تقليص مساعدات السوريين في الأردن يفاقم من مأساتهم
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الثالث عشر من شهر تموز/يوليو الجاري، أنه بحلول الأول من آب/ أغسطس المقبل، سيقطع برنامج الغذاء العالمي الدعم الحيوي عن اللاجئين السوريين في الأردن، داعياً البرنامج إلى مراجعة القرار لما له من تداعيات على عدة مستويات. ومحذرا من أن قطع المساعدات عن اللاجئين سيزيد من معاناتهم، وأن الأردن غير قادر على سد هذه الفجوة، وذلك في تغريدات على منصة “تويتر”.
سبق تصريحات الوزير الصفدي رسائل في منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، أرسلها برنامج الأغذية العالمي، للاجئين السوريين المستفيدين من المساعدات الغذائية المعروفة محليا بـ”الكوبون الغذائي”، تبلغهم أنه مع بداية تموز/يوليو سيقوم البرنامج بتخفيض قيمة المساعدات الغذائية لجميع المستفيدين، بسبب نقص التمويل، حيث خُفضت المساعدة البالغة 23 دينار إلى 15 رينار شهريًا لكل فرد، فيما خُفضت المساعدة البالغة 15 دينار إلى 10 دنانير شهريًا.
لكن وفي الثاني من شهر تموز/يوليو الجاري، وصلت رسائل أخرى إلى عدد كبير من المستفيدين من البرنامج، تبلغهم بأن الدفعة الأخيرة من المساعدات ستكون في تموز/يوليو، وبرر البرنامج ذلك من أجل إعطاء الأولوية للعائلات الأشد احتياجًا من اللاجئين السوريين.
أزمة في التمويل وزيادة في الفقر
في الرابع عشر من الشهر الجاري، قال بيان صادر عن مكتب برنامج الغذاء العالمي في العاصمة الأردنية، عمّان، إن أزمة التمويل غير المسبوقة دفعته إلى تقليص مساعداته الغذائية الشهرية للاجئين في الأردن، ابتداءًا من شهر آب/أغسطس، كما تم استثناء نحو 50 ألف لاجئ من المساعدات، موضحاً أنه سيعطي الأولوية للأسر الأشد احتياجاً عبر توجيه الموارد المحدودة لتلبية احتياجاتهم، وذلك بعد أن استنفد البرنامج جميع الخيارات، بما في ذلك خفض قيمة المساعدات النقدية في بداية الشهر الحالي بمقدار الثلث لجميع اللاجئين خارج المخيمات.
من جهته، قال الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن، ألبرتو كوريا مينديز، في تصريحات سابقة، اطلع عليها “تجمع أحرار حوران”، إن البرنامج يشعر بقلق بالغ من أن تقليص المساعدات سيزيد معاناة آلاف الأسر اللاجئة، ويجعلهم أكثر عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً، بمن في ذلك الأطفال والنساء وذوو الاحتياجات الخاصة.
وأضاف أنه “بالرغم من تقليص المساعدات، لا يزال البرنامج يواجه نقصاً حاداً في التمويل قدره 41 مليون دولار أميركي حتى نهاية عام 2023 دون الحصول على التمويل اللازم، سيضطر البرنامج إلى خفض مساعداته بشكل أكبر.
أما حول كيفية اختيار العائلات التي تم تخفيض الدعم عنها، فقد عملت إحدى شركات الدراسات المرتبطة ببرنامج الغذاء العالمي على تحديد الأسر بحسب حاجتها، بعد زيارات ميدانية قام بها موظفو الشركة إل أماكن سكن اللاجئين السوريين، وفي الوقت نفسه يرى قسم من اللاجئين أن تقدير الدراسات كان غير كافٍ ليكون سببًا لقطع المساعدات أو تخفيضها.
كما يرى آخرون أن قطع المساعدات وتخفيضها، هو بمثابة إعلان من المجتمع الدولي والدول المانحة، بالتخلي عن دعم اللاجئين السوريين، وإدخالهم في معاناة جديدة خاصة مع انخفاض فرص العمل وتدني الأجور والأزمة الاقتصادية التي يشهدها الأردن ومعظم دول العالم بعد جائحة كورونا الحرب الروسية الأوكرانية.
وكانت دراسة لقياس الفقر بين اللاجئين في الأردن، أجرتها مفوضية شؤون اللاجئين وفريق البنك الدولي المعني بالفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أشارت إلى أن معدل الفقر وعمقه لدى اللاجئين خارج المخيمات أعلى نسبياً من اللاجئين في داخل المخيمات.
وأضافت الدراسة أن 15.54 في المائة من اللاجئين الذين يسكنون المخيمات يعانون من فقر غذائي، في مقابل 44.84 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، وباستخدام معيار خط الفقر الدولي، وهو 5.5 دولارات يومياً للفرد، يبلغ معدل الفقر بين جميع اللاجئين 66.25 في المائة، ويعاني منه 58.79 في المائة من اللاجئين في المخيمات، و67.8 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، وأن 21.15 في المائة من اللاجئين في الأردن يعيشون على أقل من 3.2 دولارات يومياً.
قرار التخفيض غير مرتبط بعودة السوريين
خلال السنوات الماضية قام برنامج الغذاء العالمي بتخفيض المساعدات الغذائية وتقليصها لأكثر من مرة بسبب نقص التمويل، كما قامت مفوضية اللاجئين في الأردن لأكثر من مرة بوقف المساعدة المالية المقدمة لبعض العائلات والتي تُعرف بـ”بصمة العين”، لكن هذا التخفيض كان يتم إلغاؤه بمجرد إعادة الدعم كما عو مقرر.
وقد وضعت الحكومة الأردنية في مؤتمر لندن للمانحين عام 2016 ما سُمي حينها بخطة الاستجابة لأزمة اللجوء السوري والتي تم اعتمادها من قبل المانحين، حيث يمكن بموجب هذه الخطة تلبية احتياجات اللاجئين على المستوى الغذائي، والنواحي الأخرى كالتعليم والصحة وتأمينهما بشكل لائق، إلا أنه ومنذ العام 2016 وحتى الآن لم تلتزم الدول المانحة بدفع كافة المبالغ المترتبة عليها والتي تعهدت بها بشكل سنوي.
لكن قرار التخفيض الأخير، جاء في الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع السياسية العربية تغيرات كان أبرزها عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأن قرار التخفيض قرار متعمد لدفع السوريين في الأردن للعودة إلى سوريا.
لكن الحكومة الأردنية لا تزال تتخذ الموقف نفسه دون تغيير منذ بداية اللجوء السوري، بأن عودة السوريين يجب أن تكون آمنة وطوعية وبإشراف الأمم المتحدة، وهذا الموقف جاء على لسان مختلف المسؤولين الأردنيين وفي مناسبات مختلفة.
ولم يجر حتى الآن إعادة لأي لاجىء سوري في الأردن إلى سوريا، فبحسب بيانات مفوضية اللاجئين فإنّ من عاد إلى سوريا منذ افتتاح معبر نصيب – جابر الحدودي في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2018، عاد بشكل طوعي.
لا تغيّر في التعامل مع اللاجئين السوريين في الأردن
يعيش في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، منهم 665 ألف مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، ويعيش منهم نحو 120 ألف في مخيمات اللجوء “الزعتري – الأزرق – المخيم الإماراتي”، وخلال سنوات اللجوء للسوريين في الأردن، لم يشعر السوريون بفارق كبير في الحياة عما كان عليه الحال في سوريا، سواء من خلال العيش في المجتمع الأردني، أو من خلال تعامل الحكومة والسلطات الأردنية مع ملف اللجوء السوري.
أيضا استطاع السوريون في الأردن، الانخراط في سوق العمل الأردني، سواء بالاستثمار حيث أتاحت قوانين الاستثمار فرصًا عديدة لهم، وحتى بالنسبة للعمال السوريين فقد اتخذت الحكومة الأردنية بالتعاون مع الدول المانحة بعد مؤتمر لندن للمانحين في 2016 إجراءات قامت بموجبها بقوننة عمل السوريين بموجب تصاريح عمل تتيح لهم العمل بشكل حر دون أن تمس مكانتهم القانونية كلاجئين ودون أن تنتقص حتى من المساعدات المقدمة لهم من مفوضية الاجئين وبرنامج الغذاء العالمي وأي جهة مانحة أخرى.
حيث أصدرت وزارة العمل الأردنية 338736 تصريح عمل في “مهن محددة” للاجئين السوريين منذ مطلع العام 2016 وحتى منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، منها 310709 تصاريح عمل للذكور من اللاجئين السوريين، إضافة إلى 28027 تصريح عمل للسوريات.
ولا تزال وزارة العمل الأردنية، تقوم بإصدار تصاريح العمل المختلفة للسوريين حتى الآن، سواء التصاريح المرنة، أو الزراعية أو غيرها.
أيضًا فإن هناك روابط اجتماعية وثيقة ومتينة يرتبط بها السوريون مع الأردنيين، خاصة أهالي حوران حيث لجأوا إلى القسم الاردني من المنطقة الجغرافية الواحدة التي قسمتها حدود سياسية، حيث أنسباؤهم وأقاربهم وأبناء عمومتهم والذين يشتركون معهم في الجذور العائلية.
العديد من العوامل والأسباب التي شكلت بمجموعها أسبابًا كافية لرغبة السوريين في البقاء في الأردن وأهمها عدم استتباب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، على الرغم من تقاسمهم العديد من الصعوبات مع المواطنين الأردنيين أنفسهم، إلا أنهم لا يزالون يشعرون بالأمان في الأردن، فليس هناك أي مضايقات شعبية أو من الحكومة التي تعتبر في مختلف المناسبات والخطابات أن السوريين أشقاء وترفض عودتهم إلا بطريقة طوعية وآمنة تحفظ حياتهم وكرامتهم، وذلك خلافًا لما يجري في دول أخرى.