عام على الحرب الروسية الأوكرانية.. كيف انعكس الغزو على الجنوب السوري؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
مع دخولها عامها الثاني، لا تزال الحرب الروسية الأكرانية هي الحدث الأبرز دوليًا، إذ لم تقتصر آثارها على الدولتين المتحاربتين، بل تجاوزت ذلك لتنعكس على مناطق أخرى في العالم بما لها من تداعيات أدت إلى تغييرات على الأرض خاصة في الدول المضطربة.
ولعل سوريا من أكثر الدول التي تأثت بالحرب في أوكرانيا، نتيجة للوجود الروسي الكبير فيها في الفترة التي سبقت الحرب، والذي يتوزع في ميناء طرطوس ووجود أسطول روسي كبير، أو في قاعدة حميميم الجوية التي تعتبر القاعدة الرئيسية للقوات الروسية في سوريا.
الجنوب السوري بشكل عام، ومحافظة درعا بشكل خاص تأثرت بالحرب الروسية في أوكرانيا على خلفية الصراع القائم في المنطقة بين روسيا والإيرانيين لفرض سيطرتهم عليها، فإيران تسعى للتغلغل في الجنوب مخالفةً اتفاقات التسوية، وروسيا التي بدأت تضعف مع طول أمد الحرب لم يعد بإمكانها كبح جماح الإيرانيين الذين حولوا الجنوب لمستنقع للفوضى الأمنية وتهريب المخدرات.
انسحاب روسي جزئي
مع تزايد الخسائر الروسية في أوكرانيا بدأت روسيا بسحب جزء من قواتها من سوريا، وشملت هذه الانسحابات الجزئية محافظة درعا لتبقي على عدد محدود من الشرطة العسكرية يتمركزون في مدينة إزرع بشكل رئيسي ويقومون بدوريات محددة في حال كان هناك حاجة لذلك.
بالتزامن مع هذا الانسحاب، استغلت إيران الفراغ الذي تركه الروس لتزيد من تغلغلها في المحافظة والتمدد إلى محافظة السويداء بشكل لافت، حيث قامت إيران بتعزيز العديد من المواقع التي تخضع لها في درعا، وخاصة في القطعات العسكرية التابعة للنظام، كالفرقة التاسعة والعديد من الألوية والكتائب.
بالإضافة إلى ذلك فقد عززت إيران من ميليشيا فاطميين في أكثر من منطقة في المحافظة، فقد عززت غرفة عملياتها في مثلث الموت الواقع بين درعا والقنيطرة والتي أنشأها قائد فيلق القدس الإيراني الأسبق قاسم سليماني، إضافة إلى إرسال العشرات من هذه الميليشيا إلى القرب من مدينة درعا من أجل بناء قاعدة عسكرية إيرانية أُطلق عليها مسبقا اسم قاعدة “مالك الأشتر”.
وكان الملك الأردني عبدالله الثاني حذر العام الماضي من أن،” هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
زيادة في الاغتيالات وداعش ذراع إيران
بعد سيطرة النظام على منطقة حوض اليرموك في 2018، اعتقل المئات من عناصر تنظيم “داعش” في المنطقة، ولم تمض عدة أشهر حتى أطلق سراح العشرات منهم بموجب اتفاقات بين الطرفين وبإشراف إيراني لتصفية الشخصيات المعارضة للمشروع الإيراني في المحافظة.
وبعد عملية التسوية، أوكل الإيرانيون والنظام عملية تصفية المعارضين إلى العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري، الذي استطاع إمساك جميع الخيوط بيده في درعا، من خلال ارتباطه القوي بالنظام في دمشق من جهة، وارتباطه بالميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، كما استطاع الإمساك بخيط تنظيم “داعش” وتوظيف قياداته وعناصر لصالح عمليات الاغتيال لقادة وعناصر المعارضة الذين يرغب بتصفيتهم.
وخلال السنوات الأربع الماضية، تمكن العلي عبر خلايا “داعش” وخلايا شكلتها الميليشيات الإيرانية، من تصفية المئات من أبناء المحافظة بينهم قياديون وعناصر من المعارضة، إضافة إلى عدد من الشخصيات المؤثرة والتي كانت تدعو لمقاومة المشروع الإيراني.
وقد أثبتت أحداث جاسم في أواخر العام الماضي مدى العلاقة بين تنظيم “داعش” والنظام السوري بدعم من إيران، بشكل لا يقبل الشك، حيث اعترف أحد قياديي التنظيم بالعمل بالتنسيق مع لؤي العلي لتصفية المعارضين بعمليات اغتيال ممنهجة.
ازدهار تهريب المخدرات
الانسحابات الروسية من محافظة درعا، مهدت الطريق بشكل أكبر للإيرانيين والنظام السوري لزيادة عمليات إنتاج وتهريب المخدرات، فمن خلال الشحنات التي تمكنت السلطات الأردنية من إحباط دخولها للأراضي الأردنية لوحظ زيادة في الكميات وعدد مرات التهريب عن السنوات السابقة التي تلت العام 2018.
إذ اكتفت قوات الاحتلال الروسي بتسيير دوريات بين الحين والآخر في ريف السويداء الجنوبي وعلى الحدود الأردنية لمحاولة إيصال رسائل أن المنطقة تخلوا من الميلشيات الإيرانية، لكن استمرار عمليات تهريب المخدرات من قبل الميلشيات نحو الأردن يكشف حجم تورّط روسيا في تلك العمليات عبر غض النظر عنها.
وبحسب معلومات حصل عليها “تجمع أحرار حوران”، فإنه منذ شهر تشرين الثاني الماضي، بدأت الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة بتكثيف عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية مستغلة تغير الأحوال الجوية، إضافة إلى أن هناك كميات غير مسبوقة من حبوب الكبتاجون جرة إنتاجها وتخزينها في مناطق متفرقة من درعا والسويداء.
عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية باتت تشكل قلقًا بالغًا للأردن ودول الخليج العربي التي حولت دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية السوق الرئيسية لحبوب الكبتاجون، ولم تتمكن هذه الدول حتى الآن من إيقاف عمليات التهريب على الرغم من كل الجهود التي تبذلها في هذا المجال، نظرا لتوسع شبكات التهريب والتجارة بين سوريا وهذه الدول، بدعم إيراني كبير مادي ولوجستي.
تجارة وتهريب المخدرات، أصبحت من الأعمدة الاقتصادية المهمة لكل من الميليشيات الإيرانية، وللنظام السوري والتي تدر عليهم مبالغ مالية كبيرة في ظل العقوبات المفروضة عليهم.
وحسب مصادر مطلعة، فإن إيران ونتيجة للأرباح التي تجنيها من تجارة وتهريب المخدرات فلن تتنازل أبدا عن هذه التجارة، فهي تعمل على استغلال الأردن كطريق مباشر للوصول إلى دول الخليج العربي، بعد فشلها في إنجاز سكة الحديد الممتدة من إيران إلى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا، نتيجة تواجد قاعدة التنف في الطريق الذي يجب أن تمر منه.
وكان تقرير صدر نهاية العام الماضي، عن معهد “نيو لاينز” الأميريكي، كشف أن قيمة تجارة حبوب الكبتاجون في الشرق الأوسط، تجاوزت 5 مليارات دولار خلال العام 2021، مشيرًا إلى تورط أفراد من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، وكبار أركان نظامه وحزب الله اللبناني في تصنيع الكبتاجون وتهريبه، حيث يوضح التقرير أن سوريا تعد المنتج الرئيسي لحبوب الكبتاجون.
انعكاسات مهمة للحرب الروسية الأوكرانية على الجنوب السوري، برزت في ازدياد التمدد الإيراني وازدياد إنتاج وتهريب المخدرات وعمليات الاغتيال والتصفية، واستمرار تهديد دول الجوار، كل ذلك في الوقت الذي لم تنجح أي حلول لإيقاف ما يجري أو إيجاد حل للحالة السورية المستعصية من الناحية السياسية.