التحكم بالأموال المصادرة.. آخر سرقات النظام السوري “القانونية” للسوريين
تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني
في أواخر تشرين الثاني الفائت أقرّ مجلس الشعب التابع للنظام السوري، مشروع قانون يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم “غير قابل للطعن”، سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده.
المجلس بحسب وكالة أنباء النظام السوري “سانا”، وافق في جلسة 30 من تشرين الثاني 2023 على مشروع القانون، حيث ستتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي، عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، حيث ستكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة.
أما في حالة في حال كانت الأموال عبارة عن شركات، أو أسهم أو حصص في شركة، تبقى هذه الشركة خاضعة لأحكام قانون الشركات، وتجري إدارتها واستثمارها من قبل وزارة المالية بما لا يتعارض مع قانون الشركات.
مصادرة دون مقابل!
بحسب مشروع القانون، يمكن بقرار من رئيس وزراء النظام، وبناء على طلب الوزير المختص “صاحب العلاقة”، نقل ملكية هذه الأموال إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل، ودون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
أيضاً يسمح المشروع لرئيس مجلس الوزراء تخصيص جزء من الأموال التي تتم مصادرتها لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة.
قانون بأثر رجعي يستهدف المعارضين أولاً
يسمح مشروع قانون المصادرة الذي أقره مجلس الشعب، بتطبيق أحكام هذا القانون على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده.
أي أن القانون يمكن تطبيقه على أحكام المصادرة التي أُبرمت قبل صدوره بأثر رجعي، وهذا الأمر من السوابق في التشريعات القانونية المالية، أي أن الهدف منه مصادرة ما يمكن مصادرته، ودون تحديد للمدة السابقة لصدور القانون أو إقراره، ما يترك الباب مفتوحا أمام رئاسة الوزراء للعودة إلى أحكام مضى على صدرورها وتحولها لأحكام مبرمة عدة سنوات.
من هنا يمكن القول أن مشروع القانون الجديد يمكن تطبيقه بشكل واضح على أموال المعارضين للنظام، والتي سبق أن سمح النظام لمحكمة مكافحة الإرهاب بتجميد أموال كل من يثبت ارتكابه لأعمال إرهابية يموجب القانون رقم “22” الذي يؤسس محكمة مكافحة الإرهاب لعام 2012.
ويمكن للمحكمة وحدها، وبناء على التحقيقات والضبوط الأمنية الخارجية من الفروع الأمنية للنظام تحديد الأعمال الإرهابية ومن هم الإرهابيون، أي أن القانون يمس معظم معارضي النظام.
مقررة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، غادة إبراهيم، كانت قد بينت لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، مطلع الشهر الجاري، أن الغاية من مشروع قانون إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم هي أن تعود ملكية هذه الأموال إلى الدولة لاستثمارها بما يحقق عوائد لخزانة الدولة.
وقالت ابراهيم “هذه الأموال مصادرة من محكومين ثبت تورطهم بملفات فساد أو الذين استغلوا وضع البلد الراهن وارتكبوا جرم الخيانة”، والخيانة حسب النظام السوري صفة يتم إطلاقها على كل معارضة لا تتناسب مع المقاس الذي يحدده النظام.
وأكدت إبراهيم أن “أسباب مصادرة الأموال متعددة وتكون كبيرة ولا تأتي إلا بموجب حكم قضائي مبرم أي نهائي لا رجعة فيه، وبالدرجة الأول تكون فسادًا إداريًا أو وطنيًا، وبالتالي يجب أن يكون الشخص المتورط في هذه الملفات ثبت عليه الجرم”.
وحاولت إبراهيم تبرير تشريع القانون الجديد، بأن هذه القوانين موجودة في كل دول العالم، ويمكن بموجبها مصادرة أموال الفاسدين.
غير أن معظم دول العالم، تعتبر الفساد هو الفساد الاقتصادي، كالشركات الكبرى، وصفقات التجارة المشبوهة، وغير القانونية، وأموال هذه الأشياء هي ما تتم مصادرتها، في حين لا تشرع قوانين معظم الدول مصادرة أموال المعارضين للحكومات.
هل يكون القانون الجديد مقدمة لقانون آخر؟
المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب رقم “19” لعام 2012، نصت على أنه “في جمیع الجرائم المنصوص علیها في هذا القانون تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغیر المنقولة وعائداتها والأشیاء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجریمة وتحكم بحل المنظمة الإرهابیة في حال وجودها”.
وبعد تشكيل محكمة الإرهاب، أصدرت المحكمة آلاف الأحكام على سوريين معارضين صادرت بموجبها أموالهم المنقولة وغير المنقولة، بما فيها العقارات.
لكن مصادرة العقارات لا يكفي لنقل ملكيتها أن يكون الحكم بالإدانة فقط، فمن الناحية القانونية لا بد من يصبح قرار الإدانة قرارا قطعيا، أي غير قابل للطعن أمام أي محكمة أخرى.
لذلك، تلجأ الأجهزة الأمنية على وضع ما يعرف بـ”الإشارة الأمنية” على أسماء مالكي العقارات من المعارضين، لمنعهم من التصرف فيها، وفي الوقت نفسه تتيح هذه الإشارة للدولة مصادرة العقارات بعد صدور أحكام الإدانة.
أي بالنتيجة فإن مشروع القانون الجديد، من الممكن أن يمهد لقانون لاحق، أو لائحة تنفيذية ترتبط به بشكل مباشر، تتيح إبرام الأحكام القديمة التي أصدرتها محكمة الإرهاب من قبل المحكمة نفسها، لتكون مصادرات العقارات نهائية لا رجعة فيها.
النظام السوري، وعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، يلجأ إلى كل الأساليب لسرقة السوريين، وأملاكهم وأموالهم، ويُسخر في سبيل ذلك جيشا من القانونيين السوريين الذين باتوا يعملون كمرتزقة، متناسين احترام القوانين والدستور الذي لا يسمح بالمساس بالملكيات الشخصية لأي سوري.