هل تتوسع إيـ”ـران في الجنوب ردًا على الزيارات العربية لدمشق؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
الزلزال الذي ضرب أجزاء من تركيا وسوريا كان كارثة طبيعية أدت لخسائر كبيرة بالأرواح والبنية التحتية والمدن، إلا أنه من جانب آخر كان الأداة التي كسرت القفل الأخير للانفتاح على نظام الأسد في سوريا، فعمليات التطبيع مع النظام بدأت منذ أكثر من سنتين إلا أنها بقيت محدودة وخجولة من عدد محدد من الدول العربية.
إلا أنه بعد الزلزال استغلت العديد من الدول العربية هذه الحادثة لتجعلها مدخلاً جديداً للتطبيع مع النظام وفق مبدأ “سياسة الكوارث”، فيما يبدو أن الطريق أصبح سالكاً على الأقل للتفاوض مع نظام الأسد حول عدد من النقاط لإجراء تسوية لما يُعرف دوليا بـ”الأزمة السورية”.
إيران الموجودة في سوريا عسكريًا واقتصاديًا وأمنيًا من جهتها بدأت باستغلال الزلزال منذ اليوم الأول في اتجاهات مختلفة، منها إبراز تواجدها وقوتها وإرسال رسالة للعرب والمجتمع الدولي أن سيطرتها تفوق سيطرة النظام، ومنها التوسع مجددًا في مناطق مختلفة وزيادة النشاط الأمني خاصة في الجنوب السوري الذي بات محط اهتمام إيراني منقطع النظير، بسبب موقعه الاستراتيجي الهام خاصة في مجال تهريب المخدرات والسلاح والإرهابيين للأردن ودول الجوار الأخرى.
استنفار وزيارات ميليشياوية في الجنوب
في الثامن من شباط الجاري، لوحظ استنفار كبير في حواجز النظام العسكرية في محافظة القنيطرة، إضافة لفرع الأمن العسكري في سعسع، وترافق الاستنفار مع دخول 7 قيادات من ميليشيا حزب الله اللبناني إلى مدينة البعث، وإلى بعض التلال التي يسيطر عليها الحزب في المنطقة، وأبرزها التلول الحمر، وتل كودنا، وتل بزاق، وتل الشعار.
كما زار القادة السبعة مقر قيادة اللواء 90 التابع للنظام حيث قاموا هناك بتبديل سياراتهم لإخفاء هوياتهم، إضافة للقيام بجولة على عدد من الكتائب والثكنات العسكرية التابعة للواء نفسه، حيث تعتبر جولتهم حسب مصدر خاص لـ”تجمع أحرار حوران” اعتيادية بهدف الرصد والمراقبة والقيام بصيانة أجهزة الرادار المتواجدة في ريف المحافظة.
من جانب آخر، شهد مقر قيادة اللواء 12 في مدينة إزرع في محافظة درعا قبل أيام اجتماعًا ضم ضابطًا تابعًا للحرس الثوري الإيراني مع عدد من ضباط النظام السوري، حيث من المتوقع إيجاد تشكيلات جديدة تابعة لإيران في الجنوب خلال المرحلة القادمة.
وسبق الاجتماع زيارة قام بها الضابط الإيراني إلى منطقة اللجاة والتي تتواجد فيها مجموعات تتبع للميليشيات الإيرانية، ثم توجه إلى بلدة محجة في ريف درعا الشمالي حيث اجتمع مع أحد الشخصيات من البلدة والمعروف بأنه تابع بشكل رسمي للإيرانيين.
يوم أمس الأحد، أيضًا شهدت محافظة درعا وتحديدًا طريق غرز بجانب صوامع الحبوب وصول تعزيزات عسكرية تابعة للنظام إلى الحاجز المتواجد في المنطقة ومن بين التعزيزات هناك أسلحة ثقيلة، فيما تشير بعض المعلومات إلى أن جزءًا من هذه التعزيزات سيتجه إلى بلدتي نصيب وأم المياذن.
رد على الزيارات والمبادرة العربية
يدور الحديث منذ عدة أشهر حول مبادرة عربية، تحدث عنها الأردن في البداية تؤكد أن هناك نية عربية لقيادة الحل في سوريا، وقد عزز من إمكانية وجود المبادرة تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، مؤخرًا حول نية العرب العمل لعدم إبقاء سوريا على ما هي عليه الآن، وأنه لا بد من التواصل مع نظامها بشكل مباشر.
أيضًا تعتبر الزيارة التي قام بها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل أيام إلى عُمان مؤشرًا مهما على البدء بتفعيل هذه المبادرة، حيث جرى الحديث حول بنود تم طرحها من أجل إيجاد صيغة للحل.
صحيفة “المدن” نقلت قبل أيام قليلة أن المطلوب من بشار الأسد التوقيع على اتفاق مكتوب، يتضمن أكثر من عشر نقاط، ومن بين الشروط المفروضة على الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي، إطلاق سراح عشرات المعتقلين بما فيهم المعتقلين السياسيين، التفاوض الجدي مع المعارضة، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سياسي بموجب القرار 2254، أي الذهاب إلى تعديل دستوري واسع يتضمن تشكيل هيئة انتقالية.
أيضًا من الشروط، عدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الإستراتيجية، اقتصادياً وعقارياً مع إيران، واتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، و الكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي، لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم.
إلا أنه لم يصدر حتى الآن أي ردود رسمية سورية أو عربية حول الشروط التي يتم تداولها للحل في سوريا، لكن الجانب المهم أن إيران تقوم بالعمل ضد أحد أهم الشروط المطروحة وهو إبعاد القوات الإيرانية من الجنوب السوري، إذ تقوم إيران بتعزيز تواجدها بشكل غير مسبوق في الجنوب، فيما يبدو أنه تحدٍ للمبادرة العربية ووجود نية حقيقية على إفشال المبادرة.
أيضًا فإن المبادرة تواجهها مجموعة من العقبات تتمثل بالنظام السوري نفسه وعلاقته العميقة والقديمة مع إيران، وارتبتطه البنيوي بها، إذا لا بد أن يقوم العرب بإقناع الأسد أنهم بديل عن إيران التي حمته من السقوط لنحو 12 عام.
من جهة ثانية، هل يمكن للأسد المفاضلة بين العرب وإيران، وهل يملك حق المفاضلة، وهل يملك القرار بالعودة للحضن العربي والانفكاك عن إيران، حيث يعتبر ابتعاد الأسد عن إيران هو محور المبادرة الرئيسي، وهذا ما لا يمكن أن يتم حيث تسيطر إيران على معظم دوائر صنع القرار في سوريا خاصة الأمنية والعسكرية.
ومن ناحية تجارة وتهريب المخدرات، قد لا يستطيع العرب تقديم بديل مادي للنظام السوري، لتجارة الكبتاجون، حيث بلغ دخل النظام خلال عام 2021 من تجارة الكبتاجون 5 مليار دولار، حسب تقرير لمركز نيولاينز الأميركي، ومن المرشح أن تتجاوز قيمة تجارة الكبتاجون في العام الحالي أكثر من 10 مليار دولار.
تشير المعلومات إلى أن النظام يرفض حتى الآن وجود المعارضة السورية في حكومة مشتركة تتمتع بسلطات واسعة تكون على حساب سلطات الرئيس والتي سيتم سحبها منه حال تم الاتفاق على المبادرة، إضافة إلى عدم اعتراف النظام بوجود أعداد كبيرة من المعتقلين والمختفين قسريًا، وهذا ما يجعل الطريق أمام المبادرة العربية شائكا.
مبادرة عربية قد تولد ميتة أو مشوهة على الرغم من تكثيف الزيارات الرسمية العربية إلى دمشق تحت مسميات إنسانية في ظاهرها وسياسية في حقيقتها، في الوقت الذي تعمل إيران على الرد على العرب ومبادرتهم بأسلوبها التوسعي في سوريا بشكل عام والجنوب السوري أحد محاور المبادرة بشكل خاص.