“سوتشي” بمن حضر من شهود الزور !
تجمع أحرار حوران – أبو ربيع الحوراني
وأخيرًا.. نجحت روسيا بدعم إيراني ومباركة تركية في تسويق مؤتمر “سوتشي” بعد رحلة ماراثونية بين عواصم العالم استطاعت من خلالها استجداء بعض الأطراف الدولية، وشراء بعض ممن يسمون أنفسهم “معارضة” بثمن بخس، ليكونوا شهود زور على مسودة البيان الختامي للمؤتمر، والتي لم تتضمن أية ورقة تنص على رحيل الأسد المجرم وأركان حكمه، وهو المطلب الأول للشعب السوري العظيم الذي مازال يتطلع منذ 7 سنوات مضت لنيل حريته الذي قدم وما زال يقدم من أجلها كل غالٍ ونفيس.
لقد عملت روسيا كل ما بوسعها سياسياً وإعلاميًا على عقد موتمر سوتشي بموعده المقرر في الثلاثين من الشهر الجاري، واستطاعت إقناع الأمم المتحدة وبعض الدول والشخصيات على حضوره كما وجهت دعوات رسمية لكل من الأردن ومصر والسعودية والعراق ولبنان وكازاخستان للمشاركة فيه،وذلك في محاولة مكشوفة منها للحصول على أكبر عدد ممكن من الحضور، ولإضفاء صفة الشرعية الدولية على هذا المؤتمر وما سيصدر عنه من قرارات.
ورغم استنفارها لكل طاقاتها الدبلوماسية والدعائية للحصول على إجماع دولي لدعم موتمرها “سوتشي” إلا أن روسيا استنفذت هذه الطاقات، واصطدمت بحائط دولي من التحفظ والرفض والإدانة دون تحقيق حلمها السياسي التي تريد أن تختم به مرحلة عسكرية لها في سوريا استطاعت من خلالها وعبر آلة قتلها المتطورة أن تفتك بما تبقى لها من بشر وشجر وحجر لم تستطع قوات الأسد الوصول إليه.
ورغم التصريحات والتطمينات الروسية الكثيرة للمجتمع الدولي والمعارضة السورية بأنّ مؤتمر سوتشي لن يكون بديلًا عن مسار جنيف إلا أن المسودة النهائية وحسب ما صدر عنها لم تأتِ بجديد ولم تتصمن سوى الأفكار الروسية التي سبق وتحدثت عنها في أكثر من مكان، وعبر وسائل الإعلام لكن مع بعض التعديلات الطفيفة والتجميلية.
هذه المسودة التي لم تأتِ لا من قريب ولا من بعيد على ذكر رحيل رأس النظام المجرم وأركان حكمه المستبد وهذا ما جعل روسيا تشترط على المشاركين في المؤتمر عدم التطرق نهائيًا لرحيل “الأسد” وهو المطلب الأول الذي أصرت عليه المعارضة ورفضته موسكو التي تعاطت بشكل سلبي واستفزازي مع الهيئة العليا السورية للتفاوض، والتي تعتبر جزءًا أساسيًا ومكونًا مهمًا من المعارضة، وتمثل شريحة واسعة من الشعب السوري في الداخل والخارج هذا التعاطي الذي يثير الاستغراب والشكوك حول الدور الحقيقي الذي تلعبه روسيا في الأزمة السورية.
وهذا ماجعل الخارجية الروسية تصرح أن رفض الهيئة العليا للمفاوضات مؤتمر “سوتشي” لن يؤثر على مجريات هذا المؤتمر، مهددة الجميع بالعودة إلى الميدان ، هذه التهديدات التي تأتي في خانة الشك والريبة من مواقف روسيا التي تعتبر نفسها طرفًا نزيهاً في المسألة السورية إلا أن الوقائع والمعطيات الأخيرة لا تدل على ذلك بل كشفت المواقف والسياسات الروسية تجاه ما يجري في سوريا على حقيقتها والمتمثلة في تهربها من الوفاء بوعودها وتعهداتها وسعيها المحموم لحماية نظام الأسد سياسيًا وعسكريًا للإبقاء عليه خدمة لمصالحها الذاتية.
إن من أولى نتائج سوتشي قبل أن يعقد هو شق صف المعارضة التي هي بالأصل في وضع لا تحسد عليه، وليست على ما يرام بسبب تباين المواقف بين أطيافها المختلفة ،فهناك من غرد خارج السرب وأكد مشاركته في سوتشي بعد الموافقة على الشرط الروسي بعدم المطالبة برحيل الأسد ،ما قد ينعكس ذلك سلباً على وحدتها وبالتالي على الوضع الدخلي وخاصة بعد التهديدات التي أطلقتها روسيا بالعودة للميدان.
وقد تكون هذه فرصة حقيقية لروسيا وقوات الأسد لإسقاط اتفاق خفض التصعيد وإعادة موجات القتل والتدمير والتهجير من جديد ، هذا الاتفاق الهش الذي بدأ يترنح منذ دخوله حيز التنفيذ بسبب عدم احترامه والالتزام به من قبل روسيا وقوات الأسد نتيجة الخروقات المتكررة وشبه اليومية للمناطق التي يشملها هذا الاتفاق.
ربما تذهب روسيا إلى أبعد من ذلك بكثير وتعتبر أن “منصة موسكو” وبعض الشخصيات المستقلة التي اعلنت مشاركتها في المؤتمر هي من تمثل المعارضة “الحقيقية” وتتعامل معها على هذا الأساس وهي في الواقع ليست سوى معارضة مصنعة مخابراتيًا وأعدت مسبقًا لتنفيذ دورها المطلوب منها في مثل هذه الأوقات، وهذا مااستدعى روسيا القول أن غياب معارضة الداخل والخارج عن حضور “سوتشي” لن يكون له تأثيرات أو تداعيات على مجرياته.
إلا أن مؤتمر سوتشي ورغم الحضور الأممي غير المتوقع والمتمثل بشخص دي مستورا وممثلي بعض الدول لم يحضَ حتى اللحظة بالدعم الدولي اللازم الذي كانت تعول عليه موسكو الكثير بسبب مواقف معظم الدول الأوروبية المتحفظ منها، والرافض للدور المشبوه الذي لعبته وتلعبه روسيا بالشأن السوري ،وهذا ما قد يفشل المؤتمر ويفقده هيبته وصفته الدولية كمؤتمر يسعى لحل عادل للأزمة السورية مهما صدر عنه من قرارات أو تفاهمات.
ربما جاء رفض المعارضة حضور مؤتمر سوتشي لأمرين اثنين أولهما : هو عدم إعطاء روسيا لهذه المعارضة أية ضمانات بشأن المطالب الأساسية والمحقة وهي وقف كامل لإطلاق النار من قبل قوات الأسد بالإضافة لإطلاق سراح المعتقلين وإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة من قبل قوات الأسد.
أما الثاني فقد يكون استجابة لمواقف الكثير من الفصائل الثورية والمؤسسات المدنية والإعلامية في الداخل والتي عبرت عن موقفها حيال “سوتشي” قبل أيام من خلال بيان رسمي صدر عنها أعلنت فيه رفضها التام لهذا المؤتمر باعتباره التفافاً على الثورة وعلى قررات الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات جنيف محذرة المعارضة مغبة المشاركة بهذا المؤتمر ومهددة بنزع الشرعية الثورية عن كل الشخصيات والهيئات التي قد تشارك فيه.
وأيًا تكن الأسباب الكامنة وراء الموقف الجريء الذي اتخذته المعارضة بقرارها الرافض لحضور سوتشي فهو بلا شك موقف مشرف وقرار شجاع يحسب لها وللثورة، وبنفس الوقت ضربة قوية لروسيا ومن معها وللمشاركين في سوتشي .!
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.