23 آذار.. ذكرى الفزعة لدرعا “حين كنّا يداً واحدة”!
تجمع أحرار حوران – هند مجلي
في ذلك النهار الدامي، في 23 آذار/مارس 2011، بعد تلك الليلة الدامية التي تم فيها اقتحام الجامع العمري وقتل المعتصمين هناك، وفي أول مظاهرة حاشدة في الثورة السورية، تجمّع الآلاف من أبناء ريف درعا في مدينة الحراك ونظّموا مظاهرة ضخمة وتوجهوا إلى مدينة درعا مشيًا على الأقدام، مُعلنين تضامنهم مع أهلهم في درعا البلد ومنادين بالحريّة وفكّ الحصار عن الجامع العمري وهاتفين “الجيش والشعب إيد وحدة”.
كان المطر غزيرًا في ذلك اليوم، و تلبّدت سماء درعا بالغيوم السوداء، ولم يكن في حسابات أحد ذلك الكمين الذي كان بانتظار الشباب المتظاهرين لدى وصولهم إلى درعا، فقد اعتلى عناصر الأمن الأبنية المحيطة على جانبي مدخل درعا، متربّصين بالمتظاهرين القادمين إلى درعا، والحاملين بأيديهم أغصان الزيتون، وعلى الفور بدأ إطلاق الرصاص الغزير على أجسادهم.
استشهد وجرح العشرات منهم في جو من الرعب والمفاجأة، وفي وسط هذا الرعب تفرّق المتظاهرون في اتجاهات مختلفة، لتدوس أقدامهم على مزيج المطر والدم النازف من جراح الشهداء والمصابين، دخلوا الحارات الضيّقة، في حي شمال الخط القريب من الشارع العام، وسرعان ما فتحت البيوت أبوابها وقلوبها للهاربين من الرصاص، مرحّبة بهم وملهوفة عليهم، وكانت الملاذ الآمن الذي هدّأ من روعهم وأنقذهم من رصاص الموت الذي كان يطاردهم.
وكان لأحد هذه البيوت نصيب أن يستقبل مجموعة من الشباب اليافعين المتظاهرين الهاربين من هول الصدمة وزخات الرصاص المنهمر مع حبات المطر وملاحقة عناصر الأمن.
احتفى بهم صاحب البيت وقدّم لهم الطعام والشراب والدفء، وعرف منهم أسماء القرى التي يعيشون فيها لإيصالهم بسيارته إلى بيوتهم وطمأنة أهاليهم، وفي الطريق إلى بيوتهم لفت انتباهه شاب منهم، بدا مُتعبًا ومرهقا جدًا، يتصبّب العرق من وجهه ومن سائر جسده بسبب حرارته المرتفعة، فسأله في قلق إن كان هناك ما يؤلمه فأجاب الشاب : لا شيء .. لا شيء، أنا مريض منذ عدة أيام وكنت طريح الفراش حتى هذا اليوم، إلّا أنّ الشباب تجمّعوا في قريتنا للانطلاق إلى درعا فزعة لأهلنا هناك ولفك الحصار عن الجامع العمري، فأيقظني والديّ وأنهضاني من فراشي وطلبا مني أن ألتحق بأقراني وأشاركهم في مظاهرة الفزعة لدرعا، ولبّيت الفزعة، ولم أكن يومًا إلا كما رباني والديّ، نصيرًا للمغلوب، ولم أكن يومًا نذلًا.