التحرك الأمريكي الجديد في سوريا وحقيقة الصراع مع موسكو
تجمع أحرار حوران
بقلم : أبو ربيع الحوراني
بعد فشل وانكفاء الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما وترددها باتخاذ أية إجراءات أو حلول تجاه الأزمة السورية لسنوات مضت ، استطاعت روسيا استغلال هذا الفراغ ومنحت نفسها صفة الوكيل المعتمد بصلاحيات كاملة لإدارة هذه الأزمة بعد تدخلها العسكري القوي الذي غير كثيراً في الخارطة الميدانية ما جعل منها لاعباً وحيداً ومتحدثاً رسمياً باسم السوريين دون تكليف من أحد بعد أن تُركت تعبث بالوضع السوري دون رادع .
إلا أن الإدارة الحالية برئاسة “ترامب” وبعد أن شعرت بارتفاع أسهم روسيا سياسياً وتراجع الدور الأمريكي دخلت هي أيضاً بقوة على خط الأزمة مستغلة “الورقة الكردية” الوحيدة المتبقية لها في سوريا وفرضت نفسها لاعباً أساسياً على الساحة السورية بعد أن نأت بنفسها في مرحلة سابقة كادت أن تخرجها من اللعبة .
هذا التدخل السياسي والعسكري القوي لواشنطن فرض واقعاً جديداً وسبب إرباكاً حقيقياً لموسكو وحليفتها إيران وساهم مبدئياً في بعثرة بعض أوراقها السياسية من خلال إفشالها مؤتمر “سوتشي” بعد رفضها المشاركة فيه وإقناع كل من بريطانيا وفرنسا بعدم حضوره ماسبب لموسكو ضربة سياسية قوية غير متوقعة .
فيما تكررت مطالب موسكو من واشنطن بضرورة مغادرة قواتها الأراضي السورية بحجة قضائها على “الإرهاب” واتهمتها أيضاً بمحاولة تقسيم سوريا من خلال التفرد بقراراتها دون التنسيق معها، إلا أن واشنطن أدارت ظهرها لهذا المطلب وأعلنت أن الحديث عن القضاء على الإرهاب سابق لأوانه مؤكدة أن لا نية لها بالخروج من سوريا قريباً حتى القضاء التام على “تنظيم داعش” وإعادة الهدوء والسلام لكافة الأراضي السورية ، وهذا ما أربك خطط موسكو ونوايا إيران وتطلعات النظام .
ومع ازدياد التوتر والجمود السياسي الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين تزداد معها حدة التصريحات النارية والاتهامات المتبادلة بسبب الخلاف على الكثير من الملفات الخاصة بالشأن السوري كان آخرها لجنة التحقيق المكلفة بملف الكيماوي والحملة العسكرية الحالية لقوات الأسد على الغوطة الشرقية، وهي بالطبع مؤشرات على أن الأمور بينهما قد تأخذ في الأيام أو الأسابيع المقبلة أبعاداً جديدة وربما خطيرة .
وعلى وقع ذلك يبدو أن هناك تحركاً أمريكي دولي يسعى للإمساك بالملف السوري ونقله للضفة الأخرى من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا هذه الدول التي حمّلت روسيا مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبها ويرتكبها نظام الأسد بسب توفيرها الحماية له على مدى سنوات مضت من خلال استخدامها “الفيتو” في مجلس الأمن الذي فشل حتى اللحظة في تبني أي قرار يدين هذه الانتهاكات ومرتكبيها .
فيما لم تتضح حتى اللحظة إن كانت هذه التحركات السياسية تأتي من باب الضغط على روسيا من أجل إجبار نظام الأسد على الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة أم أن هناك نية حقيقية لاتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية جديدة لمحاسبة هذا النظام بعد تحويل الملف السوري للجنائية الدولية لاحتوائه على جرائم حرب قد ترتقي لجرائم ضد الإنسانية .!
وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول لإيجاد حلول سياسية تنهي الأزمة السورية تسعى في المقابل كل من الولايات المتحدة وروسيا لتحقيق مكاسبها وأحلامها على الأرض السورية على حساب دماء ودموع ومعاناة كل السوريين بعد سيطرة القوات الأمريكية في الشمال السوري على حقول النفط والغاز بحجة حماية الأكراد بينما ضمنت روسيا رسمياً مشروع إعادة الإعمار في سوريا بعد أن ساهمت مساهمة فاعلة في دمارها .
سيبقى هذا التباين في المواقف هو عصب الصراع الحالي الذي سيطيل أمد الأزمة ويبقي الجرح السوري مفتوحاً ينزف إلى أجل غير مسمى طالما بقيت الدول الكبرى والإقليمية تنظر إلى ما يجري في سوريا من منظور المصالح الضيقة لتحقيق المواقف السياسية والمكاسب الاقتصادية لكل منها دون النظر للمأساة التي يعيشها السوريون جراء تدخلها المباشر الى جانب اجرام النظام ما يبقي الأزمة السورية تراوح مكانها مع تضاؤل فرص الحلول السياسية لها أو ربما انعدامها .!
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.