تحت رعاية النظام.. الجنوب السوري بؤرة لميليشيا الاغتيالات والمخدرات
تجمع أحرار حوران – تحقيق استقصائي
تستمر عمليات الاغتيال في محافظة درعا، جنوبي سوريا، للعام الخامس على التوالي، بدأت هذه العمليات في إطار حرب تصفية بين أطراف متعددة منذ سيطرة نظام الأسد على المحافظة في تموز 2018.
وأسفرت تلك العمليات عن تسجيل مالا يقل عن 1983 عملية ومحاولة اغتيال، أدت لمقتل مالا يقل عن 1323 شخصًا في محافظة درعا، منذ عقد اتفاقية التسوية بين روسيا وفصائل المعارضة عام 2018 حتى نهاية شهر تشرين الأول الفائت 2023، وفقاً لمكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران.
من المجموع الكلي للقتلى، سجّل المكتب مالا يقل عن 509 قتيلاً من القادة والعناصر السابقين في فصائل المعارضة، من بينهم 230 قتيلاً لم ينخرطوا في صفوف النظام عقب التسوية، بحسب مكتب التوثيق.
اقرأ أيضًا.. تقرير حقوقي: حصاد الإرهاب في درعا 2022
المعارضة.. عدو مشترك للنظام والتنظيم
يوجّه ناشطون وسكان في محافظة درعا، اتهامات لضباط في أجهزة النظام السوري الأمنية بتجنيد خلايا تهدف إلى القضاء على قادة وعناصر المعارضة، ممن انخرطوا في صفوف قوات النظام أو الذين لم ينضموا لها.
وساعد النظام وإيران في كسر معارضيهم بدرعا، إعادة إيجاد التنظيمات وتقديم الدعم اللامحدود لها، الأمر الذي مكنها من تصفية عدد كبير من عناصر المعارضة خدمةً لمشروع التمدد الإيراني في المنطقة، وخلق الذرائع لاقتحام المدن والبلدات بحجة وجود أمراء التنظيم فيها.
في 13 تشرين الأول الفائت، أصيب علي حمدان القطيفان بجروح إثر استهدافه بالرصاص من قبل مجهولين بعد تفجيرهم عبوة ناسفة قرب منزله في حي البحار بدرعا البلد.
ويعمل القطيفان ضمن مجموعة محلية تفككت بعد اغتيال زعيمها فايز الراضي، يرتكز عملها في تجارة وتهريب المخدرات وتنفيذ عمليات اغتيال لصالح تنظيم داعش.
ونفذ عناصر المجموعة عملية اغتيال في حي البحار قتل على إثرها عنصران سابقان في فصائل المعارضة أنس الكور وباسل المسالمة والطفل عدي محمد الكور، إثر استهدافهم بعبوة ناسفة، في الـ 6 من تشرين الأول الفائت.
محمد الوليد، اسم مستعار لقيادي سابق في فصائل المعارضة، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لتجمع أحرار حوران إن جهاز الأمن العسكري في درعا يعمل على ضرب أبناء المحافظة ببعضهم البعض من خلال دعم طرفين في كل منطقة، طرف محسوب عليه، وآخر مرتبط بتنظيم داعش يتلقى دعماً من ذات الفرع عن طريق وسطاء تربطهم صلة قرابة مع شخصيات في التنظيم.
“من خلال تتبع سياق الكثير من عمليات الاغتيال في درعا، فقد عملت أجهزة النظام الأمنية على مبدأ فرّق تسد في المدينة الواحدة، لينشأ قطبين سيعمل كل منهما على التخلص من الآخر، وبهذا تمكن النظام من إشعال فتيل الفتنة العشائرية في بعض المناطق”، بحسب المصدر.
في تمام الساعة 10:06 من مساء 28 تشرين الأول 2022 فجّر انتحاري يدعى “أبو حمزة سبينة” نفسه في منزل القيادي السابق في الجيش الحر “غسان أكرم أبازيد” في حي الأربعين بدرعا البلد، أدى لمقتل كل من المدنيين: مالك سامي أبازيد، مالك علي لبش أبازيد، ياسين فالوجي، أحمد فندي أبازيد، وإصابة القيادي غسان و 4 أشخاص آخرين بجروح متفاوتة.
وأصدرت عشائر درعا وأعيانها حينها بياناً اتهموا خلاله القيادي المعروف في تنظيم داعش “يوسف النابلسي” بوقوفه خلف عملية التفجير وتزعمه مجموعة محلية تسعى لإثارة الفتن في مدينة درعا وزرع الشقاق والنزاع بين عشائرها وتنفذ أجندات مشبوهة لصالح إيران وميليشيا حزب الله اللبناني.
كانت العملية الانتحارية تستهدف القيادي السابق في الجيش الحر “خالد عبد الرحيم أبازيد” (أبو عمر) الذي خرج من المنزل قبيل الاستهداف بدقائق، وسبق أن تلقى الأبازيد تهديدات بالقتل مصدرها محمد عبدالرحمن المسالمة (هفّو) الذي يرتبط مع مجموعته بتنظيم الدولة “داعش”.
* فيديو للقيادي خالد أبازيد إبان اجتياح النظام لدرعا عام 2018
تلك العملية الانتحارية أدت لانفجار المنطقة بوجه التنظيم، إذ أطلقت المجموعات المحلية بمشاركة من قبل اللواء الثامن عملية عسكرية استهدفت مواقع التنظيم في حي طريق السد، أدت لمقتل 12 عنصراً بينهم إعلامي من المجموعات المحلية، كان من بينهم قائد العمليات العسكرية ضد التنظيم، خالد أبازيد، في حين أسفرت العملية عن مقتل أكثر من 23 عنصراً من المجموعات المرتبطة بتنظيم داعش.
في حزيران 2023 سرّب اللواء الثامن صورًا لمحادثة على تطبيق واتساب من جوال أمير في تنظيم داعش، أبو حمزة الشرعي، كان اللواء قد ألقى القبض عليه في بلدة أم المياذن في كانون الأول 2022، تظهر المحادثة عملية التخطيط بينه وبين عنصر التنظيم، راني بجبوج الرويلي، لعملية إدخال الانتحاري إلى منزل غسان أبازيد.
ناجٍ من حادثة التفجير أوضح لفريق التحقيق أن الرويلي دخل إلى مضافة غسان أبازيد متذرّعاً بمشكلة حصلت في درعا البلد، كان يهدف من ذلك التحقق من وجود القيادي خالد داخل المنزل.
بعد خروج الرويلي من المنزل، غادر بعده خالد لأمر طارئ بحسب شهادة الناجي، ليدخل بعدها بدقائق الانتحاري ويفجّر نفسه بالأشخاص المتواجدين داخل مضافة الأبازيد.
أبو حمزة الشرعي، من منطقة الغوطة الشرقية، له لقبين أحدهما “الختيار” والآخر “الشايب”، وهو مسؤول المنطقة الشرقية بدرعا لصالح التنظيم، انتقل للسكن في حي طريق السد ما بين شهري آذار/تشرين الثاني من عام 2022، بحماية مباشرة من قبل عناصر مجموعة محمد المسالمة ومؤيد حرفوش، وبعد اندلاع الاشتباكات في الحي بنحو أسبوع انتقل إلى بلدة أم المياذن.
حاول فريق التحقيق التواصل مع قيادي في اللواء الثامن لمعرفة مصير “الشرعي” والوقوف على مزيد من المعلومات الخاصة به، إلا أن الفريق لم يتلقَ أي رد حتى الآن.
دوافع معركة طريق السد
قد تكون العملية الانتحارية في درعا البلد سببًا لإطلاق المجموعات المحلية في المنطقة عملية عسكرية ضد مواقع التنظيم في حي طريق السد، إلّا أن الانتهاكات الجسيمة والمتراكمة لخلايا التنظيم من عمليات الاغتيال والخطف والسلب سرّعت من عملية القضاء عليهم.
في 10 كانون الأول 2021 عثر الأهالي في منطقة الشيّاح بدرعا البلد على جثتين لشابين شقيقين، هما حسين عبدالحافظ غنيم، علي عبدالحافظ غنيم، بعد يوم من تعرضهما لعملية خطف.
يعمل الشابان في تجارة المحروقات، ولا ينتميان لأي جهة عسكرية، تعرضا للاختطاف من قبل مسلّحين يتبعون لمجموعة “محمد المسالمة” (هفّو) بعد خروجهما من محطة وقود في حي طريق السد باتجاه مسقط رأسهما الغارية الشرقية.
توصّل فريق التحقيق لشهادتين من حي طريق السد، كشفت عن الأشخاص الذين نفّذوا عملية الاختطاف والقتل بحق الشقيقين من عشيرة الغنيم، وهم: حيان الكراد (محتجز لدى السلطات في دولة الإمارات)، أبو موسى الكور (يقيم في دولة الإمارات حاليًا)، موفق المسالمة (يقيم في دولة ليبيا حاليًا)، حمزة المسالمة (يقيم في دولة مصر حاليًا).
وأوضحت الشهادات أن عملية الخطف تمّت بهدف سرقة مبلغ مالي قدره 500 مليون ليرة سورية من الشقيقين، مع جوالات شخصية قام عناصر مجموعة هفّو ببيعها فيما بعد.
القيادي محمد الوليد أفاد “بعد انتهاء المعارك في حي طريق السد في تشرين الثاني 2022 خرج كل من محمد المسالمة (هفّو)، وفراس النصار، ومؤيد حرفوش (أبو طعجة) مع عشرات القيادات والعناصر التابعة لتنظيم داعش من الحيّين بمساعدة أشخاص يعملون لصالح فرع الأمن العسكري في المنطقة، وبتوجيهات مباشرة من رئيس الفرع، لؤي العلي”.
وأشار الوليد “توجّه العناصر فور خروجهم إلى المزارع المحيطة ببلدة نصيب تحت حماية فايز الراضي سابقًا ثم بحماية شقيقه أنس الراضي الذي تزعم المجموعة بعده، وأحد أقاربه رعد الراضي قبل مغادرته إلى دولة الإمارات، مكان إقامته الحالي”.
ورعد الراضي، هو أحد المطلوبين للسلطات الأردنية نتيجةً لعمله في تهريب المخدرات باتجاه الأراضي الأردنية، بحسب قيادي سابق بفصائل المعارضة.
وتتخذ مجموعة “هفّو” من منطقة الميسري غربي نصيب نقطة تمركز رئيسية لها منذ انتهاء أحداث حي طريق السد، حيث بات كل من هفّو وأبو طعجة يتنقلان بين ثلاث مناطق رئيسية: درعا البلد، نصيب، واليادودة.
في حين خرج العديد من عناصر المجموعة إلى دولتي الإمارات ومصر، هربًا بعد تنفيذهم عمليات اغتيال وخطف في المنطقة.
شاهد.. تورط هفّو بتفجير معسكر جيش الإسلام بدرعا
داعش بيدق بيد “الأمن العسكري”
مصدر معارض كشف لتجمع أحرار حوران أن متزعم ميليشيا في الأمن العسكري، عماد أبو زريق، يعمل على تأمين الحماية لمجموعات التهريب والاغتيال في منطقة نصيب الحدودية، منها مجموعة “محمد المسالمة” (هفّو) ومجموعة القيادي فايز الراضي سابقًا.
أبو زريق، قيادي سابق في فصائل المعارضة، ورد اسمه ضمن لوائح العقوبات الأمريكية في آذار الماضي، بسبب عمله في تجارة وتهريب المخدرات، وتزعمه ميليشيا تتبع لشعبة المخابرات العسكرية.
فريق التحقيق في تجمع أحرار حوران، توصّل إلى أن الأمن العسكري يموّل عناصر مجموعات التهريب والاغتيال من عوائد تهريب المخدرات بما يضمن تحقيق المنفعة المشتركة عبر تنفيذ عمليات اغتيال يراد منها خلق فتنة عشائرية في بلدات المحافظة.
في منطقة نصيب، يعتبر العقل المدبر لميليشيات التهريب والاغتيال المرتبطة بتنظيم داعش، كل من عماد أبو زريق، وغسان أبو زريق اللذان شكّلا واجهة لهم في جمرك نصيب والمنطقة الحرّة من خلال محمد عدنان الشريف الملقب بالدردري، والذي يملك مكاتب تخليص جمركي في المعبر.
وفي مدينة درعا يُعرف وسيم اعمر المسالمة بعلاقته الوطيدة مع أجهزة النظام الأمنية لاسيما الأمن العسكري، إضافة لارتباطه مع ميليشيا حزب الله، وقيادته للواء 313 المدعوم من الحرس الثوري الإيراني في مدينة إزرع عام 2017، ثم ترأسه لجمعية العرين الممولة من قبل إيران، مقرها بالقرب من دوار البانوراما بدرعا المحطة.
واستنادًا للمتابعة التي أجراها فريق التحقيق فقد تمكن وسيم المسالمة بعد عام 2018 من تجنيد مجموعات مرتبطة بتنظيم داعش من خلال ثغرة “صلة القرابة” عبر تقديم دعم مالي ولوجستي بواسطة أفراد من أقاربه يعملون في تلك المجموعات، أبرزهم: محمد المسالمة “هفّو”.
في 30 كانون الثاني 2023 قُتل وسيم أبو حوبي، الذراع اليمنى لوسيم المسالمة إثر استهدافه بالرصاص من قبل مجهولين في درعا المحطة.
مصادر خاصّة لتجمع أحرار حوران أكدت أيضًا وجود ارتباط قديم بين هفّو وأبو حوبي، عمل الأخير على تزويد هفّو بالمخدرات والسلاح والعبوات الناسفة بهدف تنفيذ عمليات اغتيال بحق معارضين للنظام في درعا البلد.
اللجاة.. بوابة التنظيم الدائمة
تعتبر منطقة اللجاة شمال شرق درعا، بوابة مهمّة لدى تنظيم داعش ومعبرًا رئيسيًا يتمكن خلاله قيادات التنظيم التنقل من وإلى البادية السورية عن طريق بادية حوش حمّاد الوعرة، بحسب ناشطين محليين.
إبراهيم الخلف، ناشط إعلامي، قال لتجمع أحرار حوران إن أسماء عديدة في منطقة اللجاة تعرف بصلتها بالنظام السوري وميليشيا حزب الله، وعملها في تأمين تنقل قادة وعناصر التنظيم عبر بوابة اللجاة الوعرة.
وكشف الخلف عن أبرز تلك الشخصيات: جديع السبتي، من بلدة حوش حماد، يرتبط باللواء كفاح ملحم رئيس شعبة المخابرات العسكرية، ويعتبر الوسيط بين قيادات تنظيم داعش والمخابرات العسكرية، وهو عم أمير التنظيم السابق “عماد السبتي” الذي قتل عام 2018.
ويُعرف كل من “عمر السبتي” شقيق عماد، و “علي الذفيل” بعملهما لدى التنظيم بصفة “أمير أمني” في منطقة اللجاة.
مصادر متقاطعة في اللجاة قالت لتجمع أحرار حوران إن القيادي في اللواء الثامن رفاعي سعد الدين (أبو نورس) قام خلال الشهرين الماضيين بتهريب عدد من عناصر تنظيم داعش وتسلّم مبلغ 3 مليون ليرة سورية على الشخص الواحد.
وأكدت المصادر عمل سعد الدين في تجارة وتهريب المخدرات وخطف مدنيين مقابل الحصول على الفدية المالية، وارتباطه بفرع أمن الدولة التابع للنظام أيضًا.
وفي اللجاة يعمل كل من رضوان الشرعة، وفهمي عوض خليفة، على تهريب عناصر التنظيم، ويعرفان بارتباطهما المباشر بكل من “جديع السبتي”، و “محمد سلطان الكراحشة” المرتبط بالمخابرات الجوية.
“أمراء” لتحقيق مصالح النظام
يلف الغموض في كثير من الأحيان حول هيكلية تنظيم داعش الإدارية، والحوكمة الاقتصادية، ومصادر التمويل الخارجية، والجهات العاملة على تسهيل عمل قادة التنظيم في جنوب سوريا.
لكنّ ما جرى خلال عامي 2022/2023 في محافظة درعا، أثبت تفكك هيكلية داعش وتحولها إلى حوكمة المجموعات الخارجة على القانون، بعد تمكن المعارضة في درعا من القضاء على أبرز قادتها، من بينهم زعيم التنظيم في الجنوب السوري “أبو سالم العراقي” الذي قتل بكمين بعد محاصرته من قبل عناصر سابقين في الجيش الحر داخل أحد منازل بلدة عدوان غربي درعا في 9 آب 2022.
بالإضافة إلى مقتل زعيم التنظيم في سوريا ” عبد الرحمن العراقي” الملقب بـ (أبو الحسن القرشي الهاشمي) بعد حملة شنها مقاتلون سابقون في فصائل المعارضة على أوكار التنظيم في مدينة جاسم، منتصف تشرين الأول 2022.
وفي بيان للقيادة المركزية الأمريكية قالت فيه إن عملية قتل زعيم داعش نفذها الجيش السوري الحر في درعا، وذلك في إشارة للعراقي.
تمكن قائد التنظيم، عبد الرحمن العراقي، من الدخول إلى مدينة جاسم عبر الزواج من بنات إحدى عائلاتها من دون أن يُظهر أي انتماء لأي فكر متطرف، وقام بشراء أرض مساحتها 11 دونماً، وحولها إلى مزرعة وبنى فيها منزلاً من طابقين بتكلفة تجاوزت 150 مليون ليرة سورية، بالإضافة إلى شرائه سيارة بيك آب للنقل، وجراراً زراعياً وصهاريج مياه، كان يعمل ظاهرياً في بيع المياه للأهالي في المدينة، ويدير عمليات التنظيم ضمنياً، كما أنشأ فيها محكمة شرعية استخدمها كذلك لإخفاء السيارات المسروقة التي تُعد من أبرز موارد التنظيم المالية.
وبحث فريق التحقيق في أبرز القيادات التي تشكل هيكلية التنظيم الحالية في الجنوب السوري، وذلك حسب أهميتهم لدى التنظيم، وارتباطاتهم المحلية، من أبرزهم:
1: فراس الداغر (أبو حمزة إنخل) من الأمراء الأمنيين لدى تنظيم داعش، يعد المسؤول المباشر عن منطقة الجيدور، وتقديم الدعم اللوجستي لخلايا التنظيم فيها، بعد أن شغل منصب قيادي عسكري لدى “جيش خالد” في حوض اليرموك سابقًا.
حظي الداغر بأهمية كبيرة بعد شغله منصب نائب زعيم التنظيم، عبد الرحمن العراقي، مكّنته من الربط بين الخلايا الأمنية التابعة للتنظيم في منطقة الجيدور، ومن أبرز مرافقيه “هيسم طعمة النايف” المنحدر من إنخل.
بعد انتهاء معارك جاسم التي قضت على عشرات عناصر وقادة التنظيم، تمكّن “الداغر” من الهروب خارج المدينة مع قياديين آخرين، أحدهم أسامة العزيزي، متوجهين إلى مدينة الصنمين للاحتماء بالقيادي “محسن أحمد الهيمد” وفقاً لمصادر خاصة.
وحصل فريق التحقيق على شهادات من الصنمين تتهم مجموعة “الهيمد” بتنفيذ سلسلة عمليات اغتيال طالت عشرات الأشخاص في المدينة، وبحسب الشهادات فإن الهيمد مرتبط مع فرع المداهمة 215 التابعة لشعبة المخابرات العسكرية في العاصمة دمشق لاسيّما علاقته الوثيقة برئيس الشعبة، اللواء كفاح ملحم.
“أوكلت شعبة المخابرات العسكرية الهيمد بإنشاء خلايا في منطقتي الصنمين والجيدور، بصلاحيات واسعة من الشعبة، إضافة للمهمة الأساسية بتأمين الحماية المؤقتة لأمراء من التنظيم حسب الحاجة لذلك” بحسب ذات المصادر.
مصدر آخر في مدينة جاسم قال لفريق التحقيق إن “الداغر” قُتل بعد أحداث جاسم، إلا أن الفريق لم يتمكن من التحقق من صحة نبأ مقتله، إذ جرت عادة الأمراء في التنظيم إشاعة مقتلهم بهدف تنقلهم من أماكن إقامتهم إلى مسقط رأسهم.
2: أحمد محمد أبو زيد، ويُعرف بلقب “أبو زيد الريح”، ينحدر من منطقة سبينة جنوبي دمشق، واحد من أبرز أمنيي التنظيم، خرج من مدينة جاسم أثناء حملة الفصائل فيها متنقلاً تحت اسم “همام” بين منطقتي الصنمين والبادية السورية.
3: أسامة شحادة العزيزي (أبو ليث العزيزي) يشغل منصب “والي حوران” لدى التنظيم، بعد أن شغل عضو مجلس شورى التنظيم في الجنوب السوري، وله ألقاب عديدة أشهرها “الشايب”.
والعزيزي من مواليد بلدة الشجرة 1982، سبق له التنقل عبر حواجز النظام خلال عامي 2021/2022 من خلال هوية زوّرها باسم “عدنان محمد السعيد” وأحياناً بوثيقة “إيصال طلب الحصول على بطاقة شخصية حديثة” تحت اسم “جمال عبد الرحمن العلي” شقيق زوجته الذي قتل بقصف روسي على حوض اليرموك في وقت سابق من عام 2018.
وسبق أن ذُكر “العزيزي” في اعترافات لمحمود أحمد الحلاق (أبو عمر الجبابي) أحد قياديي التنظيم بعد القبض عليه، ذكر حينها أن العزيزي هو من أعطى التعليمات لعناصر التنظيم باغتيال الشيخ “محمد جمال الجلم” المعروف بـ (أبو البراء الجلم) في جاسم، والجلم هو أحد أعضاء اللجنة المركزية بدرعا.
وطبقاً لمصادر التحقيق فإن العزيزي يتنقل منذ انتهاء أحداث جاسم بين ثلاث مناطق رئيسية، الجيدور، اللجاة، والبادية السورية، بحماية شخصيات مرتبطة بشكل مباشر بضباط من المخابرات السورية.
ويعد العزيزي وعبدالرحمن العراقي، من المخططين لحادثتي قتل صائغي ذهب في درعا، أحدهما “ياسين تركي النحاس” في مدينة داعل، والآخر “محمد سعد الدين الدراوشة” وابنه في بلدة الغارية الشرقية، حيث جرى سرقة صاغة الذهب بعد تنفيذ عمليات اغتيال بحقهم من قبل عناصر يعملون في التنظيم، بعضهم قُتل فيما بعد وعُرف منهم: سيف الديري من مدينة الشيخ مسكين، نور نبيل الرفاعي من الشيخ مسكين، أحمد أبو حصيني من بلدة تسيل.
وتعتبر عمليات الخطف والسلب وتهريب المخدرات وفرض الإتاوات، أدوات رئيسية يعتمد عليها قادة التنظيم في تمويل أنفسهم وعناصرهم، بالإضافة لتحويلات مالية بطرق غير قانونية، والتي تعرف بالحوالات السوداء.
4: يوسف النابلسي، من مواليد بلدة تل شهاب غربي درعا، شغل في السابق منصب مسؤول مكتب الارتباط الخارجي لدى التنظيم، وعمل على إدخال عناصر وأموال إلى منطقة حوض اليرموك قبيل عام 2018 وكان يكنى حينها بـ “أبو البراء”.
وبعد سيطرة النظام على درعا أصبح يلقب بـ “أبو خالد” وبات يرتكز عمله على التنسيق بين خلايا الاغتيال التابعة للتنظيم ضمني منطقة مدينة درعا وبلدة نصيب، بشكل محدد.
ويتنقل النابلسي بين منطقة النخلة ونصيب والريف الغربي لدرعا، وحصل فريق التحقيق على معلومات مؤخرًا تفيد بتواجده ضمن المربع الأمني التابع للنظام السوري في حي شمال الخط بدرعا المحطة.
في متابعة لأبرز ارتباطات النابلسي، فقد توصّل فريق التحقيق إلى محاولته التقرّب من القيادي “محمد قاسم الصبيحي” المعروف بـ (أبو طارق الصبيحي) خاصة بعد حادثة مقتل ابنه وأحد أقاربه قرب حاجز للمخابرات الجوية في ريف درعا الأوسط في 4 أيّار 2020.
الصبيحي أقدم حينها على قتل 9 من عناصر مخفر بلدة المزيريب، ووجّه اتهاماً للجنة المركزية غربي درعا بالوقوف خلف مقتل ابنه وقريبه، لتنشأ “حرب ثأر” مع قيادات اللجنة، تلك الحرب التي مكّنت النابلسي من تجنيد الصبيحي للعمل المشترك فيما بعد ضد قيادات المركزية.
شارك أفراد من مجموعة الصبيحي في معارك التنظيم في حيي طريق السد ومخيم درعا عام 2022، وأشاع نظام الأسد عبر وكالة سانا الرسمية نبأ مقتل الصبيحي، لكن مصدر خاص أكد حينها لتجمع أحرار حوران بأن الصبيحي خرج مصاباً مع كادر مسعف من حي طريق السد خلال الأيام الخمسة الأولى من المواجهات المسلّحة، توجّه إلى بلدة نصيب ثم إلى مدينة الصنمين، ومؤخرًا إلى بلدة اليادودة.
في 19 حزيران 2023 شارك ثلاثة أشخاص; رعد الراضي (يقيم في الإمارات حاليًا)، أحمد خضر من بلدة صيدا، موفق المسالمة (يقيم في الإمارات حاليًا)، بتنفيذ عملية اغتيال استهدفت عنصر في اللواء الثامن “قصي محمد حامد الزعبي” وشقيقه “أنس” أسفرت عن مقتلهما بالإضافة لمقتل زوجة قصي متأثرة بجراحها إثر استهداف سيارة كانت تقلهم بالرصاص في بلدة النعيمة.
ارتباط التنظيم بالمخابرات الجوية
في 27 حزيران 2021 تمكن 15 معتقلاً من أبناء محافظة درعا من الهروب من مهجع ضمن قسم المخابرات الجوية، كان من بينهم “أحمد سلطان الكراحشة” المنحدر من منطقة اللجاة.
مصادر تجمع أحرار حوران توقعت آنذاك أن تكون رواية الهروب من كتابة وإخراج ضباط النظام السوري، وهم من أرشدوا المجموعة للهرب من السجن، من دون أن يقتل أي من المسؤولين أو العناصر خلال العملية، وإضافة بعض الأحداث للإقناع بالرواية.
ورجّحت المصادر حينها أن يكون الهدف من عملية الهروب تجنيد مجموعة تعمل لصالح النظام السوري في مناطق متفرقة من المحافظة، وتزويد المخابرات الجوية في المعلومات اللازمة عن المنطقة والمجموعات العاملة ضد النظام فيها.
وبعد تتبع أماكن تنقل “الكراحشة” أكدت مصادر لفريق التحقيق إقامته في بلدة نصيب مع مجموعة “فايز الراضي” سابقًا، ويشترك بتنفيذ عمليات اغتيال لصالح التنظيم.
والكراحشة هو شقيق “محمد سلطان الكراحشة” الذي يحمل بطاقة أمنية من المخابرات الجوية ويعمل أيضاً في ملفي الاغتيالات والمخدرات لصالح الجوية، ويقيم حالياً في بلدة أم ولد تحت حماية متزعم ميليشيا في المخابرات الجوية “محمد علي الرفاعي” الملقب بـ (أبو علي اللحام).
وتحظى مجموعة “اللحام” بدعم مالي ولوجستي من قبل المخابرات الجوية مقابل تنفيذ مهام أمنية، أبرزها تنفيذ عمليات اعتقال وخطف واغتيال بحق معارضين للنظام، وفقاً لمصادر مطّلعة للفريق.
إعلام رديف للتنظيم
وتتسلح الميليشيات المرتبطة بتنظيم داعش والعاملة في تجارة المخدرات بتغطية إعلامية من خلال مجموعات إخبارية تنشط غالبًا في تطبيق “تليجرام” وتتخذ خطاً ثورياً تستخدمه في تزييف الحقائق والتضليل لصالح هذه المجموعات من خلال بث الشائعات التي تستهدف إحداث فتنة وشرخ عشائري في المنطقة.
ومن أبرز هذه المجموعات “قناة درعا بلحظة” التي أذاعت بياناً ادّعت بأنه صادر عن عشيرة القطيفان في مدينة درعا، وحرّفت بعض الحقائق حول “علي حمدان قطيفان” الذي تعرض لمحاولة اغتيال في حي البحار بدرعا البلد، ونفت انتسابه لأي مجموعة محلية.
تابع تجمع أحرار حوران البيان وتواصل مع مصادر من آل القطيفان نفوا علاقة العشيرة بالبيان المنسوب لها وأكدوا أن البيان يراد منه إحداث فتنة عشائرية في مدينة درعا تصب في مصلحة نظام الأسد وإيران.
بعد أقل من عام على سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، أطلق النظام السوري سراح العشرات من عناصر وقيادات التنظيم الذين اعتقلهم خلال اقتحام منطقة حوض اليرموك في آب/أغسطس 2018.
اقرأ أيضاً.. بالأسماء.. مهام أمراء داعش في درعا من الفتك بجسد الثورة إلى سجون الأسد ثم لصفوف قوّاته
وسبق أن كشف تجمع أحرار حوران ارتباط ضباط من النظام بقادة في التنظيم، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن طريق وكلاء محليين، إذ أن العلاقة بين النظام والتنظيم ليست جديدة، إنما تعود إلى بداية تشكيل التنظيم في درعا.
خلافات “داخلية” في التنظيم
في 2 آب 2023 تمكنت مجموعة محلية في مدينة جاسم من إلقاء القبض على عنصرين من تنظيم داعش، هما يحيى محمد السعيد، الملقب بـ “أبو معاذ زقدح” (26 عامًا)، وجمال محمد السعيد، الملقب بـ “أبو الليث” (20 عامًا)، ينحدران من قرية أم باطنة في ريف القنيطرة.
سبق للعنصرين أن عملا ضمن “هيئة تحرير الشام” قبيل تهجيرهم من قرية أم باطنة إلى الشمال السوري عام 2021، ثم عادا إلى الجنوب السوري عن طريق التهريب، وجرى تجنيدهما ضمن صفوف تنظيم داعش سرّاً، بحسب قيادي أشرف على التحقيق معهما في مدينة جاسم.
وأفاد القيادي بأن العنصرين اعترفا بتنفيذ عدة عمليات اغتيال في مدينة جاسم، منها محاولة طالت القيادي المحلي “توفيق فايز الجلم” المعروف بـ “توفيق الحجي” نجا منها، وأخرى طالت قيادي يدعى “وائل خليل الجلم” المعروف بالغبيني لينجو منها أيضاً ويقتل أحد أقاربه.
محاولة اغتيال الغبيني من قبل عناصر تنظيم داعش في شباط 2023، جاءت بعد نحو أربعة أشهر من خلاف حصل بينه وبين أمراء التنظيم إبان أحداث مدينة جاسم في تشرين الأول 2022.
بعد وقوع الخلاف، وسائل إعلام رديفة لتنظيم داعش سرّبت تسجيلاً صوتياً للغبيني وهو يبلغ أحد عناصر التنظيم عن الأشخاص المتواجدين في منزل القيادي “كنان العيد” ويحدد الأسلحة التي يحملونها، ويلمح إلى أنه الوقت المناسب للدخول إلى منزل العيد وتنفيذ عملية الاغتيال التي حصلت في تموز 2022 أدت لمقتله وذلك بعد يومين من عودته من دولة الإمارات وحضوره اجتماعًا ضم عدد من قادة الفصائل السابقين في المعارضة هناك.
علاقة النظام بالتنظيم قبل التسويات
بعد سيطرة النظام على المحافظة عام 2018، سُرّبت تسجيلات مصوّرة من “هارد ديسك” كان بحوزة قيادي في تنظيم داعش يدعى “سيف الديري”، يظهر في التسجيلات أربعة قياديين من “جيش خالد بن الوليد” المبايع للتنظيم في حوض اليرموك آنذاك، أثناء التحقيق معهم من قبل التنظيم نفسه، والذي قام بإعدامهم مع ثلاثة عناصر مطلع أيّار 2017 بعد إدلائهم بمعلومات عن اغتيال أمير التنظيم “أبو هاشي الإدلبي” وعلاقتهم المباشرة بمكتب قاسم سليماني، قائد ميليشيا فيلق القدس الإيراني في سوريا.
واعترف قادة التنظيم بحسب التسجيلات التي حصل “تجمع أحرار حوران” على نسخة منها، بتلقيهم أموال من سليماني مقابل قيامهم بتشكيل خلايا نائمة في المنطقة خلال عامي 2016/2017، وهم: أبو عبيدة قحطان، نضال البريدي، نادر القسيم، أبو تحرير الأردني، خالد الجمال، عدي القسيم، وعصام خالد الصالح.
في نيسان 2018، أي بعد نحو عام من تنفيذ حكم الإعدام، أعاد القاضي الجديد في التنظيم، أبو عبد الله همام، فتح قضية القيادات السبعة، وحقق بها من جديد، وتبيّن له “لم تثبت ردتهم ولا عمالتهم ولا تورطهم بمقتل أبو هاشم الإدلبي، والأصل براءة ذمتهم وأنهم كانوا ظلماء، فوجب إعادة أموالهم المصادرة لذويهم”، بحسب بيان نشره جيش خالد آنذاك.
أشارت مصادر مطّلعة إلى أن التحقيقات مع قياديي “جيش خالد” جرت عام 2017 بعد استكمال سيطرة التنظيم على بلدات تسيل، عدوان، والشجرة في حوض اليرموك، وتم تسجيلها آنذاك، وأن إعدامهم جاء للتغطية على العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، ولتحميلهم إعلاميًا هذه العلاقة، بينما استمرت تلك العلاقة حتى سيطرة النظام على المنطقة، في نهاية تموز/يوليو 2018، ليتحول شكل العلاقة بين التنظيم وإيران إلى تبعية خالصة لإيران.
اقرأ أيضًا.. إلى متى ستبقى داعش شماعة النظام في المنطقة؟
وفي ظل ما سبق، يخلص فريق التحقيق الاستقصائي إلى أن إيران ومن خلال فروع أمنية مرتبطة بها تتبع لنظام الأسد ساهمت بتجنيد عشرات الخلايا الأمنية التي تعمل في آنٍ واحد على تهريب المخدرات واغتيال معارضي النظام وإيران في المنطقة الجنوبية من سوريا، لضمان نجاح المخطط الإيراني الرامي للسيطرة على المنطقة، مقابل بعض الامتيازات والأموال والسلطة لقادة التنظيم التي تُعتبر كروتاً محروقة سينتهي أجلها في الوقت المحدد كما خُطط بشكل مسبق ومحكم.