كيف قتل “لؤي العلي” رئيس الأمن العسكري بدرعا المهندس “معن العودات” ؟
تجمع أحرار حوران – هند مجلي
حارب نظام الأسد ثورة السوريين منذ لحظة انطلاقتها الأولى، ووجهت للثورة انتقادات وتهم كثيرة، كاتهام المتظاهرين الأوائل مرة بالسلفية ومرة أخرى بأنّهم عصابات مسلحة وعملاء للخارج.. بالإضافة إلى انتقادات الرماديين بأنّها ثورة بلا قائد يقودها.. ليتم إنكارها بالمطلق وإنكار أنّها ثورة شعبية سلمية تسعى للإصلاح والتغيير من أجل سورية لتكون دولة ديمقراطية، دولة المواطنة والحرية والعدالة والكرامة والقانون.
كنت شاهدة على الثورة منذ لحظاتها الأولى، وكان بديهيًا جدًا أن أقف إلى جانب الحق، فاخترتها، وكان لي شرف المشاركة في الحراك المدني السلمي وشرف أن أكون من أوائل النساء المتظاهرات والمشاركات في تنظيم المظاهرات والاعتصامات ونشاطات الحراك السلمي، وبالتالي شرف أن أكون أول معتقلة في سجون الأسد.
لم أعرف المهندس “معن العودات” قبل الثورة، ولا أحمل في ذاكرتي إلّا صورته في المظاهرات التي ماغاب عنها يومًا، كان معن قائدًا حقيقيًا بكل معنى الكلمة، وكان ممن رسموا طريق الحرية لسورية قاطبة..
أحبَّ الناس وأحبوه وكان دائمًا في مقدمة المظاهرات والاعتصامات موجهًا للمتظاهرين وهاتفًا هتافات وطنية جامعة لكل السوريين ستظل خالدة في ذاكرتنا للأبد..
منذ المظاهرة الأولى في ساحة السرايا بدرعا المحطة عمل مع المتظاهرين الآخرين على الدعوة لنبذ الطائفية رغم عدم وجود بوادر لها في درعا، لأنه كان واضحًا أنّ النظام السوري سيعمل جاهدًا لإشعال فتنتها في سورية.
لم يُفكّر المناضل “معن العودات” ولا غيره من المناضلين الآخرين إلّا بمصلحة الشعب السوري، ولذلك رفضوا التدخلات الخارجية والارتهان لها منذ أول أسبوع للثورة، ولم يكن لهم أي ارتباط مع دول أخرى، وحاربوا كل الدعوات لانقاذهم والتي لم تكن إلّا استغلالًا لتضحياتهم، ولم يعوّلوا إلّا على السوريين أنفسهم.. عمل “معن العودات” جاهدًا لنبذ دعوات العنف والتي رأى فيها تدميرًا لثورتنا السلمية..
كثيرًا ماتذكرت لحظة وقفت باصات الأمن أمام باب السرايا وتوجّه عناصر الأمن باتجاهنا في مظاهرتنا اليومية في ساحة السرايا وهم يحملون البواريد والعصي، كانت المرّة الأولى التي نتعرّض فيها لمثل هذا الموقف وصِرنا نسأل بعضنا ماذا نفعل؟
نظرتُ باتجاه معن والذي مباشرة قال: أنا لن أهرب.. سأبقى في مكاني.. وهربتُ أنا مع آخرين.. سمعت بعد ذلك أنّ عناصر الأمن أوسعوه ضربًا بالعصي والبواريد هو ومن أمسكوا بهم، ومن ثمّ تم اعتقالهم، وكما سمعت ممن كانوا معه في الاعتقال، عناصر الأمن بالغوا جدًا في تعذيب معن..
وفي مظاهرة 15 نيسان 2011 بعد لقاء الوفد برأس النظام “بشار الأسد” في اليوم السابق، تجمّع المتظاهرون في ساحة السرايا ورأيت المهندس معن العودات، فرحت جدًا واقتربت منه لأسلّم عليه وأباركَ له بحريّته، كان قد وصل من دمشق إلى درعا للتو والتحق بالمظاهرة فور الإفراج عنه، دون أن يذهب لبيته وأهله، بادرته قائلة : مبروك أستاذ معن والحمد لله على سلامتك.. قاطعني فورًا وقال : ماذا فعلت وماذا قدمت ؟! أنا لم أُقدّم شيئًا.. الناس قدمت أرواحها..
في مساء نفس اليوم توجّه المتظاهرون إلى ساحة الاعتصام في درعا البلد، مهد الثورة السورية، للمشاركة بالاعتصام المسائي اليومي هناك، والتقيت مرة ثانية بالمهندس “معن العودات” وكان برفقته زوجته وأولاده، وحين هنّأتهم بسلامته ردّت زوجته قائلة : “هل تعلمينَ يا هند أنّنا التقينا به هنا في ساحة العمري ؟ هل تعلمينّ أنّه خرج من المعتقل وتوجّه إلى المظاهرة فورًا ؟! لم يذهب إلى البيت مطلقًا”..
عاشت درعا بعد ذلك التاريخ عشرة أيام من الحرية والفرح، في النهار كانت مظاهرات السرايا ومساءًا اعتصام العمري، وهنا وهناك كان معن ليبرز كقائد لأجمل ثورة سلمية..
بعد اقتحام قوات الأسد لدرعا البلد في 25 نيسان 2011 تم اعتقال “معن العودات” لمرة ثانية وأُفرج عنه بعد أسبوع ليتابع من جديد نضاله الثوري والذي تحوّل إلى مظاهرات سريعة أثناء تشييع الشهداء..
أصبح معن كابوسًا مُرعبًا للنظام الذي مالبث أن اعتقله من جديد، للمرّة الثالثة، بتاريخ 3 تموز 2011 بعد أن نُصب له كمينًا في حي طريق السد بدرعا المحطة، حيث تم ضربه وتقييده ووضعه في صندوق سيارة لقوات الأسد..
بعد اعتقال دام شهرًا في سجون الأسد تعرّض معن خلاله لشتى أنواع التعذيب، أُفرج عنه مع تهديد بتصفيته إن شارك مجددًا في أي مظاهرة..
وفي 8 آب 2011 وبعد الإفراج عن معن العودات بعدة أيام، كان استشهاد الشاب “محمد منهل الكراد” تحت التعذيب في سجون الأسد بعد اعتقاله في 7 آب 2011 الساعة الواحدة ليلًا، وكان لمعن أن يُشارك في تشييع الشهيد ودفنه، إلّا أنّ قوات الأسد حاصرت المكان، فبدأ المُشيّعين بالهتاف بصوت قوي، وهنا تدّخل معن مُهدّئًا للطرفين قائلًا : يا شباب.. ما بدنا دم.. ما بدنا دم..
بعد دقائق تم إطلاق النار على المُشيّعين وإصابة معن في خاصرته ووقع على الأرض ولم يتمكن أحد من إسعافه بسبب إطلاق النار من قبل قوات الأسد على أي أحد يُحاول الاقتراب من معن، ومن ثم اقترب مسؤول الأمن العسكري في درعا “لؤي العلي” وأطلق رصاصة من مسدسه على وجه “معن العودات” ليرتقي شهيدًا..
وكان استشهاد المهندس “معن العودات” الذي بقي مُصرّاً على الحفاظ على سلمية الثورة رغم كل الضغوط التي تعرض لها، يُعتبر نقطة تحوّل في مسار الثورة التي أرغمها نظام الأسد بُعنفه للتسلّح، فبقتل “معن العودات” قتل النظام السلمية ورمزها.
من هو لؤي العلي؟
انخرط لؤي العلي في السلك الأمني، وتدرّج في المناصب حيث عمل في قسم الأمن العسكري بنوى برتبة ملازم، وكان يتبع لفرع المخابرات العسكرية في السويداء، ثم نُقل إلى قسم الأمن العسكري في إزرع برتبة نقيب، وخدم بعد ذلك في قسم الأمن العسكري بالصنمين ودرعا برتبة مقدم، وفق موقع “مع العدالة” المتخصص بتوثيق انتهاكات شخصيّات سورية.
وفي عام 2011، رُفع إلى رتبة عقيد، وتم تعيينه رئيساً لقسم الأمن العسكري بدرعا بعد خضوعه لدورة عسكرية في السودان، وعُرف بتعصبه الطائفي ونزعته الإجرامية في التعامل مع أبناء محافظة درعا، حيث اعتمد عليه النظام في قمع الاحتجاجات السلمية بالمحافظة، فكان أحد المشاركين في اقتحام الجامع العمري بمدينة درعا، والذي أسفر عن استشهاد 30 شخصاً، وإصابة واعتقال العشرات.
واشترك مع العميد وفيق ناصر والعميد سهيل الحسن في التصدي للمتظاهرين الذين حاولوا فك الحصار عن مدينة درعا في 29 أبريل/نيسان 2011 ما أدى إلى استشهاد 120 شخص واعتقال مئات آخرين، ثم شارك في عمليات الدهم والاقتحامات، وفي حصار المدينة خلال الفترة 25/4/2011-5/5/2011، ومن ثم اجتياحها وجمع شبابها في الملعب البلدي، حيث تمت تصفية نحو ألفي شخص بدم بارد.
كما يعتبر المسؤول المباشر عن إصدار الأوامر باستهداف أحياء درعا البلد المحررة والأحياء الخاضعة لسيطرة الأمن العسكري بقذائف الهاون وإلصاق التهمة بفصائل المعارضة، وبشن حملات مداهمة مدعومة بقوات عسكرية ضد عدد من مدن وبلدات محافظة درعا، خاصة في ريف درعا الشرقي في العام 2012، ومن أبرز تلك الحملات:
اقتحام بلدة صيدا في أيار 2012.
اقتحام بلدة الغارية الغربية في حزيران 2012.
اقتحام بلدة الكرك الشرقي في تشرين الأول 2012 والتي كانت آخر حملاته قبل استهداف موكبه من قبل فصائل المعارضة على الطريق قرب بلدة خربة غزالة، حيث أصيب بجروح ثم تماثل للشفاء وعاد لممارساته الإجرامية.
والعقيد لؤي العلي خاضع للعقوبات الكندية والبريطانية والأوربية نتيجة لدوره الاجرامي بحق أبناء الشعب السوري، الأمر الذي دفع النظام لترفيعه إلى رتبة عميد وتعيينه رئيساً لفرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية خلفاً للعميد وفيق ناصر مطلع عام 2018.
وفي هذه المرحلة توجّهت أصابع الاتهام إلى العميد لؤي العلي بارتكاب عمليات الخطف والابتزاز في محافظتي درعا والسويداء، وإنشاء شبكات خاصة به لاختراق صفوف المعارضة، وفرض المصالحات على المدن والبلدات بدرعا، وتهجير سكانها قسرياً، وذلك بالتعاون مع اللواء رمضان رمضان قائد الفرقة التاسعة والعقيد نزار فندي قائد كتيبة الاقتحام في الفرقة التاسعة، حيث يعتبر هؤلاء الضباط الثلاثة المسؤولون الرئيسون عن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت في محافظة درعا.
وعمل العميد العلي عقب توقع اتفاقية التسوية مع فصائل المعارضة بدرعا في تمّوز 2018 على تشكيل مليشيات محلّية يتزعمها قياديّون سابقون في فصائل المعارضة، أبرزهم القيادي “مصطفى المسالمة” المعروف باسم (الكسم)، والقيادي السابق في جيش اليرموك “عماد أبو زريق”، والقيادي السابق في جيش الثورة “وسيم الزرقان”، وتعمل هذه المجموعات على اختطاف معارضين لنظام الأسد ومن ثمّ تسليمهم إلى فرع الأمن العسكري بمدينة درعا، إضافة لقيامهم بعمليات اغتيالٍ تطال معارضين للنظام.