عودة شيخ حوران وضرورة تأسيس مرجعية حوران الاجتماعية والسياسية
كتب المقال: محمد حمدي عياش الخصاونة
تنويه: المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.
يعود هذا اليوم بحفظ الله ورعايته إلى أرض الوطن شيخ حوران “الشيخ ناصر محمد خير الحريري” الأخ الكبير أبو صايل، بعد أن شهد له تاريخ الثورة – ثورة الكرامة والحرية – بمواقفه الكفاحية النضالية، فقد كان عضواً سابقاً في مجلس الشعب – عن فئة المستقلين – وكان من أوائل الأعضاء الذين انشقوا عن مؤسسة السلطة التشريعية المزيفة للنظام الهالك، واضطر تحت تهديد الأجهزة الأمنية الطائفية لمغادرة أرض الوطن إلى الأردن الشقيق.
فوجد نفسه محاطاً بمحبة الأشقاء الكرام من أهلنا في الأردن العربي الهاشمي الشقيق، لأنّ القيم الإنسانية لأي شعب تتبع القيم الأخلاقية للنظام السياسي ولا أحد يمكنه أن يزايد على أخلاق ومثل جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ملك الأردن الذي جسد بشخصيته وذاته كل دلالات المثل السياسية العليا لرجل الدولة الأول وللدوحة الشريفة العلياء.
وفي ظل هذه الإحاطة الأهلية الرعوية الهاشمية لم تكن سوريا والشعب السوري وثورته ونضاله وكفاحه غائبون عن الأدبيات اليومية للشيخ أبو صايل، ولم تكن حوران وأهالي حوران غائبين عن همومه اليومية، فكانت حوران حاضرة في قلبه ووجدانه وتواضعه ومكارمه وسجاياه التي عهدناها، متألماً لآلامها ومتطلعاً إلى اليوم الذي يرى نفسه قد عاد إلى أرض الوطن بعدما أصابه كل ما أصابه.
ونحن في حوران إذ نسعد بعودة الشيخ أبو صايل فإنا نرى بأن رسالته الثانية في الحياة ينبغي أن تبدأ بعد رسالته الأولى التي تحدى بها النظام الطائفي المرتد عن منطق النظام الدستوري الجمهورياني للدولة.
فقد كشفت الأحداث اليومية التي أوغرت الجراح في صدورنا في السنوات التي تلت عام 2018 ولغاية يوم انتصار الثورة، بأنّ حوران لاينبغي أن تبقى مجتمعاً عفوياً تلقائياً متداعياً لكل ماهو مجهول وخارج عن هويتها فاقدة لمرجعية اجتماعية وسياسية عليا، لأن العفوية والتلقائية قد تنهي شعب بحجم الهند والصين، بينما التنظيم المركزي للوعي قد يجعل من حيز صغير مكاناً عظيماً.
ونحن في حوران كان لنا فضل السبق بإنطلاق وقيادة الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، ودفعت قرية المسيفرة لوحدها آنذاك أكبر ثمن وأكبر تضحية في عدد الشهداء، ومع ذلك حينما تحررت سوريا من الاحتلال الفرنسي ظلمنا المؤرخ الوطني السوري وأنصفنا المؤرخون الفرنسيون من خلال وثائق الخارجية الفرنسية.
واليوم فإنه لم يعد خافياً على أحد بأن ثورة الحرية والكرامة ضد النظام الطائفي الدموي السفاح قد انطلقت من درعا البلد ومن الجامع العمري في 18 آذار 2011، وبقيت حوران لمدة شهرين وشوارعها تنزف دماً كل يوم، وبقيت هذه الدماء تنزف حتى آخر يوم وآخر ساعة، ومع ذلك أخذ بعض الفئويين ومن بعض أطياف المعارضة يتنكر لثورة الجامع العمري ودرعا البلد مغتراً ببعض ثقافته ومجتمعه، معتقداً بأن حوران اليوم هي ذاتها حوران قبل 100 عام.
لقد كانت حوران وسوف تبقى مصنعاً للرجولة والرجال ومنتجة للعلم والعلماء والمثقفين ورجال الأعمال وكبار الشخصيات، ومعلماً من معالم الإباء الوطني والاعتزاز بالإنتماء إلى سوريا الوطن.
ولكن حوران بهذا الزخم البشري الموهوب تفتقر إلى كتابة تاريخها بنفسها وإلى تشخيص هويتها الوطنية في تنظيم للوعي المرجعي، وتفتقر إلى تنظيم ذاتها في مرجعية أهلية عليا وهذه المرجعية لن تكون لفترة محددة بل تبقى بصفة دائمة مرافقة للأجيال ومتوارثة على شكل رسالة لا نهاية لها.
وهي مسؤولية كافة أعيان ووجهاء حوران الآن وأبناء حوران، هي مسؤوليتنا جميعاً كرجال أعمال وقادة ورموز ونخب ثقافية وطاقات علمية منتشرة في العالم.
لقد كنت شخصياً من أوائل من اقترح ملتقى حوران الأهلي الاجتماعي السياسي، وذلك لكي نؤسس لمرجعية تنظيمية عليا لأنً مجتمعنا مجتمع حوران هو المجتمع الأهلي الوحيد في سوريا الذي يفتقر إلى مرجعية إدارية مركزية، فمجتمعات المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص وحماة لديها أكثر من مرجعية وهي مرجعيات راسخة في الوجدان.
هناك مرجعيات علمية وثقافية ودينية وحزبية وهناك ثقافات إضافية وارتباطات بمرجعيات عالمية، وفي الجانب الشرقي من سوريا بالإضافة لإدلب هناك مرجعيات هوية قومية، وثقافات الصدى للمحيط.
وفي جبال العلويين استحوذ النظام الطائفي على مدى نصف قرن من ابتلاع الدولة من خلال ازدواجية دستورية مبتلعة في مشروع طائفي مقيت وحشي، وكانت كافة الطائفة العلوية عبارة عن مرجعية متضامنة مع نفسها في كافة سلوكيات الوحشية الإجرائية.
وفي جبل العرب ومنذ قرن وربما قبل ذلك كانت المرجعية الدينية الدرزية، ولازالت رقماً ومعادلة صعبة، كما لو كانت حدسية بوانكاريه في الرياضيات العالية، فساهمت المرجعية الدينية في جبل العرب في تحصين مجتمعها وذاتها من كل ماحدث وألزمت الآخرين بالتعامل معها واحترام خصوصيتها.
لأجل ذلك كله نحن في حوران في ضرورة تاريخية لتشكيل البنية التنظيمية الأفقية لمرجعية حوران العليا، بحيث نلتقي كوجهاء وأعيان ورجال أعمال وقادة ميدانيين وعلماء دين و مثقفين ونخب فكرية وطاقات علمية، ونتشاور في طرح الرؤية الفلسفية الاجتماعية والسياسية لتأسيس هذه المرجعية.
وينبغي التنويه بأن هذه المرجعية ليست حركة سياسية أوحزب سياسي موافق أو معارض لسياسة الدولة أو أي مرحلة سياسية محتملة من تاريخ سوريا المسقبل، وإنما هي فوق الحركية والحزبية.
هي مرجعية لتنظيم الوعي بالمحيط الحيوي ورافد للحياة السياسية في سوريا ومقدمة للإرتقاء بشخصية حوران الاعتبارية القانونية، هي مرجعية عليا للوعي وصمام أمان لمجتمع حوران في ظل أي تحولات سياسية محتملة في سوريا.
لأننا في سوريا نشهد الآن نهاية الجمهورية الثانية وولادة الجمهورية الثالثة المتصلة بولادة الجمهورية الأولى، لقد كانت جمهورية الاستقلال نموذجاً للدولة الوطنية ولكنها لم تكن أنموذجاً كافياً لتحول سوريا من دولة إلى جمهورية، بسبب الانقلابات العسكرية والحكومية والحزبية التي زعزعت أسس الوطنية.
ثم جاءت جمهورية البعث الطائفي كأسوأ نموذج في تاريخ البشرية لقيادة الدولة، خان النظام الطائفي النص العقائدي الايديولوجي لحزب البعث خاصته، وخان القومية العربية والوطنية السورية وأساء لسوريا أن جعلها لمدة نصف قرن في غيبوبة سياسية وغيبوبة حضارية.
ونحن اليوم نتجه باتجاه التحول إلى الجمهورية الثالثة، والتي ينبغي أن تعزز قيم التعافي الاجتماعي والسياسي والوطنية والسورية، ولدينا الآن إدارة واعية سمحاء جادة في بناء وطن التنوع الكبير.
ونحن في حوران بحاجة الى مرجعية عليا “مرجعية حوران الاجتماعية والسياسية”، وكما نما إلى علمي فإنه منذ سنة ونصف عكف مجموعة من مثقفينا في حوران على كتابة رؤية مرجعية حوران، ربما يكون شيخنا -الأخ الكبير أبو صايل- هو الرئيس الفخري الرمزي التأسيسي لهذه المرجعية.
وإذا لم تتحقق هذه الرؤية لهذه المرجعية في منظور سوريا الوطني، فإننا سوف نبقى كما كنا عالة على مجتمع الوسط والداخل و ذيول لأصداء الآخرين.
ونحن في حوران نشعر بالإنتماء لهذا التراب الأحمر المخضب بعرق الجبين و دماء الشهداء، ومزدان بوجوهنا السمحاء الطيبة وبإيماننا بكتاب الله تعالى وسنة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا ملهماً على الإبداع والتميز وهو الإمام النووي رحمه الله.
واليوم فإن جميع أعيان ووجهاء حوران أمام مسؤولية شخصية ووجدانية سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه للمساهمة في تأسيس هذه المرجعية الوطنية الجهوية العليا، ونحن نتجه نحو تأسيس الجمهورية الثالثة.
سوريا تحتاج في ظل الجمهورية الثالثة الجديدة لتنظيمها في منظمات مجتمع أهلي وأخرى منظمات مجتمع مدني
ووضع الأسس المنهجية للمشاركة السياسية، وتحديد ثوابت الدولة في السياستين الداخلية والخارجية.
لقد عانى مجتمعنا الأهلي من تداعي القيم وانهيار الشخصية الأهلية، حيث نشأ جيل مشوّش مضطرب في ظل ثقافة السلاح والزناد والاستخدام الزبوني المسخر، والزبونية التنظيمية والمافيوية، وظهر جيل جديد بعضه مرتبط بثقافات انغماسية مفتوحة بلا مبادئ، وبعضه الآخر جزء من منظومات الفوضى العميقة.
نحن بحاجة لحركة إحيائية لترميم المجتمع السوري، من تفكك قيمه العشائرية التي ارتبطت بمكارم الأخلاق والقيم الدينية الاتباعية، وخاصة بأن النظام الدموي، السفاح البائد أخضع سوريا لحكم طائفي احتكر الحياة الرسمية والشعبية في ظل ايديولوجيا حزبية مزيفة واستعدى على شعبنا بكل ماهو أجنبي، وكانت مسيرته السياسية سلسلة من الخيانات الوطنية اللامرئية والمرئية.
ونحن جميعاً معنيون بالعمل من كل مامن شأنه تعافي سوريا اجتماعيا واقتصاديا وانسانيا وأخلاقيا، ومرجعية حوران الأهلية الوطنية لن تكون إلا رافداً لصناعة الرجال الوطنيين الأحرار، ولما كان للشيخ ناصر محمد خير الحريري من رصيد المحبة في قلوبنا جميعاً، ما يؤهله لأن يكون شخصية الساعة والمرحلة واللحظة.
فإنا نهيب به وبكل أبناء ورجال حوران التعاون معاً لتأسيس مرجعية حوران الاجتماعية والسياسية، وفي حال تم الاتجاه بهذه الرؤية فسوف تكون مساهمتي الشخصية في كتابة النظرية السياسية الكاملة الشاملة لهذه الرؤية التحضيرية لتنظيم حوران في مرجعيا سياسية عليا.