ثروات ومشاريع في التنف.. هل تشهد الصحراء مدينة جديدة؟
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
قد يبدو الحديث عن إنشاء مدينة في صحراء الحماد السورية ضرباً من الخيال في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها سوريا والمنطقة، فحتى الآن لم تتضح أي صيغة للحل في سوريا، فالنظام لا يزال متعنتاً رافضاً التنازل عن الحكم أو حتى مشاركته مع المعارضة، وهناك تدخلات من دول عديدة في سوريا جعلت من هذا البلد مناطق نفوذ لتلك الدول.
إلا أن للأميركيين نظرتهم الخاصة لسوريا وأهمية موقعها، وخاصة الامتداد من شمال شرق سوريا وصولاً إلى كامل الجنوب السوري، لذلك بدأت الولايات المتحدة بوضع أولى أركانها في ما عُرف لاحقاً منطقة الـ 55، والتي تضم قاعدة التنف العسكرية التي أنشأتها تحت عنوان تدريب فصائل معارضة لمحاربة تنظيم “داعش”، ومخيم الركبان القريب، ومعبر الوليد – التنف الحدودي بين سوريا والعراق.
كيف تطورت المنطقة استراتيجياً؟
منطقة الـ 55 والتي لطالما أهملها النظام السوري عن قصد أو غير قصد، تتمتع بموقع استراتيجي مهم فهي الزاوية التي تربط بين سوريا والأردن والعراق، أيضا فيها معبر رئيسي بين العراق وسوريا هو معبر الوليد – التنف الحدودي.
كانت عسكرة الثورة السورية نهاية العام 2011، وما جرى من تدخلات بعد ذلك من قبل حزب الله اللبناني وإيران، ودخول التنظيمات الإسلامية المتطرفة على الخط كجبهة النصرة وتنظيم داعش الذي استطاع السيطرة في العام 2014 على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، بوابة لخلط الأوراق في المنطقة.
مع سيطرة تنظيم داعش على هذه المناطق كان من ضمنها بادية الحماد التابعة لمحافظة تدمر السورية ومنها منطقة الرطبة في العراق والتنف في سوريا، أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الحرب على الإرهاب “أي على تنظيم داعش”.
الولايات المتحدة كان من الواضح أن عينها على منطقة التنف وما حولها فعملت مع جيش مغاوير الثورة وهو فصيل معارض على طرد التنظيم من هذه المنطقة ومن منطقة الرطبة في العراق لتجعل من التنف أول قاعدة عسكرية لها في سوريا وأهم قاعدة، ثم لتتعدد قواعدها وتصل إلى 22 قاعدة.
مع بداية العام 2015 بدأ أهالي مناطق مختلفة كالرقة ودير الزور ومنطقة تدمر بالنزوح إلى منطقة الركبان المجاورة لقاعدة التنف هرباً من بطش داعش، وأقاموا مخيما في المنطقة الواقعة بين الحدود السورية والأردنية ليغدو أحد أكبر المخيمات التي ضمت نازحين ولاجئين سوريين.
في العام 2019 ومع القضاء على آخر جيوب تنظيم داعش في منطقة الباغوز بدير الزور وسيطرة الولايات المتحدة من خلال قوات “قسد” على معظم شمال شرق سوريا، وتواجدها في التنف ازدادت أهمية المنطقة التي ستكون خلال مرحلة قادمة نقطة الوصل من الحسكة شمالاً إلى القنيطرة جنوبًا.
ثروات يمكن أن تغير وجه المنطقة
صناعة النفط في سوريا، بدأت في العام 1957 وفي العام 1958 تم توقيع اتفاق تعاون اقتصادي وفني في مجال النفط بين سوريا والاتحاد السوفييتي آنذاك، وفي العام 1975 خلال عهد رئيس النظام السابق حافظ الأسد دخلت مجموعة من الشركات الأجنبية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة حوض البادية السورية وبادية الحماد، وخلال تلك الاكتشافات تم اكتشاف 6 آبار للغاز الطبيعي في محيط منطقة التنف، وتشير المعلومات إلى أنها تحوي احتياطيًا كبيرًا، إلا أن النظام السوري كان قد أغلقها تحت ذريعة أنها غازات سامة، وتم طي الأمر تمامًا.
بعد سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة، كانت هذه الآبار من ضمن مناطق السيطرة الأمريكية، وهو ما يجعل المنطقة الغنية بالثروات بين أيدي الأمريكان، وهو ما سيجعل من منطقة التنف ومحيطها من المناطق الغنية في سوريا.
مصدر خاص أكد خلال حديثه لـ”تجمع أحرار حوران”، وجود هذه الآبار فعلياً، مشيراً إلى أن أهمها يقع إلى الشمال الشرقي من قاعدة التنف.
المصدر أضاف أن هذه الآبار تخضع للسيطرة الأمريكية بشكل كامل، مؤكداً أنه لم يتم العمل على استثمارها، لكن في الوقت نفسه وبعد الفحوصات التي أُجريت عليها تبين أن رواية النظام السوري بأنها غازات سامة غير صحيحة، وأن الغاز الموجود فيها هو غاز طبيعي.
تسريبات أخرى اطلع عليها “تجمع أحرار حوران” أن بعض الدراسات التي تم إجراؤها في منطقة التنف ومحيطها ومنطقة الرطبة في العراق، تشير إلى وجود النفط وكميات من مادة السيليكون التي تعتبر حاليًا من أهم الثروات الطبيعية نظراً لاستخداماتها في الصناعات التقنية الحديثة.
هذه الثروات التي ستقوم الولايات المتحدة باستثمارها ستغير وجه هذه المنطقة الصحراوية، لتحولها إلى مدينة خاصة لها مكانتها الاستراتيجية إذ تعتبر صلة الوصل بين شمال شرق سوريا وبين الجنوب السوري الذي عاد لينتفض مؤخرا وهذه المرة من محافظة السويداء التي تتصل باديتها جغرافياً بمنطقة التنف في أقصى الشرق منها، إلى جانب درعا الرافضة أيضًا للنظام ولوجود الإيرانيين وميليشياتهم.
عوامل متعددة في هذه المنطقة تجعلها مؤهلة لتشكيل الحزام الذي يمكن أن يقطع الطرق الإيرانية عبر سوريا وبحماية أمريكية وبوجود فصائل معارضة تعمل مع الولايات المتحدة.
المصدر لفت أيضًا إلى زاوية مهمة وهي وجود خطط لمد أنابيب نفط من شمال شرق سوريا، عبر التنف والجنوب السوري إلى الموانئ الإسرائيلية، مؤكدا أن المصالح الإسرائيلية حاضرة وبقوة في الكعكة السورية التي يتم تقاسمها.
هل هناك مدينة مستقبلية؟
مصدر مطلع أكد خلال حديثه لـ”تجمع أحرار حوران” أن مشروع إقامة مدينة في منطقة التنف بات أمراً وارداً للغاية، فعلى الرغم من عدم وجود كوادر متخصصة في مخيم الركبان إلا أنه يمكن جلبهم من الخارج، وبالنسبة لأهالي المخيم فهم عنصر أساسي في المشروع، فهم اليد العاملة التي ستؤسس تلك المدينة.
أما حول موقع المدينة، نفى المصدر أن يكون المكان الحالي لمخيم الركبان هو المناسب فهو مستبعد لسبب رئيسي أنه يقع في المنطقة المحايدة بين الحدود السورية والأردنية، ورجح أن يقع الاختيار على المنطقة المحيطة بمعبر “الزويرية” بين سوريا والعراق والذي افتتحه جيش سوريا الحرة بدعم أميركي، بالتعاون مع جهات عشائرية عراقية وليس مع طرف حكومي عراقي.
المعبر يقع بالقرب من معبر الوليد – التنف، وكلا المعبرين يخضعان لسلطة الولايات المتحدة، ما يجعل وجود معبر دولي يعود بنتائج اقتصادية كبيرة أمراً مهماً، والمعبر بالفعل يعمل بين البلدين وسهل الكثير من عمليات التبادل التجاري ما خفف الضغط الناجم عن الحصار الذي يفرضه النظام والروس والإيرانيون على المخيم.
من جهة أخرى بدأت منظمات بالعمل مؤخرا في مخيم الركبان ومنطقة الـ 55، ففي شهر أيلول/سبتمبر الفائت، زار كل من معاذ مصطفى المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية، وهيثم البزم مدير منظمة جلوبال جستس، مخيم الركبان وقاعدة التنف، وهي منظمات سوريا مدعومة أمريكياً.
الزيارة نتج عنها كمرحلة أولى، تنفيذ 6 مشاريع لسكان المخيم وهي، مشروع ثروة حيوانية وتربية أبقار سيتم توزيع منتجاتها مجانا على سكان المخيم، مشروع بناء مدرستين، مشروع زراعي يضمن الاكتفاء الذاتي للسكان من القمح والشعير والخضار، ومشروع دعم الطاقم التعليمي بمرتب شهري 100 دولار أميركي، ومشروع عيادات طبية (أونلاين) تتألف من عشر اختصاصات منها الداخلية والقلبية والنسائية والأطفال، ومشروع دعم صيدلية المخيم وتوزيع الدواء مجاناً على سكان المخيم.
متغيرات جيوسياسية عديدة سوف تشهدها سوريا خلال المرحلة القادمة، فمع تعسر التوصل إلى حل باتت مناطق النفوذ والتقسيم غير المعلن الأقرب إلى الوجود، ويتحمل نظام الأسد بشكل كامل ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، سواء تقسيم أو غير ذلك، كما تتحمل المعارضة السورية بتخاذل معظمها سواء العسكرية والسياسية وعلى رأسها الائتلاف الوطني جزءاً من المسؤولية بسبب تبعية معظمها لأجندات خارجية بعيدة عن المشروع الوطني السوري الذي نادى به السوريون حين خرجوا بثورتهم.