مدمنو المخدرات أعداد متزايدة في درعا.. وغياب مراكز العلاج
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
لم تكن هند والتي عملت ممرضة لسنوات في علاج الإدمان تعلم أن حالة القلق التي كانت تشعر بها وزملائها من انتشار حالات الإدمان على المخدرات، ستتحول إلى حالة من الرعب، حيث لم يعد بالإمكان السيطرة عليها.
هند ممرضة من محافظة درعا، تعمل في مركز صحي في درعا البلد في محافظة درعا، وهي متخصصة في علاج الإدمان من المخدرات، منذ أكثر من عشر سنوات على الرغم من تفاقم حالات الإدمان وزيادتها بشكل بات من الصعب معه السيطرة عليها، نظراً للانتشار الكبير وغير المسبوق لمختلف أنواع المخدرات، وانخفاض أسعارها، وواقع الحرب والتهجير، وأسباب أخرى جعلت شرائح كبيرة من المجتمع تتجه نحو تعاطي المخدرات.
في درعا ومنذ العام 2012 بدأ انتشار الإدمان على المخدرات بشكل لافت بين جميع شرائح المجتمع، ولكن الأمر ازداد بشكل كبير بعد تموز 2018 ليتحول إلى ظاهرة لافتة للغاية، باتت المواد المخدرة تُباع في الشوارع وعلى بسطات بيع المحروقات والأكشاك.
وتطور تعاطي المخدرات من حبوب الترامادول المسكنة التي تباع في الصيدليات، والتي لا بد من وجود وصفة طبية من أجل بيعها، إلى أنواع أخرى، مثل الحشيش والكبتاغون والكريستال.
كما زادت نسبة المتعاطين وخاصة بين فئات الشباب من الجنسين، في المقاهي، وبين طلاب المدارس من المرحلة الإعدادية المتوسطة وحتى المرحلة الجامعية، حتى بين النساء من ربات المنازل.
قصة إدمان تنبئ بأخطار قلة الوعي
محمد من سكان حي طريق السد في مدينة درعا، رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، لا يعلم بأن تدخين سيجارة حشيش، أو تناول نصف حبة من مسكن الترامادول أو مخدر الكبتاغون سيجعل منه شخصًا مدمنًا لا يكتفي جسده بسيجارة أو نصف حبة، وأنه سيتحول إلى شخص لا يعرف نفسه.
درعا، التي شهدت انطلاق المظاهرات ضد النظام السوري في آذار2011، تبعها حرب أدت إلى تهجير ولجوء عدد كبير من سكانها، وصولاً إلى اتفاق التسوية بين النظام والمعارضة برعاية روسية في تموز 2018 أعاد النظام بموجبه السيطرة عليها، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه لانتشار فوضى أكبر وأخطر من الميليشيات، عنوانها الأكبر”المخدرات”.
محمد (29 عامًا) يتحدث من خلال البودكاست عن تجربته في إدمان المخدرات، وكيف بدأ تعاطي المخدرات في عام 2012، وتطور في التعاطي بأنواع مختلفة من المخدرات وكيفية تأمين ثمنها، ليحاول بعد ذلك العلاج من الإدمان وما واجهه من صعوبات بعدم وجود مراكز متخصصة للعلاج إضافة للملاحقة الأمنية.
لا توجد إحصائية لعدد المدمنين في درعا، وهذا ما أكده مسؤول في مديرية الصحة في درعا لـ”تجمع أحرار حوران”، رافضًا الكشف عن اسمه، كما لا توجد إحصائيات للمدمنين في كل سوريا، ومن خلال البحث هناك تصريح وحيد لرئيسة دائرة المخدرات في وزارة الصحة السورية، الدكتورة ماجدة الحمصي، لوكالة “سبوتنيك“ الروسية في العام 2018، تؤكد فيه أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لمتعاطي المخدرات، غير أنها أكدت آنذاك أن الأعداد في تزايد بين الشباب وطلاب الجامعات والمدارس.
الإدمان.. أسباب كثيرة وآثار مدمّرة
لا يمكن حصر الأسباب المؤدية لانتشار المخدرات على وجه الدقة، لكن أبرزها، الفلتان الأمني وخاصة بعد العام 2018، وعدم وجود رادع قانوني لمروجي المخدرات الذين زاد عددهم خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وبدعم من الأجهزة الأمنية والميليشيات.
غير أنّ الوضع الاقتصادي المتردي دفع الكثير من أبناء المحافظة للعمل في تجارة المخدرات وهذا ما سهّل وصولها إلى شريحة واسعة من المجتمع، أيضًا فإن انخفاض أسعار الخدرات وتنوعها ساهم بانتشارها، التفكك الأسري والذي كان للتهجير دور بارز جدًا فيه كان مهمًا، وهي أسباب دفعت الكثير من الأشخاص نحو الإدمان على اعتباره هروبًا من الواقع.
آثار الإدمان، فهي عديدة، على المستوى الشخصي للمدمنين فقد زادت حالات الانتحار بينهم حيث تم تسجيل 10 حالات خلال العام الفائت 2022 في مدينة درعا فقط، بينهم فتاة في الثامنة عشرة من عمرها انتحرت باستخدام جرعة زائدة من الحبوب المخدرة، بحسب مصدر طبي خاص لـ”تجمع أحرار حوران”.
كما أن الإدمان تسبب بتفكك مجتمعي إذ بات يلجأ الكثير من المدمنين للسرقة سواء من الممتلكات العامة أو الخاصة لتأمين ثمن المواد المخدرة.
صحيفة “الشرق الأوسط“، وفي تقرير لها في منتصف آذار 2022 كانت قد نقلت عن مصدر في فرع الأمن الجنائي في درعا، أن عدد القضايا المتصلة بالمخدرات وصلت إلى أرقام مرعبة، ففي العام 2021، تم تسجيل “أكثر من 940 قضية، اتهم فيها أكثر من 1700 شخص، وهي جرائم متنوعة منها الاتجار بالمخدرات وتعاطيها وترويجها، وأخرى تتعلق بالمخدرات أيضاً، كالسرقة والقتل العمد والقتل الخطأ والخطف، وهي النسبة الأكبر من هذه القضايا”.
وبيّن المصدر الأمني آنذاك أن فئة الشباب في العشرينات من العمر هي الأكبر من بين المتهمين، إضافة لوجود نساء وفتيات في الأعمار ما بين 15 – 40 سنة.
وعلى المستوى الأسري انتشرت حالات الطلاق بشكل كبير، إضافة للخلافات الأسرية والتي انتهت في أحد المرات في مدينة درعا بإقدام شاب على قتل والده دون وعي لأنه منعه من بيع قطعة أثاث منزلي لشراء الحبوب المخدرة، وزادت عمليات السلب والسرقة لتأمين ثمنها، أيضا زادت عمليات الاغتصاب التي تتعرض لها النساء وتم تسجيل ما يزيد عن 11 حالة خلال العام 2022، معظمها اغتصاب للمحارم.
عرقلة إنشاء مراكز لعلاج الإدمان
في سوريا يوجد فقط مركزين لعلاج الإدمان وما بعد الإدمان، بحسب رئيسة دائرة المخدرات، الدكتورة الحمصي، وكانت بينت أنه سيتم لاحقاً إحداث مراكز للعلاج في كل المحافظات، إلا أن ذلك كله لم يحدث حتى الآن.
تقرير لصحيفة “البعث” الرسمية السورية، نُشر في مطلع حزيران 2022، نقل عن مدير مشفى ابن رشد للأمراض النفسية، الدكتور غاندي فرح، ازدياد حالات الإدمان بمختلف أشكاله بين معظم الفئات العمرية ولاسيما فئة الشباب وعلى مستوى الجنسين وخاصة خلال سنوات الحرب.
فرح بين أن اللافت للانتباه زيادة الإدمان بين المراهقين، من خلال زيادة عدد مراجعات الأهالي للاستفسار عن بعض ما يلاحظونه على أبنائهم، ومشيرا إلى أن أعداد المراجعين يوميا تتراوح ما بين 30-100 مراجع.
التقرير أوضح النقص الكبير في الكادر الطبي، والأدوية الخاصة لعلاج الإدمان، والحاجة لأجهزة طبية، وتجهيزات تساهم في تسريع العلاج.
الممرضة هند “اسم مستعار”، تتحدث في لقاء مصور لـ”تجمع أحرار حوران”، عن الإدمان في درعا، وانتشاره بين فئات مختلفة، وعدم إمكانية إنشاء مركز لعلاج الإدمان.
في درعا وتحديدًا بلدة الطيبة في الريف الجنوبي الشرقي، افتتح عام 2017 مركز لعلاج الإدمان خلال سيطرة المعارضة على المحافظة، من قبل طبيب حاول آنذاك تقديم الدعم النفسي للمدمنين، وخاصة المصابين من المقاتلين ممن أدمنوا على المسكنات القوية، لكن بعد سيطرة النظام على المحافظة تم إغلاقه، بحسب تقرير سابق لـ”سوريا على طول“.
بعد العام 2018 تم التواصل من قبل اللجان المحلية “اللجان المركزية، وهي لجان شُكلت بعد التسوية لتكون مسؤولة عن نقل مطالب الأهالي إلى النظام، مع وزارة الصحة ومديرية الصحة من أجل إنشاء مركز متخصص لعلاج الإدمان من المخدرات، ولقي الطلب ترحيبًا من مديرية الصحة في المحافظة وأبدت موافقتها عليه، لكن دون أن تقدم المديرية أو وزارة الصحة أي دعم سواء مادي أو بالتجهيزات للمركز، وهذا ما أكده مصدر مسؤول في مديرية الصحة في درعا لـ”تجمع أحرار حوران”، عند سؤاله عن أسباب عدم إنشاء مركز لعلاج الإدمان في درعا.
مصدر طبي، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أكد لـ”تجمع أحرار حوران”، أن محافظة درعا تفتقر لوجود مراكز لعلاج الإدمان، على الرغم من وجود العديد من المدمنين الذين يبحثون عن مثل هذه المراكز للعلاج.
وأضاف المصدر أن مشفى “ابن رشد” في دمشق هو المركز الوحيد الذي يغطي دمشق والمنطقة الجنوبية في علاج الإدمان، إلا أنه خارج الخدمة حاليًا، ويتم العلاج في مشفى المواساة في دمشق، لكن من الصعب ذهاب المدمنين من أبناء درعا للعلاج فيه، بسبب الملاحقات الأمنية من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام ووجود العشرات من الحواجز الأمنية والعسكرية على الطريق بين المحافظتين.
علي “اسم مستعار”، يعمل كممرض في مشفى مدينة طفس الوطني في ريف درعا الغربي، بيّن لـ”تجمع أحرار حوران”، أن علاج الإدمان على المخدرات في محافظة درعا يحتاج إلى إنشاء أماكن لمعالجة المدمنين بشكل مستعجل، فعلاج يحتاج لمدة تتراوح من شهرين إذا كان الإدمان على مادة الحشيش المخدرة، وقد تتجاوز ستة أشهر في حالات أخرى ترتبط بنوع المادة المخدرة، مبينا أن العلاج يمر بعدة مراحل جسدية ونفسية للوصول إلى مرحلة الشفاء.
كما أنّ مرحلة العلاج والتأهيل هي الأهم والأصعب بالنسبة للمدمنين، والتي تمنعه من حالة الانتكاس اللاحقة للعلاج الجسدي، وتفتقر محافظة درعا إلى هذا النوع من العلاج أيضاً من خلال مراكز متخصصة.
إلا أنّ هناك طبيبًا نفسيًا وحيدًا يقدم هذه الخدمات في عيادته مجانًا لمدمني المخدرات في المحافظة خاصة لمن يجد لديه الرغبة بالتعافي، وقد تعرض الطبيب لتهديدات غير مباشرة من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، بإيصال رسالة إليه أنه “مُهدد من قبل تجار ومروجي المخدرات لأنه يقوم بتعطيل أعمالهم”، حسب معلومات خاصة حصل عليها “تجمع أحرار حوران”.
وسائل تطبيق القانون بحق المدمنين والمروجين
في بيان المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والذي قُدم في المؤتمر الدولي للحد من أضرار المخدرات الذي عُقد في البرتغال، في نيسان 2019، أكد عدم جدوى إيداع المدمنين في السجون ومعاملتهم معاملة المجرمين، بل لا بد من اعتبارهم مرضى لهم الحق بالعلاج “لا يفقد الناس حقوقهم لأنّهم يتعاطون المخدرات. بل لديهم الحقوق نفسها التي يتمتع بها الجميع: الحقّ في الصحة وفي الحياة، وفي عدم التمييز، وفي التحرّر من الاعتقال والاحتجاز التعسفيّ، ومن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وغيرها من الحقوق.”.
في سوريا، صدر قانون المخدرات السوري رقم 2 لعام 1993، والذي تناول جرائم المخدرات وعقوباتها، حيث نصت الفقرة (أ) من المادة 43 من القانون، على أنه “يعاقب بالاعتقال المؤقت وبغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف ليرة، كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو نقل أو سلم أو تسلم مواد مخدرة، وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في الأحوال غير المُصرح بها قانوناً.”.
كما نص القانون في الفقرة (ب) من المادة نفسها على أنه “يجوز للمحكمة عند الحكم بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم وإيداع من يثبت إدمانه على تعاطي المواد المخدرة إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها، ويكون الإفراج عن المودَع بعد شفائه بقرار من المحكمة بناءً على اقتراح اللجنة المختصة بالإشراف على المودعين بالمصحة ولا يجوز أن تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ثلاثة أشهر ولا أن تزيد عن سنة.”.
سمير، محامي متخصص في القضايا الجنائية في محافظة درعا، أكد لـ”تجمع أحرار حوران”، أن قانون المخدرات السوري يعتبر رادعًا جيدًا لو تم تطبيقه من جهة، ولو كان هناك جهات تنفيذية تطبقه، سواء القضاء أو الشرطة والأمن الجنائي.
إلا أنه وفقًا للمحامي، فإن هناك نقاطًا سلبية في القانون، حيث لا ينص صراحة على إنشاء مراكز لعلاج الإدمان، على الرغم من ارتباطها بالموضوع، وأيضًا فإن القانون يعتبر الشخص المدمن مجرمًا حتى لو كان قرار المحكمة بإحالته للعلاج، فهو يبقى بعد انتهاء علاجه محكومًا في السجلات العدلية في المحاكم ولدى وزارة الداخلية وهذا ما سيكون أحد العوائق أمام مستقبله على المستويين العملي، والاجتماعي.
وأكد أن هذه الجزئية من القانون لا بد من تعديلها، كي يتم اعتبار المدمن على المخدرات ضحية أولا لظروف مختلف قد يكون بعضها قاهرا، وأن تتم معاملته معاملة أي مريض له كامل الحق بالعلاج أسوة ببقية المرضى.
وختم سمير بأن الأوضاع الحالية في محافظة درعا، وأهمها الفوضى وعدم الاستقرار الأمني والانهيار الاقتصادي، وعدم وجود جدية حكومية في ملاحقة تجار ومروجي المخدرات وعدم تشجيع إنشاء مراكز للعلاج حتى بجهود محلية ساهم إلى حد كبير بزيادة حالات الإدمان وحرمان المدمنين من حقهم بالعلاج.