الحِراك السلمي في الجنوب السوري.. بداية لمشروع الإقليم الإداري أم بداية لسقوط الأسد؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
مطلع العام الحالي، تناولت العديد من المواقع الصحفية والإخبارية مقالات وتحليلات عديدة حول إنشاء إقليم إداري في الجنوب السوري، يضم المحافظات الثلاث، السويداء، درعا، والقنيطرة، مرجعين ذلك إلى فكرة تم طرحها قبل عدة سنوات، وتحديدًا في منتصف العام 2017، حين عُرض على فصائل المعارضة التي كانت تسيطر على معظم درعا والقنيطرة أن يكون الجنوب شبه مستقل وتكون إدارته محلية لكن مع تبعيته إداريًا لدمشق، أي أن يُرفع علم النظام على المؤسسات الحكومية، وأن يكون لهذه المنطقة 30 بالمائة من إيرادات معبر نصيب الحدودي.
إلا أن الفكرة قوبلت برفض من المعارضة آنذاك تحت ذريعة أنها لن تتراجع إلا بإسقاط الأسد، لتتجه بعد عام واحد من هذا العرض لإجراء تسوية مع النظام برعاية روسية، وخروج عدد من القيادات إلى دول مختلفة، وانضمام البعض لتشكيلات عسكرية وميليشيات منها مرتبط بروسيا ومنها مرتبط بإيران تحت واجهة الأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة.
لكن سيطرة النظام على الجنوب وخاصة درعا لم تكن كما شاء النظام وحلفاؤه، فالإيرانيون أرادوا تحويل الجنوب منذ التسوية إلى ضاحية جنوبية جديدة، وقد خرقوا كل الضمانات الروسية بابتعاد الميليشيات الإيرانية لمسافة لا تقل عن 55 كم عن الحدود الأردنية وحدود الجولان “إسرائيل”، إلا أن الإيرانيين توسعوا في الجنوب بشكل غير مسبوق، من خلال تواجد مجموعات من حزب الله اللبناني، والحرس الثوري، وميليشيات عراقية وأفغانية، ما أدى لإغراق الجنوب والأردن ودول الخليج والسعودية بالمخدرات بمختلف أنواعها.
اقرأ أيضًا.. كيف تعمل إيران على تحويل الجنوب السوري لضاحية جنوبية ثانية؟
تهريب المخدرات، التشيّع، انتشار الميليشيات على الحدود شكل الهاجس الأكبر للأردن والسعودية ودول الخليج، في الوقت الذي لم يسقط فيه نظام الأسد على مدى 12 عامًا من الحرب بين النظام والمعارضة، ما دفع الدول العربية لتبني المبادرة الأردنية لحل سياسي في سوريا تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بحيث يقدّم النظام تنازلاً للعرب مقابل تقديم مساعدات منهم، والاستمرار في التقارب حتى إيجاد الحل، وفي سبيل ذلك أُعيدت سوريا إلى الجامعة العربية، ودُعي الأسد إلى القمة العربية، وكان شرط العودة إيقاف تهريب المخدرات من الجنوب السوري.
وبعد أشهر على المبادرة العربية للحل بدأت الأوضاع تتجه للفشل الواضح، فتهريب المخدرات عاد كما كان وبوسائل جديدة، والميليشيات الإيرانية لم توقف توسعها، والنظام لا يرغب بعودة اللاجئين، كما أن النظام لم يكتف بعجنهيته بالتعامل مع الشعب ومع العرب، فقام برفع الأسعار ورفع الدعم عن مختلف المواد ما دفع الأمور للانفجار في السويداء ودرعا وسط احتقان حتى في مناطق حاضنته مما تمر به البلاد من ظروف.
كل ذلك يدفع للتساؤل، ما الأسباب التي تدعو لتشكيل إقليم في الجنوب، وهل هو الحل المناسب أم أن إزاحة الأسد باتت أمرًا لا بد منه؟ وهل مظاهرات السويداء بسحبها ورقة ما يسميه النظام “حماية الأقليات” من يده مقدمة لهذا الإقليم أم بداية نهاية النظام.
ما الذي يدفع لإنشاء إقليم في الجنوب؟
من الممكن القول أن فكرة الإقليم الإداري ومن بعده مصير نظام الأسد مرت بمرحلتين مؤخرًا، مرحلة التمهيد لإعادة النظام للجامعة العربية وعودته فعلاً مقابل الالتزام بتعهداته وعلى رأسها إيقاف تهريب المخدرات، وتحجيم النفوذ الإيراني في الجنوب، ومرحلة ما بعد القمة العربية وهي مرحلة التنفيذ.
لم يقدم نظام الأسد للعرب في مجال تهريب المخدرات سوى رأس مرعي الرمثان كأحد كبار المهربين للمخدرات، إلا أن الرمثان والذي كان يعمل لحساب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية، اللواء كفاح ملحم، لم يكن سوى ورقة احترقت قبل مقتله بغارة جوية بعد أشهر، فالرجل افتضح أمره كمهرب للمخدرات وأصبح وجوده عبئًا على النظام في الوقت الذي كان الأخير قد أسس شبكة أخرى قادة على تهريب المخدرات بأساليب أكثر جدوى من تقليدية أسلوب الرمثان.
من هنا لم يلتزم نظام الأسد بإيقاف المخدرات، فاستمرت شحنات المخدرات بالعبور إلى الأردن برًا وجوًا بواسطة طائرات الدرون والتي تمكن الجيش الأردني من إسقاط ثلاثة منها فقط خلال شهر آب/أغسطس المنصرم، إضافة لاستئناف التهريب بكميات كبيرة عبر الحدود البرية وبحماية من أجهزة الأمن السورية وعلى رأسها الأمن العسكري والمخابرات الجوية.
أيضًا فإن تصريح الأسد في لقائه الأخير مع قناة “سكاي نيوز”، الإماراتية، كان يحمل رسائل مختلفة للعرب، فبالنسبة للمخدرات اتهم الأسد العرب بأنهم من أوجدوها في سوريا وأن عليهم هم وحدهم محاربتها، كما أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن لنظامه الانفصال عن إيران وأن مصيرهما واحد، مؤكدًا أن الجامعة العربية ودولها لا يمكن أن تكون بديلاً عن طهران، أي أن الأسد وكأنه كان يقول للعرب الكلمة التي جعلت الولايات المتحدة في الثمانينات تُدمّر قصر القذافي في ليبيا وهي “طز” لكن هذه المرة بالعرب دون غيرهم.
فشل المبادرة العربية وتعنت الأسد وميوله الإيرانية غير القابلة للنقاش، دفعت بالعرب والغرب لإعادة التفكير من جديد، فالمخدرات لم تتوقف، واللاجئون السوريون أصبحوا عبئًا على الدول المستضيفة بسبب تقليص الدعم الدولي، وفي نفس الوقت لا يمكن إجبارهم على العودة إلى القتل والاعتقال مخالفين بذلك القوانين والأعراف الدولية.
لذلك بات إقليم إداري في الجنوب أو ربما منطقة عازلة مطلبًا ضروريًا ومهمًا لأسباب عديدة، أهمها إيقاف تهريب المخدرات، طرد الميليشيات الإيرانية حتى مسافة 55 كم عن الحدود الجنوبية، تهيئة الأوضاع أمنيًا بالتخلص من خلايا القتل التابعة للإيرانيين والنظام السوري وخلايا تنظيم داعش، وإيجاد وسائل للعيش تمهيدًا لعودة اللاجئين بشكل طوعي وآمن.
كل تلك الأسباب كانت تدفع لإنشاء هذا الإقليم أو المنطقة العازلة، حتى انتفضت السويداء بشكل غير مسبوق مطالبة بإسقاط الأسد.
النظام يسعى لفصل درعا عن السويداء
يحاول النظام السوري إيقاف الحِراك السلمي في درعا وإبقاء السويداء وحيدة، وذلك من خلال توسيع الهوة بين مراكز القوة في درعا ومنعهم من التوحد في صف واحد، وهذا ما يفسر حتى الآن ضعف التنسيق في درعا، وضعف التنسيق بين درعا والسويداء، سواء في التوقيت أو الشعارات وحتى الاتفاق على قيادة واحدة مشتركة في المرحلة القادمة ستكون قاصمة للنظام لو تمّت، وهو ما يخشاه النظام أكثر من أي شيء آخر.
معلومات خاصة حصل عليها “تجمع أحرار حوران” من قيادي سابق في المعارضة بدرعا، تفيد بأن فرع الأمن العسكري يعمل منذ أسبوعين على التواصل مع وجهاء وشخصيات متعاونة معه في العديد من المناطق في محافظة درعا بهدف إيقاف الحِراك والاحتجاجات الحاصلة.
وبحسب المصدر فإن “الأمن العسكري” طلب من الشخصيات التي اجتمع معها إقناع الأهالي في درعا بعدم جدوى التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وأنها لن تغيّر من الواقع أي شيء، وأن ذلك سيقودهم إلى الخراب في مناطقهم، بحسب المصدر.
“يحاول النظام إظهار الحِراك على أنه مناطقي بحت له لون محدد، وتقزيم المطالب من إسقاط النظام إلى مطالب معيشية مثل غلاء الأسعار وقلة الأجور والبطالة” وفق القيادي.
هل غيّرت مطالب السويداء ودرعا رؤية مستقبل سوريا؟
قرارات نظام الأسد الأخيرة الاقتصادية، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والسكين الذي قطع العلاقة النهائية بين محافظة السويداء وما يسمى “الدولة السورية”، لينتفض أبناء السويداء لكن دون رجعة، مطالبين بإسقاط الأسد ومحاسبته على جرائمه بحق السوريين، ومعلنين أنهم ضد أي مشاريع انفصالية وأن دخولهم في المظاهرات هو استكمال لمسار الثورة السورية التي خرجت من درعا في آذار/مارس 2011.
المظاهرات في السويداء أعادت الزخم من جديد لدرعا مهد الثورة السورية، وشجعت مناطق أخرى على الخروج، كما حصل في رأس العين في الحسكة، والشمال السوري وحتى السوريون في الجولان المحتل طالبوا بإسقاط الأسد.
مظاهرات السويداء عرّت نظام الأسد، وأسقطت عنه ورقة التوت الأخيرة، وسحبت من يده الورقة التي كان يبتز فيها المجتمع الدولي بأنه الوحيد القادر على حماية “الأقليات”، تلك الكلمة التي يرفضها أبناء السويداء ويعتبرون أنهم مكون أصيل من مكونات الشعب السوري، مؤكدين أن نظام الأسد الأب والابن من استغل مكونات السوريين لتحويلها إلى فكرة الأقليات والطوائف وبهذا استمر في الحكم.
كما أن مظاهرات السويداء هزّت الحاضنة الشعبية للنظام في الساحل السوري، ومن الواضح أنها دفعتهم للصحوة وإن كانت متأخرة، فالساحل السوري اليوم يغلي كرها للأسد ونظامه الذي سلبهم حقهم في العيش وأوقعهم في فقر لم يعهدوه من قبل، وجعل من أبنائهم كبشًا على مذبح بقائه على كرسي الحكم.
دلائل مهمة تؤكد أن نظرة أبناء الساحل ومؤيدي النظام بشكل عام قد تغيرت، حيث لم يقم جيش النظام وأجهزته الأمنية بالتصدي لمظاهرات درعا والسويداء، ولم يتجرأ أحد منهم على استهداف أي متظاهر، وهذا يعود لعدة أسباب، لعل أبرزها أن النظام قد يكون على علم مسبق بالترتيبات الإقليمية والدولية للإقليم الإداري أو المنطقة الآمنة وهو راضخ ضمنيًا لذلك وهذا أحد التفسيرات لعدم قيامه باستهداف المظاهرات.
إضافة إلى أن جيش النظام والأجهزة الأمنية وصلوا إلى المرحلة النهائية من الضعف والتفكك وباتت وظيفتهم تحصيل بعض الأموال على الحواجز، وأن رجال الأمن التابعين للنظام ربما أدركوا أن معركة الأسد وصلت إلى نهايتها ولا بد من حفظ خط العودة للعيش مع بقية السوريين.
مجمل هذه الأسباب والتطورات تشير بشكل واضح أن النظام السوري وصل إلى نهاية الطريق، فهو عاجز عن إجراء أي إصلاح، وعاجز عن الدفاع عن نفسه، على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فقد أثبت للعرب وغيرهم أنه نظام لا يمكن الوثوق به، ولا يريد الإيفاء بأي التزامات تعهد بها للعرب ومن ورائهم المجتمع الدولي.
في النهاية ينتظر جميع السوريين اليوم لحظة إعلان سقوط الأسد، سواء بإزاحته بانقلاب داخلي، أو قتله، أو هروبه، تلك اللحظة التي تبدو اليوم أقرب مما كانت عليه في أي وقت آخر.