طريق ليبيا.. مأساة المهاجرين السوريين بين الأمل والموت!
تجمع أحرار حوران – عدنان العبدالله
في خضم مآسي غرق القوارب وفقدان الأرواح، تتعالى من جديد أصوات الناجين من “طريق الموت” الليبي، الاسم الذي أطلقه السوريون على رحلات الهجرة المحفوفة بالمخاطر من ليبيا إلى أوروبا.
يتحدث محمد الإسماعيل، شاب سوري من محافظة درعا، لتجمع أحرار حوران عن رحلته المحفوفة بالمخاطر التي قادته من سوريا إلى ليبيا، بحثًا عن حياة أفضل ومستقبل آمن، خرج محمد من سوريا قبل نحو عام عبر مطار دمشق الدولي متجهًا إلى بنغازي الليبية، ليبدأ رحلته في العبور إلى أوروبا.
الرحلة إلى المخزن البشري
وصل محمد إلى بنغازي، ومن ثم نُقل بواسطة سيارة تهريب إلى طرابلس عبر شبكة من المهربين السوريين والليبيين. هناك، وُضع في مخزن بشري يضم حوالي 200 شخص، معظمهم من السوريين والمصريين.
ويتكون المخزن من هنغارات حديدية وأرضية من التراب والحصى، لم يكن يصلح للجلوس أو النوم، كانت الظروف الصحية كارثية، وكان يتلقى المقيمون في المخزن وجبة واحدة يوميًا من المعكرونة في الغداء، وقطعة خبز صغيرة في الصباح، أما عن دخول الحمام كان يتطلب انتظارًا طويلًا يصل إلى ساعة ونصف بسبب الازدحام.
وبعد انتظار دام شهرين في المخزن القريب من شاطئ طرابلس، غادر الإسماعيل مع 121 شخصًا، معظمهم من درعا، على متن قارب في ليلة مظلمة، وبعد ساعتين ونصف من الإبحار اعترضهم خفر السواحل الليبي وألقوا القبض عليهم بعنف وضرب رصاص فوق القارب ومن ثم جرى نقل جميع المهاجرين إلى ميناء طرابلس، ثم إلى سجن بئر الغنم، سيء الصيت والسمعة.
وأوضح الإسماعيل أنّ سجن بئر الغنم الذي تديره ميليشيات مسلحة، يفتقر إلى أي نوع من الرقابة أو القوانين، ويعاني فيه المحتجزون من أوضاع صحية متدهورة، وانتشار الأمراض الجلدية مثل القمل والجرب.
ابتزاز مالي وسط أوضاع مأساوية
وأوضح محمد أن الخروج من سجن بئر الغنم يتطلب دفع فدية تصل إلى 2500 دولار أمريكي، وقد سمحت السلطات المسلحة المسيطرة على السجن للسجناء بالاتصال مع ذويهم لجمع المبلغ المطلوب.
خلال الأيام الأولى في السجن، كان محمد يعاني من نقص شديد في الطعام، ولكن بعد مرور الوقت، تعلم التكيف مع الأوضاع الصعبة ليحصل على وجبته اليومية الوحيدة من المعكرونة، وبعد 15 يومًا في السجن، أُطلق سراحه بعد دفع الفدية، بعد أن فقد 12 كيلو غرامًا من وزنه وأصيب بأمراض جلدية احتاجت إلى شهرين ونصف من العلاج.
لم يتوقف محمد عن محاولات العبور إلى أوروبا، لكنه واجه الفشل مرات عديدة، ففي أيلول 2024 حاول مرة أخرى الإبحار من ميناء زوارة الليبي، بعد ست ساعات في البحر، اعترضهم خفر السواحل الليبي، ونقلوهم إلى سجن في زوارة، الذي وصفه محمد بـ “المسلخ البشري”.
في سجن زوارة تعرض المعتقلون للضرب والإهانة لابتزازهم وجعلهم يتصلون بذويهم لجمع الفدية التي تراوحت بين 2000 و2500 دولار أمريكي.
وتحدث المصدر عن المعاملة القاسية التي تعرض لها المهاجرون، حيث كانت هناك تهديدات متواصلة بالقتل أو الاتجار بالأعضاء البشرية في حال عدم دفع الفدية، وكان الطعام محدودًا إلى حد مأساوي، عبارة عن قطعة خبز وقطعة جبن يوميًا، و بعد عشرة أيام من المعاناة، دفع محمد مبلغ الفدية وغادر السجن.
هذه الحكاية ليست سوى واحدة من مئات القصص التي يعيشها السوريون في رحلات الهجرة إلى ليبيا، أملاً بالوصول إلى أوروبا، قصص يتخللها الخوف، الأمل، والفجيعة، في محاولات يائسة للبحث عن حياة آمنة ومستقبل أفضل بعيدًا عن الموت والعنف تحت سيطرة النظام السوري.
وفي سياق متصل، مايزال أكثر من 100 مهاجرًا سوريًا قيد الإخفاء القسري، من بينهم أطفال ونساء، ومعظمهم من أبناء محافظة درعا، حاولوا عبور الحبر المتوسط من خلال أربع رحلات الأولى في شهر تشرين الأول 2023، والثاني في تشرين الثاني 2023، ورحتلين في آب 2024 لكنهم اخفوا قبل الإبحار بشكل كلي، ولم تتواصل أي جهة مع ذويهم لتطلب فديات مالية على الإطلاق منذ تاريخ إخفائهم داخل الأراضي الليبية.
وكانت الرحلات الأربعة تجري بتنسيق بين مندوبين سوريين مع المهرب المهرب الليبي الخطير، مرعي محمد المرغني، الملقب بالحاج وليد، والذي يُخفي هؤلاء المهاجرين حتى اليوم، وسط صمت المنظمات الحقوقية في ليبيا عن الانتهاكات الجسيمة الذي يقع بحق المهاجرين، إذ ترجح مصادر أنه يجري بيعهم لمهربين أفارقة في تشاد والنيجر وبيعهم هناك كأعضاء بشرية.