مجزرة الأربعاء الدامي وفزعة مدن وقرى حوران لدرعا البلد
تجمع أحرار حوران – عدنان العبدالله
نسلط الضوء في هذا التقرير على المجازر التي وقعت في محافظة درعا على يد النظام السوري والمليشيات المساندة له، بهدف تذكير المجتمع الدولي بأهمية محاسبة رأس النظام السوري بشار الأسد وضباطه المتورطين في هذه المجازر.
في فجر يوم الأربعاء الموافق لـ 23 آذار 2011، شنت قوات النظام السوري هجومًا مكثفًا على أحياء درعا البلد، متجهة نحو الجامع العمري في ظلمة دامسة بعد قطع الكهرباء والاتصالات، بعد خمسة أيام من انطلاق الثورة السورية في 18 آذار وارتقاء أول شهيدين في الثورة السورية، وفي تلك اللحظات، تعالت نداءات الاستغاثة من مساجد المدينة، داعية الأهالي للصمود والتوجه نحو الجامع العمري للمساعدة.
قوات النظام، وبحصار كبير، منعت وصول سيارات الإسعاف والمواطنين من درعا المحطة إلى درعا البلد، في محاولة لعزل المنطقة وقمع الأصوات المنادية بالحرية، وفي واقعة مؤثرة، خاطب أحد المواطنين في حي السبيل قوات النظام قائلاً “يا خونة.. انتو إخوتنا.. البلد بتسع إلنا وإلكم.. حدا بيقتل شعبه؟” أثناء توجهها لاقتحام درعا البلد.
أدى الاقتحام العنيف لفض الاعتصام في الجامع العمري إلى وقوع مجزرة مروعة، راح ضحيتها عدد من المدنيين الأبرياء، بينهم الطفلة ابتسام محمد قاسم المسالمة، أول طفلة تُقتل برصاص النظام في الثورة السورية، والطبيب علي غصاب المحاميد، أول طبيب يُقتل أيضًا بنيران النظام خلال الثورة، بالإضافة إلى محمود أبو العيون المحاميد الذي اعتقل مصابًا وتُرك في ثلاجة الموتى حتى استشهاده.
“عمر الحوراني”، صحفي وناجٍ من مجزرة الأربعاء الدامي، يروي تفاصيل مروعة عن اقتحام قوات النظام للمسجد العمري في درعا البلد، مؤكدًا أن المعتصمين الذين كانوا قد افترشوا أرض المسجد، بعضهم قادمون من ريف درعا، لم يكونوا على علم بأنهم سيكونون هدفًا لهذا الاقتحام.
وبدأت قوات النظام بإطلاق النار بشكل كثيف، وتبع إطلاق النار تكبيرات ونداءات الاستغاثة من مئدنة المسجد العمري داعية الأهالي للصمود والتوجة نحو المسجد العمري لحماية المعتصمين من اقتحام قوات النظام، ليلبي الأهالي النداء وقدموا بلباس النوم وحفاة.
الصحفي “عمر الحوراني” يواصل شهادته عن لحظات صعبة داخل المسجد العمري بدرعا البلد، حيث كان بجانب الشهيد أشرف المصري عندما تعرضا لإطلاق نار مباشر من قوات النظام السوري. في لحظاته الأخيرة، علق المصري بمرارة على إصابته قائلاً “بخشولي البجامة الجديدة ولاد الحرام”، ثم وجه رسالة لقوات النظام بصوت عالٍ: “روحوا على الجولان”، في إشارة إلى الجولان السوري المحتل بينما يهاجمون شعبهم الأعزل.
وبعد لحظات تعرض الحوراني للإصابة في خاصرته، وعندما رفع سترته اكتشف أن قميصه الأبيض تحول إلى اللون الأحمر بسبب الدماء، صرخ بأنه مصاب، وأخذ صديقه يحمله لتقديم الإسعافات الأولية، الأ أنهّ أصر على البقاء، وأن يبلغ والدته بأنه شهيد. عبارة أصبحت فيما بعد موضوعًا للسخرية، ولكنها تعكس حقيقة مؤلمة.
وأن صديقه أشرف بعد تعرضه للإصابة لم نستطع نقله وسقط على الأرض ووصلت إليه قوات النظام وبدأت بإطلاق النار عليه من المسافة صفر ليرتقي شهيداً.
وسائل إعلام تابعة للنظام السوري قدمت مشاهد تظهر أسلحة، ذخيرة، وأموال داخل المسجد العمري في درعا بعد الاقتحام، في حين أظهرت تسجيلات قبل الهجوم وجود اعتصام سلمي ومستشفى ميداني للجرحى بالمكان.
النظام اتهم “عصابة مسلحة” بتخزين الأسلحة واستغلال الأطفال كدروع بشرية، مشيرًا بذلك إلى اعتداءات على عناصر قوات حفظ النظام.
كما وجه الاتهام لـ”جهات خارجية” بنشر الأكاذيب وتحريض السكان، مؤكدًا استمرار ملاحقة العصابات المسلحة المتهمة بالقتل والسرقة وتخريب الممتلكات في درعا.
بعد هذه المشاهد انطلقت مسيرات الفزعة من مدينة الحراك وبلدات الريف الشرقي والغربي في درعا ردًا على اقتحام المسجد العمري في درعا البلد، وشارك فيها آلاف المتظاهرين من أبناء بلدات الحراك والمليحة الشرقية والمليحة الغربية والصورة وعلما وخربة غزالة وعتمان وداعل وغيرها وتوجهوا نحو مدينة درعا، وقُدّر عدد المتظاهرين في مسيرة الفزعة بنحو 50 ألف متظاهر، حملوا أغصان الزيتون، ورددوا هتافات “من حوران هلت البشاير لعيونك يا شعب يا ثاير”، “سلمية سلمية”، “فكوا الحصار عن العمري”، “الجيش والشعب إيد وحدة”، “بالروح بالدم نفديك يا درعا”، “لبينا الفزعة لدرعا”.
ووصلت مسيرات القرى الشرقية إلى مدخل المدينة الشمالي قرب البانوراما قرابة الساعة الرابعة عصرًا، بينما دخلت مسيرات القرى الغربية من جهة اليادودة، حيث تعرضت لإطلاق نار كثيف من قوات النظام، ووقعت مجزرة بين المتظاهرين قرب البانوراما، أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات واعتقال العشرات من مسيرة الفزعة، وتم نقل كثير من الجرحى إلى مستشفى مدينة طفس كما تم نقل آخرين إلى الكنيسة في حي شمال الخط، وبعدها بدأ أهل القرى والبلدات بنقل الضحايا والمصابين إلى بلداتهم.
وحصل تجمع أحرار حوران على شهادة على شاهد عيان، من المشاركين في فزعة الريف لمدينة درعا، وأكد لنا أن قوات النظام قامت بنصب كمين للمتظاهرين بقيادة رئيس فرع الأمن السياسي في مدينة درعا في ذلك الوقت المدعو “ناصر العلي” حيث كان يرتدي قلابية وعباية وغير معروف لجميع الأهالي حوران، حيث كان يعمل على استقبال الأهالي ويقوم بترحيب بالمتظاهرين وعندما تجمع المتظاهرين أمام منزل أحد الشهداء إعطى إشارة بدء إطلاق نار تجاه المتظاهرين.
كذلك قامت قوات النظام المنتشرة في ملعب درعا القديم ومبنى الأمن السياسي ومبنى الحزب والمجمع الحكومي باعتقال عشرات المتظاهرين من بينهم جرحى.
وأشار أن قوات النظام قامت باستهداف سيارات الإسعاف بشكل مباشر لمنع وصولها إلى موقعة المجزرة، وأن أكبر عدد للشهداء والجرحى سقطوا بالقرب من الكازية لذلك سميت بمجزرة الكازية أيضاً.
وأضاف الشاهد أن معظم المسيحيين من أهالي درعا في حي شمال الخط في درعا المحطة، قاموا بفتح منازلهم والكنائس وعملوا مشافي ميدانية لمعالجة الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص الحي، وعملوا أيضاً على مساعدة المتظاهرين الهاربين من قوات النظام وفتح لهم معظم بيوتهم وإيوائهم.