لا قيادة موحدة في درعا.. الأسباب والعوائق
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.
أكثر من أسبوع مضى على بدء المظاهرات في محافظات السويداء بعد أن أدرك أهلها أن النظام السوري لا يمكن إصلاحه أبدًا، خاصة بعد القرارات الأخيرة التي أصدرها برفع الأسعار، فوجدوا أن بقاءه هو استمرار للمأساة السياسية والاقتصادية ومن قبل ذلك كله الأمنية.
فجاءت شعارات المظاهرات مطالبة برحيل الأسد دون أي تنازل عن هذا المطلب، إلا أن اللافت والإيجابي في السويداء هو وقوف أهالي المحافظة خلف قيادة رئيس الطائفة الروحية الدرزية الشيخ حكمت الهجري الذي تبنى مطالب الأهالي بشكل كامل ورفض أي تنازلات عنها وهذا ما جعله خليفة لسلطان باشا الأطرش ليكون قائدًا للثورة من السويداء.
بالتزامن مع مظاهرات السويداء انطلقت المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في محافظة درعا، تلك التي لم تتوقف على مدى 12 عامًا، إلا أن خروج أهالي السويداء أعاد الأمل من جديد بتكوين صف موحد في المنطقة الجنوبية يصعب على النظام اختراقه، أو اللعب على الأوتار الطائفية التي فشل بها في الأصل بين المحافظتين.
إلا أن الأمر في درعا يختلف عن السويداء في نقطة مهمة وفاصلة في المرحلة الثورية الجديدة، وهي القيادة الموحدة، فدرعا لا تزال منذ بداية الثورة تفتقد وجود قيادة أو مرجعية ثورية واحدة سواء كانت ممثلة بشخص، أو مجلس يقود وينسق للمظاهرات بشكلها السلمي والمدني البعيد عن الشعارات الدينية التي أثبتت فشلها في المرحلة السابقة، وهذا ما يقود للسؤال ما الأسباب التي تمنع وجود قيادة واحدة للثورة السلمية في درعا وهل هناك عوائق داخلية وخارجية؟
أسباب وعوائق داخلية
العديد من الأطراف التي دخلت على خط الثورة السورية منذ العام 2011 وخاصة بعد التحول للعسكرة في مطلع العام 2012، بدءًا من الإخوان المسلمين، ومرورًا بالفصائل الإرهابية التي أدخلها النظام وميليشيا حزب الله اللبناني كتنظيم داعش، وصولاً إلى فصائل الجبهة الجنوبية التي كانت تتلقى دعمًا خارجيًا وكانت توصف بالمعتدلة.
فصائل الجبهة الجنوبية، بقي معظمها بعد تسوية عام 2018 في درعا، وتحولت من فصائل ثورية إلى كتائب تتبع بشكل أو بآخر لروسيا أو الأمن العسكري أو الفرقة الرابعة حيث لم يكن هناك أي خيارات أمامها، وبعضها تطوع من نفسه ليكون أداة إجرامية بيد أجهزة النظام الأمنية ويد الإيرانيين، كالميليشيا التي كان يقودها مصطفى المسالمة “الكسم”، أو بقية ميليشيات الأمن العسكري.
أيضًا فإن هناك اللجان المركزية التي تشكلت عقب التسوية والتي تقود بعض الفصائل السابقة والتي تعتبر مراكز قوى في عدة مناطق كدرعا البلد، والريف الغربي.
دعوات عديدة من أهالي درعا للتوحد بين أبناء المحافظة تحت قيادة موحدة للمظاهرات لم تلق آذانًا صاغية حتى الآن، ولا تزال المظاهرات التي خرجت والتي ستخرج من تنسيق أبناء المدن والبلدات عبر عدد من الناشطين الثوريين والإعلاميين.
من الصعب أن تتوحد الفعاليات الثورية في درعا، والسبب في ذلك يعود إلى رفض التنازل من قبل الأطراف الأساسية في المحافظة للقيادة لطرف آخر، أو حتى التوحد في قيادة واحدة.
هذا الأمر سلبي للغاية في هذه المرحلة وهو ما يريده النظام السوري ببقاء المحافظة مشتتة، وغير قادرة على التوحد فيما بينها، وإبقائها منعزلة عن الجارة السويداء.
أيضًا فإن هناك أمورًا تتعلق بالقادة أنفسهم في مناطقهم، فمعظم مناطق درعا تحولت لمناطق نفوذ للفصائل، وهذه الفصائل وقادتها باتوا يحققون منها فوائد مادية كبيرة تقوم على جباية الأموال من المواطنين مقابل الحماية لمصالحهم، سواء الزراعية أو الصناعية أو التجارية.
ويعرف بأن بعض الفصائل وقادتها يرتبطون بشكل وثيق بفرع الأمن العسكري ورئيسه لؤي العلي، وأنهم لا يقومون إلا بتنفيذ الأجندة التي تلبي مصالح النظام عبر العلي.
لكن استمرار هؤلاء القادة وفصائلهم بالسير بهذا الاتجاه سيؤدي قريبًا إلى جعلهم في مكانة النظام السوري لدى أهالي المحافظة وهو ما يجعل الثورة في درعا ثورة مزدوجة في المرحلة القادمة ستطال قادة الفصائل والنظام للتخلص منهم على حد سواء.
أسباب وعوائق خارجية
محاولات خارجية مستمرة للسيطرة على أي حراك سلمي أو عسكري ثوري في درعا، في ظل استمرار وجود نفس قادة الفصائل الذين ثبت تآمرهم في مرحلة ما قبل تموز 2018، ودورهم الكبير في تسليم المحافظة للنظام وروسيا ومن خلفهم ميليشيات إيران، والذين لا يزالون حتى اليوم يرون أنهم الأحق والأجدر بقيادة أي تحرك جديد، وما يدعمهم في ذلك عدد من الأشخاص يمثلون حاضنتهم المنتفعة منهم ماديًا إضافة لامتيازات تتعلق بحرية التحرك بسبب العلاقات مع أجهزة النظام الأمنية، ومنهم من استطاع السفر لدول عربية أو غيرها وافتتاح مصالح تجارية يعملون من خلالها على إعطاء الفتات لهؤلاء الأشخاص.
أيضًا فلا يزال البعض حتى من القيادات المحلية غير العسكرية يصرون على أن يكون للإخوان المسلمين دور في الحراك الثوري، مع أن أهالي درعا يعلمون تمامًا الأثر السلبي للإخوان ودورهم الذي لا يقل سوءًا عن دور النظام في النكسة التي تعرضت لها الثورة بين الأعوام 2013- 2018.
من جهة ثانية، فإن من كانوا قادة الصف الأول خاصة في الفصائل المعارضة المسلحة لم يعودوا مؤمنين بفكرة الثورة السلمية المحلية المبنية على عدم وجود دعم خارجي خاصة الدعم المادي، في حين أن الفعاليات الثورية في السويداء أعلنت عن رفضها تلقي أي تمويل أو تبرعات من أي شخص أو دولة أو منظمة لدعم الثورة وهي الخطوة الصحيحة لنجاح الثورة وخروج من يقودها من فخ العمالة غير المقصود ربما، لهذه الجهة أو تلك.
صحوة أبناء درعا على أعتاب قلب الأمور لصالح الثورة
على الرغم من العديد من الأسباب والعقبات الداخلية والخارجية التي تحيط بالثورة في درعا، إلا أن أبناء درعا أصبحوا مدركين لكل تلك الأسباب، والصحوة الثورية بدأت بالسريان مؤخرًا من خلال التنسيق للمظاهرات في الجمعة الماضية والتي خرجت بدعوات بعيدة عن أي قيادي أو أي فصيل، ودعوات مماثلة للخروج في الجمعة المقبلة 1 من أيلول/سبتمبر.
أيضًا فإن مجلس حوران الثوري في الشمال السوري، والمكون من أبناء حوران من الثوار الذين رفضوا التسويات مع النظام في 2018 وتم تهجيرهم، أكد في بيان حصل عليه “تجمع أحرار حوران” دعم المجلس للمتظاهرين في درعا والسويداء بمظاهراتهم السلمية والمدنية.
كما أن الدعوات التي تتم حاليًا في درعا، فقد تبنى العاملون عليها شعارات ثورية وطنية بعيدة عن أي تطرف أو طائفية، وتدعو فقط لإسقاط النظام وبناء وطن قادر على جمع السوريين بكل أطيافهم ودون أي تمييز.
مع استمرار مظاهرات أبناء درعا خلال المرحلة القادمة والتي يتم التجهيز لها الآن، فإن أمام قيادات الفصائل جميعًا الاختيار بين طريقين، إما العودة إلى جادّة الثورة والوقوف مع أبناء وطنهم مغلبين ذلك على المنافع والمصالح الشخصية والعلاقات مع الأجهزة الأمنية، أو أن درعا وأبناءها سيقومون بتحييدهم وستلفظهم المحافظة في وقت قريب.
الثورة السورية بعد محاولات إنهائها عادت من جديد، وسيكمل أبناء الجنوب السوري بمحافظتي درعا والسويداء الطريق معًا، وستلتحق بهم محافظات ومدن أخرى قريبًا، ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها بإسقاط النظام ومحاسبة كل المجرمين من كل الأطراف على جرائمهم بحق جميع السوريين.