الشعوذة في درعا.. جريمة عقوبتها القتل في ظل اللادولة
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
قتل “فوزي غازي الزعبي” إثر إطلاق النار عليه في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، أول أمس السبت 5 آب، وبحسب مصادر محلية لـ”تجمع أحرار حوران” فإن الزعبي متهم بممارسة أعمال السحر والشعوذة، فيما تقول مصادر أخرى أنه يعمل في الطب البديل “طب الإعشاب”.
الزعبي ليس الأول الذي يُقتل في ريف درعا بهذه التهمة، فقد سجّل مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران العثور على 6 جثث لأشخاص قُتلوا ووضعت أوراق على جثثهم تحمل عبارة “هذه نهاية كل ساحر” وذلك منذ مطلع عام 2022.
وهذا ما يدفع للتساؤل حول انتشار ظاهرة السحر والشعوذة من جهة، وملاحقة من يمارسون هذه الأعمال وقتلهم، وما عقوبة السحر والشعوذة في الإسلام وفي القانون السوري الذي لا يزال ساريا، كقانون عقوبات لم يضعه نظام الأسد وإنما هو قانون وضعه رجال قانون سوريين في مطلع خمسينات القرن الماضي وخضع لتعديلات تناسب الفترات الزمنية المتلاحقة.
أسباب انتشار السحر والشعوذة
قد لا تكون أعمال السحر والشعوذة جديدة سواء في مجتمع درعا أو المجتمع السوري ككل وحتى العربي، فهي أعمال قديمة طالما يلجأ إليها بعض الناس من الرجال والنساء لاعتقادهم أن من يمارسها وعادة ما يدعونه “الشيخ” يكون قادرًا على تيسير أمورهم، سواء للرزق، الزواج، الطلاق، المحبة، وغير ذلك من الاعتقادات الخاطئة.
وخلال السنوات الأخيرة انتشرت هذه الأعمال لتتحول إلى ظاهرة لافتة، يمكن إرجاعها لأسباب مختلفة، أبرزها الفقر الذي أصاب المجتمع السوري ما دفع بالبعض إلى العمل بهذه الأمور واتخاذها مهنة للعيش منها، مستغلاً الفقر الذي يعاني منه الأهالي، وبعض الرغبات، وكل ذلك يقع في دائرة الجهل سواء بالأحكام الشرعية التي حرمت هذه الأفعال سواء ممن يمارسها أو ممن يسعى وراء من يمارسها، وأيضا من القانون الذي اعتبرها جريمة يُعاقب عليها.
ما الحكم الشرعي في السحر والشعوذة؟
لعل أبرز الفتاوى في عقوبة من يمارس السحر والشعوذة جاءت على لسان الشيخ السعودي “ابن باز”، والذي أفتى بأن من يمارسها مشرك بالله، فهو يقول “إذا علم أنه ساحر فهو مشرك، عقوبته القتل في الدنيا، وفي الآخرة النار إذا مات على سحره ولم يتب”.
واستند ابن باز إلى الآية القرآنية الكريمة: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ”.
لكن في الوقت نفسه، يرى ابن باز، أنّ على من يتعامل بالسحر والشعوذة التوبة إلى الله، فإن مات على سحره صار كافرًا من أهل النار؛ لأنّ السحر من آثار دعاء الشياطين، والاستغاثة بالشياطين، واللجوء إليهم، فهو كفر لما يترتب عليه من دعاء الجن، والاستغاثة بالجن.
أما العقوبة الدنيوية بحسب ابن باز، في حال لم يتب الساحر، فهي القتل.
أيضًا وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي تحرم السحر، واعتبره النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من السبع الموبقات إذ جعله بعد الشرك بالله، كما أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنّ الذنب لا يقع فقط على الساحر وإنما على من يقصده أيضًا، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.
وأيضًا الحديث الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة”.
أحكام وردت كثيرة، طبق بعضها الخلفاء الراشدون بقتل السحرة، لكن ذلك يكون عندما يكون الناس يعيشون في ظل دولة إسلامية مكتملة، وهذا على عكس ما يعيشه السوريون اليوم ومن بينهم أبناء درعا، فسوريا اليوم دولة لا تخضع لحكم إسلامي في الأصل إنما تخضع لسلطات أمر واقع بحسب مناطق السيطرة.
وهذا ما يؤدي إلى وجوب إعادة النظر في تطبيق مثل هذه الأحكام، خاصة في ظل انتشار العديد من أنواع الفساد والجرائم، وعلى رأسها المخدرات، الاغتيالات، السرقة، السلب وغير ذلك.
وبالنظر إلى الجهات التي تدعي تطبيق الشريعة الإسلامية في درعا وسوريا وعلى رأسها تنظيم “داعش”، و”هيئة تحرير الشام” وغيرها، فقد ثبت من خلال متابعة “التجمع” لها، قيامها بجرائم تعتبر أكثر بشاعة من جرائم السحرة، فقد مارست هذه التنظيمات أعمال تجارة المخدرات، تجارة البشر، السلب، الاغتيال والقتل بالشبهة وغيرها.
السحر والشعوذة في القانون السوري
تناول قانون العقوبات السوري، أعمال الشعوذة في مواده واعتبرها جريمة تتوجب المعاقبة عليها، على اعتبارها جريمة تخل بالثقة العامة، وعرّفها بأنها “قيام مرتكبها بأحد أفعال الشعوذة التي والتي أوردها المشرع محددا إياها على سبيل المثال وليس الحصر وذلك من خلال العبارة التي أوردها “وكل ما له علاقة بعلم الغيب”.
فأفعال مناجاة الأرواح والتنجيم وما يقوم به المشعوذون من الكتابات التي تعرف محليًا بـ”الحجب” أو عمل السحر لتحقيق ما يريده الأشخاص، وأعمال أخرى ربما يكون أبسطها قراءة الفنجان والكف هي من أفعال الشعوذة حسب القانون.
لكن في الوقت نفسه فإن عقوبة القانون على هذه الأفعال غير كافية، وجعلها أقل من جريمة الاحتيال التي تعتبر مشابهة لها، فمن يمارسها يقوم بالاحتيال أصلا من خلال إعطاء وجود ملموس لبعض الوقائع الوهمية.
وتنص المادة 754 من قانون العقوبات السوري العام على أنه:
1: يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من خمس وعشرين إلى مائة ليرة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب، وتصادر الألبسة والعدد المستعملة.
2: يعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى مائة ليرة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبيا.
بالنظر إلى المادة وطبيعة العقوبة المفروضة، فهي غير كافية بالمطلق لتكون رادعًا لهذه الأعمال، كما أن إثباتها ليس بالأمر السهل، ما يجعل السحرة والمشعوذين في العديد من الحالات غير مسؤولين وبالتالي لا يخضعون للمحاكمة.
أيضًا فإن جريمة السحر والشعوذة ترتبط بجرائم أخرى قد تنتج عنها، بدءًا من جريمة الاحتيال، ويمكن أن تصل إلى الاغتصاب والإيذاء والقتل في بعض الحالات، ولذلك من الواجب ربطها بتلك الجرائم وتطبيق العقوبات الأشد بحسب مرتكبيها بحسب كل جريمة منصوص عليها في القانون.
بالنتيجة فإن جريمة الشعوذة أمر واقع في مجتمع سوريا ودرعا، وربما باتت أكثر انتشارًا في السنوات الأخيرة، لكن يبقى الخلاف بكيفة ردع هذه الجريمة، فهناك جهات تقوم بإصدار العقوبة وتنفيذها بقتل هؤلاء الأشخاص، وهناك في الوقت نفسه قانون غائب وقاصر في الأصل من خلال مواده لردعها أيضا، في ظل أوضاع انتشرت فيها العديد من الجرائم غير المسبوقة.