إيران ودرعا.. استباق لخروج السفياني أم اقتصاد المخدرات وكسر بوابة العرب؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لطالما كان الدين والمذهب تلك الواجهة الكبيرة التي تختفي خلفها الأهداف، أو الشماعة التي تُعلق عليها الأسباب والنتائج، إذ أثبتت السنوات الماضية منذ أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 وحتى الآن أن القداسة الدينية تسمو فوق كل الدعوات الديمقراطية ومبدأ الحريات وما تنادي به الأمم المتحدة من مبادئ وقوانين.
لم تمض ساعات على هجمات أيلول حتى خرج الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، ليعلن عن حرب صليبية جديدة في المنطقة حتى قبل أن يتم تأكيد مسؤولية تنظيم “القاعدة” عن الهجمات، ليعود ويعتذر بأن ما قاله زلة لسان، لكن الأمر كان مختلفا في أفغانستان حينها، فلكل حملة ضد حركة طالبان اسم له رمزيته كان أبرز تلك الأسماء “الأفعى المتسلقة” وهو اسم لإحدى الحملات الصليبية في بلاد الشام قبل مئات الأعوام.
إيران لا تختلف في هذه النقطة عن الغرب، إذ تعتبر مذهبها الاثني عشري هو الأساس لكل شيء، وينبغي أن يتم رسم مستقبل الجمهورية وفق ما سيجري بحسب العديد من الأحاديث الملفقة التي تتحدث عن بعض الأمور، وجاء أن أعظم ما ستكون عليه الأمور هي الصراعات في بلاد الشام وتحديدًا سوريا.
الرؤية الإيرانية المذهبية خرجت إلى العلن بكامل أهدافها وتصوراتها، وكانت الفرصة الأهم لها اندلاع الثورة السورية من محافظة درعا، والتي وردت في كتب شيوخ ومفسري الشيعة بأنها منبت عدو المهدي المنتظر أو الإمام الثاني عشر الذي دخل السرداب ولم يخرج بعد.
درعا والسفياني!
ينسب الشيعة الإثني عشرية والذين يمثلهم النظام الإيراني الحالي الذي أسسه الخميني في القرن الماضي، تنبؤات مستقبلية للخليفة الراشدي الرابع، علي بن أبي طالب رضي الله عنه تنص إحداها على أن:” يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، وهو رجل ربعة ، وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر الجدري. إذا رأيته حسبته أعور. اسمه عثمان وأبوه عنبسة ( عيينة ) وهو من ولد أبي سفيان. حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها”، وهذا الحديث المنسوب لعلي ورد في كتاب “البحار : ٥۲/۲۰٥” من تصنيف أحد أئمة الشيعة ويدعى المجلسي، في العهد الصفوي.
هذا الشخص يطلق الشيعة وبعض السنة عليه لقب السفياني نسبة إلى أنه من نسل أبو سفيان، وتتفق الروايات على أن السفياني يبدأ حركته من خارج دمشق من منطقة حوران أو درعا على الحدود السورية الأردنية.
لذلك عندما اندلعت شرارة الثورة السورية من درعا البلد في آذار/مارس 2011، خرجت العديد من الأصوات في إيران والعراق تقول أن درعا فيها قرن الشيطان وفيها يخرج السفياني الذي سيكون عدوًا للمهدي المنتظر الذي ينتظره الشيعة أن يخرج من السرداب.
من هنا تعتبر إيران وأتباعها أن محافظة درعا هي مهد خروج عدوهم الأكبر إضافة لاعتقادهم أن الأردن سيكون في وجههم يوما ما وهذا ما جعل الأردن هدفًا لإيران من خلال السعي لتدمير نسيجه الاجتماعي بإغراقه بالمخدرات.
التعزيزات في درعا مستمرة
لم تتوقف إيران وميليشياتها منذ نهاية العام 2013 عن السعي لتعزيز مواقعهم في محافظة درعا كلما كانت الفرصة مناسبة، فكانت البداية في غرفة العمليات في منطقة مثلث الموت التي أنشأها قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، والتي أدار منها شخصيا عمليات عسكرية ضد أبناء المحافظة، ولا تزال هذه الغرفة قائمة حتى اليوم ومقرا لميليشيا فاطميون الأفغانية.
لكن تسوية عام 2018 بين النظام السوري والمعارضة كانت الفرصة الأهم لإيران، ما فتح باب المحافظة على مصراعيه لدخولها وتغلغلها عسكريا وأمنيا ومذهبيا، حيث تسيطر الميليشيات الإيرانية على العديد من القطعات العسكرية للنظام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أبرزها الفرقة التاسعة، اللواء 52 ميكا في الحراك، التلول العسكرية في المحافظة، وغيرها العديد.
مؤخرا أُرسلت تعزيزات من لواء الإمام الحسين المعروف بـ”حزب الله السوري” إلى قاعدة الدفاع الجوي في درعا البلد والتي تطل بشكل مباشر على جمرك درعا – الرمثا القديم، حيث لا تبعد القاعدة أكثر من 3 كم عن وسط مدينة الرمثا الأردنية، وقامت بتعزيز التحصينات ونصب العديد من الأسلحة أهمها صواريخ الغراد والكاتيوشا.
يوم أمس الثلاثاء، وصلت تعزيزات جديدة من الميليشيات الإيرانية إلى اللواء 82 دفاع جوي قرب مدينة الشيخ مسكين بريف درعا الشمالي، حيث أكد مصدر خاص لـ”تجمع أحرار حوران” أنه وصل إلى اللواء ما لا يقل عن 60 مقاتل يرتدون زي جيش النظام السوري لكن ملامحهم وتسليحهم يؤكد أنهم من ميليشيات إيران وليسوا سوريين.
لا يقتصر تغلغل إيران على القطع العسكرية فقط في درعا، فهناك سيطرة لا تقل أهمية على الأجهزة الأمنية بشكل عام، والمخابرات الجوية والأمن العسكري بشكل خاص، إذ تعمل هذه الأجهزة لتنفيذ الأجندات الإيرانية، أمنيًا من خلال تصفية معارضي المشروع الإيراني، واقتصاديًا من خلال رعاية تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات.
لماذا تعزز إيران وجودها في درعا
لا يمكن القول أن الرغبة الإيرانية في التواجد في درعا تستند إلى أساس ديني رغم أهميته، لكن هناك مصالح أخرى لا تقل أهمية، فقد استطاعت إيران من خلال ذراعيها ميليشيا حزب الله اللبناني، والفرقة الرابعة تحويل المحافظة إلى أحد أهم بؤر تصنيع وتهريب المخدرات في العالم، فوفق معلومات “تجمع أحرار حوران” هناك ما لا يقل عن 12 معمل رئيسي لتصنيع حبوب الكبتاغون ذات الجودة المتوسطة والسيئة، وهذه تستخدم للترويج داخليا وبعضها يُهرب إلى الأردن، كما أن جزءًا من السيء الكبتاغون يتم تبليغ السلطات الأردنية بطرق مختلفة حوله لتشتيت جهود هذه السلطات وقيام المهربين المرتبطين بحزب الله والفرقة الرابعة بتهريب أنواع بجودة عالية يتم تصنيعها في لبنان إلى الأردن والسعودية ودول الخليج.
أيضًا فهناك معامل صغيرة يدوية باتت منتشرة في العديد من مناطق المحافظة، تنتج كميات محدودة تستخدم معظمها للتجارة الداخلية.
من ناحية ثانية، فقد استطاعت إيران من خلال تواجدها في محافظة درعا كسر البوابة الأولى التي تحمي الدول العربية، حيث تتمركز العناصر التابعة لإيران على الحدود السورية الأردنية، وبات من الممكن القول أن إيران بدأت بإطباق الحصار على المنطقة الممتدة من درعا إلى اليمن والخليج العربي الذي تصر على تسميته بـ”الخليج الفارسي”، لتكون الدول العربية محاطة بسور من الميليشيات الإجرامية.
من الواضح أن إيران تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن المنطقة العربية مقبلة على تغييرات كبيرة وفق مخطط الشرق الأوسط الكبير، وقد استطاعت إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة بسيطرتها على 4 دول، هذه التغييرات بدأت شرارتها الكبرى مع الحرب التي تشتعل الآن في قطاع غزة بين حركة حماس المدعومة إيرانيًا وبين إسرائيل، ليبقى العرب وحدهم فاقدي البوصلة للمرحلة القادمة والتي ستمكنهم من البقاء.