لجان العمل الشعبي في حوران.. أدوات النظام السابق في ثوب جديد!
تجمع أحرار حوران – وسام محمد
بعد اتفاقيات التسوية التي أُبرمت منتصف عام 2018 في الجنوب السوري، لا سيما في محافظتي درعا والقنيطرة، واجه نظام الأسد الملخوع تحديًا كبيرًا يتمثل في تلبية الاحتياجات الأساسية لأهالي المنطقة.
من أبرز هذه الاحتياجات خدمات المياه، والنظافة، والتعليم، ومعدات الطاقة الشمسية لتشغيل بعض المؤسسات، وفي ظل عجزه عن توفير هذه الخدمات، لجأ النظام إلى استغلال المبادرات العفوية التي ظهرت في بعض القرى والبلدات، حيث بادرت المجتمعات المحلية إلى تنظيم حملات لجمع التبرعات تحت مسميات مختلفة.
استغلال المبادرات الشعبية
مع انطلاق حملات في بعض قرى ومدن ريف درعا لجمع الأموال لشراء معدات الطاقة الشمسية وتشغيل آبار المياه تحت شعار “سقيا الماء”، استغل النظام الفرصة لتوجيه هذه الجهود نحو تشكيل لجان أطلق عليها اسم “لجان العمل الشعبي”، تولّت المجتمعات المحلية اختيار أعضاء هذه اللجان، واعتمدت في الغالب على التمثيل العشائري لضمان قبول واسع بين الأهالي.
لكن النظام سارع إلى إحكام السيطرة على هذه التشكيلات من خلال إدماج عناصر موالية له، مثل أعضاء من حزب البعث أو أفراد ذوي صلات أمنية، كما استقطب رجال أعمال مقيمين خارج البلاد، عبر تقديم تسهيلات لهم مثل ضمان حرية التنقل بين سوريا والخارج.
توسّع الصلاحيات ودور موازٍ للمؤسسات الرسمية
مع نجاح حملات التبرع وتجاوزها الأهداف المالية المحددة، توسّعت لجان العمل الشعبي في نشاطها لتشمل مجالات أخرى، مثل صيانة شبكات الكهرباء والمدارس والمراكز الصحية، مما منحها شرعية تمثيلية أوسع بين الأهالي.
بمرور الوقت، أصبحت هذه اللجان تُنافس المؤسسات الرسمية، حيث تولّت أدوارًا محورية في إدارة شؤون القرى والبلدات، كما أقامت علاقات مباشرة مع المديريات المحلية، والمسؤولين الأمنيين، وحتى بعض الوزراء في حكومة النظام، مما عزّز نفوذها بشكل كبير.
مظاهر الفساد واستغلال الموارد
أفادت تقارير محلية عن فساد واسع في أداء لجان العمل الشعبي، حيث استغل بعض أعضائها الأموال المجمّعة بالعملات الصعبة لتحقيق مكاسب شخصية، تضمنت هذه الانتهاكات التلاعب بفوارق أسعار الصرف، وتقديم رشى للمسؤولين الأمنيين، وإيداع جزء من التبرعات في بنوك النظام ليُدار إنفاقها وفق توجيهات البلديات أو الجمعيات الخيرية الموالية للنظام.
بعد سقوط النظام، حاولت لجان العمل الشعبي التكيّف مع الواقع الجديد عبر تغيير مسمياتها إلى “لجان المجتمع الأهلي”، مدعية الابتعاد عن أي انتماء حزبي أو أمني، رغم المطالبات الشعبية بحلّ هذه اللجان، استمرت في توسيع قاعدتها عبر ضم أعضاء جدد من المغتربين وممثلي المؤسسات المحلية.
كما لجأت إلى تشكيل فرق شبابية مرتبطة بأعضائها لتأمين استمرار نفوذها، مما أثار مخاوف من محاولة هذه اللجان إعادة إنتاج ذاتها تحت مسميات جديدة.
مستقبل غامض وسط التغيرات السياسية
يرى مراقبون أن مصير هذه اللجان هو التفكيك التدريجي، مع تزايد الجهود لإعادة هيكلة المؤسسات الرسمية بناءً على الكفاءة والنزاهة، ومع تعيين محافظين جدد وتحسين إدارة المؤسسات، قد تتلاشى الحاجة لأي كيانات بديلة، ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوات في إحباط محاولات استغلال المرحلة الانتقالية من قبل بقايا النظام السابق، لضمان تحقيق انتقال سياسي مستقر وعادل.