طبول الحرب تُقرع في الجنوب السوري .!
تجمع أحرار حوران
بقلم : أبو ربيع الحوراني
بعد أن شهد الجنوب السوري هدوءاً نسبياً بدخول اتفاق “خفض التصعيد” العام الماضي حيز التنفيذ والذي وقعت عليه كل من الولايات المتحدة وروسيا والأردن يعود الجنوب اليوم إلى الواجهة من جديد ويتصدر الأحداث الميدانية بعد التهديدات التي صدرت عن قادة عسكريين تابعين للنظام باقتراب معركة الحسم .
فعلى وقع طبول الحرب يعيش الجنوب اليوم حالة من الترقب والانتظار حول ما ستؤول إليه الأمور بعد المعلومات والتحليلات التي تحدثت عن قرب شن قوات الأسد هجوماً واسعاً للسيطرة على الجنوب ترافق ذلك مع استقدام النظام لتعزيزات عسكرية إضافية لبعض نقاطه في ريفي درعا والسويداء وأخرى في القنيطرة تبعها بدء قصف مدفعي وغارات جوية محدودة على بعض مدن وبلدات ريف درعا الشرقي .
يأتي ذلك وسط تحذيرات أمريكية معلنة للنظام من مغبة القيام بأي أعمال عسكرية في الجنوب تهدد اتفاق “خفض التصعيد” الذي وقعت عليه الدول الثلاث الراعية ، يقابل هذا صمت روسي يشوبه الكثير من الغموض والريبة .
في المقابل أعلنت فصائل المعارضة في الجنوب عن موقفها من ذلك ،وأبدت
استعدادها التام للدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها ضد أي هجوم محتمل لقوات النظام والميليشيات الموالية لها ، وتوعدت بهزيمتهم بعد أن توحدت نسبياً واستعدت جيداً لهذه المعركة حسب بعض المعلومات وتصريحات بعض القادة .
لا شك أن هناك نية حقيقية من قبل قوات النظام ومن خلفها روسيا التي ترغب بإعادة سيطرة النظام على ما تبقى من مناطق تخضع لسيطرة المعارضة بما فيها محافظتي درعا والقنيظرة ، يأتي ذلك بعد أن فشل النظام ومركز المصالحات الروسي في الضغط على الحاضنة الشعبية لإقناع الفصائل بتسليم سلاحها وتهجيرها كما جرى في الكثير من المناطق .
إلا أن هذه الفصائل رفضت ذلك بعد أن استفادت كثيراً من الدروس السابقة التي وقعت بها الكثير من المناطق ، وتصر على إبقاء سيطرتها على المناطق التي تراها حيوية وضرورية والتي لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها كونها مكتسبات دفعت ثمنها الكثير من التضحيات ..
لقد حذرت أمريكا نظام الأسد أكثر من مرة بعد استعادته للغوطة الشرقية من مغبة قيامه بأية عملية عسكرية تستهدف الجنوب من شأنها تهديد اتفاق “خفض التصعيد” الذي وقعت عليه باعتبار الجنوب أحد مناطق نفوذها ويقع على تماس مباشر مع حليفتها الأردن والكيان الصهيوني خشية وصول الميليشيات الإيرانية إلى حدودهما ما يشكل تهديداً مباشراً لهما وهذا ما أبدته اسرائيل في مرات سابقة من خلال رسائل تحذيرية عدة وجهتها لإيران عبر الرئيس “بوتين” في أكثر من لقاء جمعه مع “نتنياهو” .
إلا أن تصريح “ليبرمان” قبل أيام كان لافتاً للجميع عندما أعلن أن “لا تواجد للميليشيات الإيرانية في جنوب سورية” ما يطرح تساؤلات عدة حول هذا الإعلان ودوافعه وخاصة بعد لقاءت علنية وسرية كثيرة جمعت قادة اسرائيليين وروس .
هذا التصريح سبقه هدوء ميداني وإعلامي بين طهران وتل أبيب ما يشير إلى وجود تفاهمات غير معلنة مع إيران عبر الوسيط الروسي وإذا ما صح هذا وحصلت اسرائيل على ضمانات روسية بعدم اقتراب الميليشيات الايرانية من حدود الجولان المحتل فإنها وبالتأكيد أي إسرائيل لن تعارض من قيام نظام الأسد بإعادة السيطرة على الجنوب باعتباره الضامن الحقيقي لحماية أمنها نظراً لثقتها العمياء بقدرته على ذلك.
لكن ورغم التصريحات والتطمينات الإيرانية التي تحدثت عن عدم تواجد أية ميليشيات لها في الجنوب أو عزمها المشاركة في أية معركة قادمة هناك، إلا أن بعض التقارير الروسية أكدت أن هذه الميليشيات تم دمجها مع قوات النظام بشكل فعلي ما يعني أن التواجد الإيراني في الجنوب مازال قائماً بالسر وهذا يؤكد أن قوات النظام منفردة لا يمكن لها تحقيق أي تقدم على الأرض دون مشاركة هذه الميليشيات إلى جانبها أو توفير التغطية الجوية الروسية اللازمة لها حسب خبراء ومحللين عسكريين .
مازالت المساعي قائمة بين الأطراف الراعية للتوصل إلى تفاهمات تسمح ببقاء اتفاق “خفض التصعيد” وضمان تحقيق رغبات كل طرف من الأطراف وهذا الأمر يبدو صعباً إلى حد ما نظراً لتعارض الأهداف والمطالب لكل طرف ، وإذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى تفاهمات وحلول فالأمور مفتوحة على كل الاحتمالات .
وإذا ما صدقت التحذيرات الأمريكية وفكرت روسيا بإعطاء الضوء الأخضر لنظام الأسد وقدمت له التغطية الجوية لشن حملة عسكرية واسعة تطال كل الجنوب فقد يكون لذلك تداعيات دولية واقليمية ومواقف حازمة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة قد تفضي إلى تدخل عسكري محدود أو استخدام القوة لمنع ذلك، وربما إعلان الجنوب السوري منطقة محظورة الطيران بقرار أمريكي منفرد وتوافق دولي وإقليمي بعيداً عن أي قرارات أممية ، وهذا مرهون بالمواقف والمستجدات .
أما الأردن فمن الواضح أنه يسعى بكل جد لإبقاء اتفاق “خفض التصعيد” في الجنوب قائماً ويعمل على منع تفجير الوضع على حدوده الشمالية خوفاً من تدفق عشرات وربما مئات الآلاف من المدنيين السوريين الفارين من الحرب باتجاه هذه الحدود طلباً للأمان ما قد يفاقم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن في هذه المرحلة وخاصة بعد ماشهده الشارع الأردني من احتجاجات شعبية واسعة أطاحت بالحكومة .
لذلك يعتبر الأردن أن إبقاء اتفاق خفض التصعيد هو الحل الأمثل في هذه المرحلة والذي يضمن سلامة حدوده وفتح المعبر الحدودي مستقبلاً لتحسين وضعه الاقتصادي ، ويرى أن استقرار الأوضاع في الجنوب قد يدفع بالكثير من اللاجئين السوريين في الأردن بالعودة إلى بلدهم ما يخفف من العبء الاقتصادي الذي يتحمله الأردن نتيجة ذلك ريثما يتم التوصل لحل سياسي شامل ينهي المأساة السورية .
فيما استبعدت بعض الأوساط السياسية والعسكرية وقوع أية معركة شاملة في الوقت الراهن في ظل المحاولات التي مازالت قائمة من قبل الدول الراعية لنزع فتيلها رغم تضارب مواقف كل من امريكا والأردن من طرف وروسيا والنظام من طرف آخر والتي لم تفضي حتى اللحظة لأي تفاهمات واضحة بشأن الجنوب ، فلكل طرف من هذه الأطراف مصالحه وحساباته الخاصة ويعمل على تحقيقها .
ومعركة الجنوب الكبرى إذا ما وقعت فإنها تختلف كثيراً عن باقي المعارك التي خاضتها قوات النظام في مناطق أخرى على الخارطة السورية وستكون مكلفة كثيراً لها نظراً لانخراط معظم فصائل الجنوب فيها والبالغ عددها حوالي 53 فصيل إلى جانب الإمكانات والاستعدادات التي تم التحضير لها من قبل هذه الفصائل .
هذه الفصائل تسعى ما أمكن على محاولة ضبط النفس والرد فقط على الخروقات وذلك لتفويت الفرصة على قوات النظام والميليشيات الموالية لها ومن خلفهم روسيا التي تعمل على نسف اتفاق “خفض التصعيد” وجر الفصائل لمعركة تزعزع من خلالها أمن الجنوب بنية تحقيق مكاسب ميدانية تخدم نظام الأسد وهذا ما حذرت منه الولايات المتحدة التي تسعى لإبقاء هذا الإتفاق حيز التنفيذ كخطوة أولى لإخراج الجنوب من قبضة نظام الأسد ليكون نقطة الانطلاق باتجاه ترتيبات جديدة تمهد لتسوية سياسية قد لا ترغبها روسيا ولا نظام الأسد.
وإذا ما فكرت قوات الأسد بفتح معركة كبيرة في الجنوب فإنها ستتبع تكتيكاً جديداً في عملياتها العسكرية ، فسياسة الحصار وقطع طرق الإمداد التي اتبعتها في مدن وبلدات الريف الدمشقي قد لا تنطبق على الجنوب بسبب طبيعة الأرض التي قد لا تعطيها هامشاً كبيراً للتمويه والمناورة ولأن حدود الجنوب تتصل بالجوار ، وقد تلجأ لسياسة جديدة قديمة وهي عملية القضم البطيئ وتقطيع أوصال المناطق ، وما يجري من محاولات لها في منطقة اللجاة يؤكد صحة هذه الفرضية وعلى الفصائل أن تعي هذه المسألة وتتعامل معها بشكل جدي .
لا شك أن النظام يريدها معركة فاصلة للسيطرة على الجنوب لتحقيق نصر عسكري يوازيه نصر معنوي هو الأهم بالنسبة له ويعني له الكثير كون الجنوب وتحديداً محافظة درعا هي معقل الثورة وشعلتها ويعتبر أن السيطرة عليها يعني إخماد هذه الشعلة إلى غير رجعة.. في المقابل فإن معظم فصائل الجنوب والتي استعدت جيداً لهذه المعركة وبشكل كبير تنظر لهذه المعركة بأنها معركة حياة أو موت .. موت بشرف أو حياة بكرامة .
قد لا تكون الفصائل هي البادئة بها لكنها ستكون حاضرة في قلبها وبقوة إذا ما فُرضت عليها وأجبرت على خوضها وستكون خير من يدافع عن الأرض والعرض والكرامة لتبقى درعا شعلة الثورة ومعقلاً ومحجاً لكل الأحرار ..
وليعلم النظام وأعوانه ومرتزقته أن الطريق إلى درعا ليس مفروشاً لهم بالورود .!
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.