارتباط بين نظام الأسد وإيران هو الأقوى، وهو ما يشير إلى تفضيل الأسد لإيران على كل الدول العربية التي تسعى منذ أكثر من عام لإعادة سوريا إلى الحضن العربي.
لا تغير في علاقات الأسد بإيران
على الرغم من العودة العربية الرسمية اللافتة منذ أكثر من عام إلى سوريا، إلا أن ذلك لم يؤثر سلبًا في علاقة نظام الأسد بإيران، فالأسد يدرك تمامًا أنه مدين ببقائه في السلطة إلى الجهود التي بذلتها إيران وحز/ب الله الذي صرح أمينه العام، حسـ”ـن نصـ”ـر الله في أكثر من مناسبة أنه لولا تدخلهم – أي الحزب وإيران – لسقط الأسد.
أيضًا فإن العلاقة بين نظام الأسد خلال عهد الأسد الأب والابن حاليًا، مع إيران علاقة قديمة ولكنها متجددة، بدأت منذ التدخل السوري في لبنان في سبعينيات القرن الماضي على خلفية الحرب الأهلية اللبنانية، والقيام بإنشاء كيان حز/ب الله الذي ساهم بتطور العلاقة بشكل لا يمكن فصله أبدا.
من جهة ثانية، فإن أهم أسباب العلاقة مع إيران هي أن الأخيرة أغرقت نظام الأسد بالديون خلال الحرب التي شنها على الشعب السوري، حيث لم يعد الأسد يتجرأ على اتخاذ أي قرار بعيدًا عن الرؤية الإيرانية.
الأسد نفسه أشار، خلال مقابلة في شهر حزيران/يونيو الماضي مع تلفزيون “روسيا اليوم” إلى متانة علاقته بإيران، حيث شدد على أن هذه العلاقة “لا يمكن أن تحددها أي دولة”، مضيفا أن “الدول التي تطلب قطع علاقتنا مع إيران هي نفسها اليوم تحاور إيران”.
فشل عربي باستعادة سوريا
منذ أكثر من عام، عملت العديد من الدول العربية على إعادة علاقاتها مع نظام الأسد بمستويات مختلفة، بدأت بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، نهاية العام 2021، وزيارة الأسد للإمارات في آذار/مارس 2022، وإعادة بعض البعثات الدبلوماسية، وتبع ذلك قيام البحرين بتعيين سفير فوق العادة في دمشق، إلا أن ذلك كله لم يعط أي نتائج إيجابية بالحد من العلاقات السورية الإيرانية.
إن ما قامت به الدول العربية التي حاولت استعادة العلاقات مع نظام الأسد، كالأردن والبحرين والإمارات وغيرها، حاولت تنفيذ خطة احتواء أردنية مصرية خليجية تبلورت مطلع العام 2022 تهدف إلى إلى احتواء سوريا عربيا لإبعادها عن إيران.
إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى الآن، لأن الارتباط بين نظام الأسد وإيران ارتباط مصيري، ولا يوجد هناك أي مغريات عربية تدفع الأسد للتخلي عن هذا الحلف الاستراتيجي مع إيران، فالأسد يلعب على التناقضات بين إيران ودول الخليج والدول العربية، ويبتز الخليج ودول المنطقة بأكملها من خلال الوجود الإيراني في سوريا، فهو على الرغم من تبعيته وخضوعه لإيران، إلا أن لديه ورقة ضغط قوية تجاه الدول العربية لا يمكنه التنازل عنها وهو الوجود الإيراني في سوريا وخاصة في الجنوب السوري، وعمليات تهريب المخدرات والسلاح والأشخاص التي تهدد العمق الأمني للدول العربية وخاصة الأردن.
الزلزال أظهر سيطرة إيران على سوريا بمواجهة العرب
لم يمضِ يومان على كارثة الزلزال شمال سوريا، حتى زار قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاني مدينة حلب وتجول في أحيائها التي تخضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية، بعد أن قامت إيران بإرسال دفعات من المساعدات، في رسالة واضحة للعرب الذين استنفروا لإرسال فرق الإنقاذ والمساعدات إلى حلب ومدن الساحل السوري، بإن سوريا باتت في القبضة الإيرانية، وذلك في الوقت الذي لم يساعد أي فريق إنقاذ إيراني بالبحث عن الضحايا ومساعدتهم.
تلك الزيارة دفعت بعض المتابعين للنشاط الإيراني في سوريا للقول بأنّ إيران منعت بشار الأسد من زيارة المناطق المتضررة قبل المسؤولين الإيرانيين، إذ جاءت زيارة الأسد لحلب بعد يومين من زيارة “قآاني” في إشارة إلى أنّ سيطرة الإيرانيين على المنطقة واعتبار بشار موظفاً لدى إيران يشرف على إدارتها وينفذ التعليمات التي يتلقاها من إيران.
لاسيما أن هناك هدفًا من الزيارة بحسب مختصين في الشأن الإيراني فتحمل الكثير للعرب، الذي حاولوا استغلال الفرصة والوقوف إلى جانب النظام في محاولة لكسر القيود الأمريكية المفروضة على التطبيع معه، بإرسال مساعدات وبرقيات تعزية واتصالات تؤكد وقوف تلك الدول إلى جانب الأسد ونظام حكمه، لكن إيران كعادتها قطعت الطريق عليهم، رافعة إشارة الطرد ومنع الدخول إلى أحد ملاعبها في المنطقة، كما فعلت سابقاً مع المبادرات العربية التي نقلتها الإمارات مرات عدة لإعادة الأسد إلى محيطه العربي مقابل تخليه عن إيران، حسب تقرير سابق لـ”تجمع أحرار حوران”.
لكن الرسالة الأهم على الإطلاق في مواجهة العرب، كانت اسئناف إرسال شحنات حبوب الكبتاغون على الرغم من الكارثة، وجاءت شحنة الكبتاغون يوم الأحد الفائت، “على الرغم من إحباطها من قبل السلطات الأردنية” لتشكل موقفا صريحا لنظام الأسد وإيران بأن العلاقة مع إيران تفوق بمرات عديدة في أهميتها أي علاقة مع الدول العربية، وأن ما قدمه العرب في دعم سوريا بمواجهة تداعيات الزلزال لن يغير في هذه العلاقة شيئًا، وهذا ما يثبت أن نظام الأسد نظام لا يمكن إصلاحه أو تعويمه أو استرداده للحضن العربي، كما يتوهم العرب.
علاقة قوية ومعقدة تربط الأسد بإيران، تبلورت معالمها بشكل أكبر بعد الزلزال، إذ استطاعت أن تثبت أن سوريا باتت محمية إيرانية، كما أثبتت أن مصالح إيران ونظام الأسد الاقتصادية في تجارة المخدرات وتهريبها نحو الدول العربية أمر غاية في الأهمية ولا يمكن إيقافها مهما كانت الظروف.