درعا.. عام على تسوية “هشّة” || التقرير الإحصائي للانتهاكات
تجمع أحرار حوران – أحمد المجاريش
تعيش محافظة درعا جنوبي سوريا، بعد نحو عام من سيطرة قوات الاسد والمليشيات الطائفية عليها بدعم من الاحتلال الروسي، ظروفًا صعبة وأشد تعقيدًا من سنوات الحرب السبع التي مر بها الجنوب السوري، وذلك في ظل انعدام الأمان والأمن واستمرار الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأسد بحق أبناء المنطقة.
وضعت الحرب أوزارها في الجنوب السوري بعد تسليم الفصائل المقاتلة السلاح الثقيل لقوات الأسد وإعلان وقف إطلاق النار، من خلال اتفاقيات المصالحة التي رعاها المحتل الروسي في تموز العام الماضي والتي مهّدت لنظام الأسد وأفرعه الأمنية الطريق للسيطرة تدريجيًا على المحافظة بشكل كامل.
وكجزء من الاتفاقيات، تم منح الفصائل المقاتلة المحلية والمدنيين إمكانية الاختيار بين الإجلاء إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة أو البقاء “وتسوية وضعهم” مع نظام الأسد وهي عملية تهدف إلى إعادة دمج المجتمعات، التي كانت تسيطر عليها الفصائل في السابق، مع نظام الأسد.
انتهت سيطرة قوات الأسد على درعا “مهد الثورة السورية” بتهجير نحو 12 ألفًا من أبناء درعا الّذين رفضوا التسوية إلى الشمال السوري بينما ظل باقي السكان ضمن قراهم ومدنهم رافضين عملية التهجير يعانون الملاحقات الأمنية والاعتقالات والاغتيالات وسوء الخدمات المعيشية والتجنيد الإجباري.
الوضع الأمني
استمرار الاعتقالات
نصّت اتفاقات “العام الماضي” على منح سكان درعا الراغبين في البقاء ضمانات بعدم ملاحقتهم من قبل الأفرع الأمنية، إلّا أنّ قوات الأسد تعتمد على حواجزها المنتشرة بين قرى ومدن محافظة درعا بتنفيذ عمليات الاعتقال بالإضافة لمداهمة المنازل.
وعمل تجمع أحرار حوران على توثيق معظم من اعتقلتهم حواجز قوات الأسد منذ تموز 2018 حتى إعداد التقرير، والبالغ عددهم 692 معتقلًا من أبناء المنطقة غالبيتهم من حَمَلَة بطاقات التسوية، ومن بينهم شخصيات عملت سابقًا في المجالس المحلية وفي مجال الإغاثة.
وبحسب الإعلامي “عقبة محمد” مدير مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران، فإنّ من بين المعتقلين الموثّقين 29 سيدة، أُفرج عن قسم من السيدات خلال فترات سابقة، و18 قيادي سابق في الجيش الحر.
وردًا على استمرار الاعتقالات والانتهاكات بحق أبناء المنطقة تشكّلت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها “المقاومة الشعبية” في تشرين الاول العام الماضي وأعلنت، منذ ذلك الحين، مسؤوليتها عن مجموعة من التفجيرات والهجمات على مواقع قوات الاسد في درعا وريفها.
وفي محاولة لنظام الأسد تهدئة “بركان الجنوب السوري”، بحسب وصف ناشطون لتوتر الأحداث الأخيرة في محافظة درعا، فإنّه أفرج عن ثلاث دفعات من معتقلي درعا، أولها في 23 أيار 2019 شملت 15 معتقلًا، وثانيها في 30 أيار 2019 شملت 21 معتقلًا، والأخيرة كانت يوم 13 حزيران 2019 وشملت 25 معتقلًا، معظمهم ممن اعتقلوا حديثًا منذ سيطرة نظام الأسد على المحافظة.
وعوّض نظام الأسد، منذ سيطرته على محافظة درعا، إفراجه عن قرابة 70 معتقلًا من أبناء المحافظة باعتقال نحو 700 آخرين منها.
ويبقى مصير 4386 معتقل/ة من محافظة درعا، وثقهم تجمع أحرار حوران، مجهولًا في معتقلات نظام الأسد منذ آذار 2011، حيث قضى المئات من أبناء المحافظة جرّاء عمليات تعذيب مروّعة في سجون الأسد، كسجن فرع المداهمة 215 “المخابرات العسكرية” وسجن صيدنايا وغيرها.
الاغتيالات
لم يغب مشهد الاغتيال البتّة عن الجنوب السوري منذ أكثر من أربع سنوات، وكانت غالبية عمليات الاغتيال، قبيل مرحلة التسوية التي جرت في تموز الماضي، تستهدف قيادات في صفوف الفصائل المقاتلة آنذاك، أمّا اليوم فتطال ما يُسمى بقيادات التسويات ورؤساء بلديات وقيادات عسكريّة.
ووفق مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران، منذ تموز الماضي حتى إعداد هذا التقرير، جرت أكثر من 112 عملية ومحاولة اغتيال في درعا وريفها، أدّت لمقتل 51 شخصًا وإصابة 38 آخرين بجروح متفاوتة فيما نجى 23 شخصًا منهم.
وشملت الـ”51″ حالة اغتيال بمحافظة درعا، جرائم قتل بإطلاق النار بشكل مباشر من سيارات، دراجات نارية، عبوات ناسفة وخطف.
وبحسب مدير مكتب التوثيق “عقبة محمد” فإنّ القتلى الذين تم توثيقهم، 21 مدنيًا منهم من انضم سابقًا إلى هيئات ومجالس ثورية، ومنهم من عُرف بتعامله مع نظام الأسد، وتسعة آخرين من قيادات الفصائل المقاتلة سابقًا وجميعهم أجروا عملية التسوية مع قوات الأسد، التي كانت بضمانات روسيّة، و10 عناصر كانوا من ضمن الفصائل المقاتلة سابقًا تسعة منهم أجروا “التسوية”، و3 عناصر ممن عملوا مع تنظيم “داعش” في الجنوب السوري، وناشط إعلامي واحد.
ولم تتبنَ أيّ جهة مسؤوليتها عن عمليات الاغتيال في درعا، في حين يتهم أهالي وناشطو درعا مخابرات نظام الأسد والميليشيات الموالية لها، بالوقوف خلف عمليات الاغتيال التي تطال قياديين سابقين في الفصائل المقاتلة وشخصيات مدنيّة.
التجنيد الإجباري
عمدت قوات الأسد بعد سيطرتها على المحافظة إلى سوق المئات من الشبان للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في جيش الأسد، ثم دفعت بأعداد منهم نحو الجبهات المشتعلة في الشمال السوري، ليُقتل 25 شخصًا من أبناء المحافظة وثقهم التجمع.
ويعتمد نظام الأسد على بعض حواجزه المنتشرة في محافظة درعا وخارجها لسحب الشباب الذين يُمسك بهم فيها للخدمة الإلزامية والاحتياطية في جيشه مُجبرين، ومعظمهم يحملون بطاقات تسوية.
وتصاعدت عمليات التخلّف والانشقاق من أبناء محافظة درعا الملتحقين بجيش الأسد مؤخرًا، ليتم توثيق 124 حالة تخلّف وانشقاق، فبعد حصولهم على إجازة للعودة إلى منازلهم يلتزمون فيها ويتخلّفون عن العودة لقطعهم العسكرية، في ظل امتناع العشرات إجراء عملية التسوية منذ بداية الاتفاق ورفض الالتحاق بصفوف قوات الأسد وتلافي المرور بحواجزهم أو الاقتراب من مواقعهم العسكرية.
الوضع الخدمي
سوء الخدمات
على الرغم من مرور نحو عام على سيطرة قوات الأسد على الجنوب السوري وعودة المؤسسات الخدمية التابعة لنظام الأسد إلى مدن وقرى محافظة درعا، إلّا أنّ سكان المحافظة يشعرون بالقلق من تردي الوضع الخدمي وشح المواد الأساسية والوقود وغلاء الأسعار، وهو نوع من الانتقام على أهالي درعا كما يصفه أهالي المنطقة.
خالد الحوراني – اسم مستعار لدواعٍ أمنيّة – من مدينة جاسم بريف درعا قال لتجمع أحرار حوران أنّ “الخدمات في المدينة تراجعت بشكل كبير بعد سيطرة قوات الأسد عليها بسبب إنهاء عمل المنظمات الانسانية التي كانت تنشط في المنطقة، إذ كانت تقدم خدمات كبيرة لسكان المنطقة كاملة”.
وأضاف الحوراني أنّ “نظام الأسد أدخل فعلًا مؤسسات نظامه الخدمية إلى المدن والبلدات ولكن اقتصرت على مكتب وطاولة وكرسي وصورة لـ بشار الأسد دون العمل على إصلاح خطوط الكهرباء وشبكات المياه” موضحًا أنّه يوجد أحياء في جاسم ونمر وعالية لا تتوفر فيها الكهرباء والمياه التي تعتبر عصب الحياة.
وأشار الحوراني أنّ “أهالي المنطقة يعتمدون على شراء صهاريج المياه لسد حاجاتهم، ويصل سعر الصهريج الواحد إلى نحو 3500 ليرة سورية، وهو مبلغ كبير، لأنّ الأسرة الواحدة تحتاج إلى صهريج واحد كل عشرة أيام”.
وتحدث يوسف النواوي – اسم مستعار- من ريف درعا الغربي عن سوء الخدمات الطبيّة والتي وصفها بالسيئة للغاية، اذ تعاني المشافي والمراكز الطبية الموجودة في نوى والقرى الغربية، من نقص في الكادر الطبي والأدوات الطبيّة، مشيرًا إلى أنّ نظام الأسد يتقصّد تهميش الخدمات الطبيّة لتبقى العاصمة دمشق هي المركزالأساسي للعلاج، ليوهم الأهالي أنّه لا غنى عن دمشق ونظام الأسد.
وﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺗﺮﺩّﻱ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺨﺪﻣﻲ على ﺗﻴﺎﺭ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ والمياه والصحة، ﺑﻞ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺍلقمامة ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭغزت أحياء كما هو حال أحياء درعا البلد ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺒﻠﺪية ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻬﺎ حسب ما قاله مراسل تجمع أحرار حوران هناك.
مبادرات شعبية
سعى أهالي محافظة درعا لإطلاق العديد من المبادرات الشعبية الهادفة لإصلاح البنى التحتية في بعض قرى المحافظة بعد إخلال نظام الأسد بوعوده بتحسينها منذ سيطرته على المحافظة.
وبحسب مراسل التجمع فقد اعتمد أهالي المحافظة في معظم القرى والبلدات على أنفسهم في إصلاح منازلهم والبنى التحتية التي دمّرتها طائرات نظام الأسد والاحتلال الروسي أثناء قصفها العشوائي، من خلال المبادرات الشعبية بالتمويل الذاتي وجمع التبرعات من المساجد والمقتدرين والمغتربين والعمل بشكل هيئات محلية مستقلة سريًا حتى لا يتعرّضوا للمساءلة القانونية.
ومن الحالات التي وثّقها التجمع، في مدينة داعل بريف درعا الأوسط، تمكّن الأهالي من جمع مبلغ يفوق 16 مليون ليرة سورية في سبيل إعادة تأهيل شبكة الكهرباء، وفي بلدة الطيبة شرقي درعا سعى الأهالي لمبادرة شعبية لتأمين احتياجات الطلاب ضمن مدارس في البلدة.
وفي ظل عجز نظام الأسد عن تقديم الخدمات الأساسية للأهالي وتلبية متطلّباتهم، يلاحق تلك المبادرات الشعبية تخوّفًا من أنّها تتلقى دعمًا خارجًيا، وهو ما يعرقل مساع الأهالي الحثيثة لتأهيل قراهم للسكن، بل ويشكّل ضغوطات وعقوبات جماعية عليهم أحيانًا.
هجمات على مراكز أمنيّة
وردًا على استمرار انتهاكات قوات الأسد بحق أهالي درعا من جهة ونكث الطرف الروسي “الضامن” الوعود، وتهرّبه من تنفيذ “اتفاق التسوية” من جهة أخرى، تشهد محافظة درعا منذ سيطرة قوات الأسد عليها العديد من الهجمات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على مراكز قوات الأسد الأمنية وحواجزه المنتشرة في المنطقة.
ووثق تجمع أحرار حوران العديد من الهجمات على مواقع قوات الأسد منذ إجراء التسوية في تموز العام الماضي والتي كان آخرها مساء الاثنين 24 من حزيران، وذلك حسب مراسل تجمع أحرار حوران في المنطقة الذي قال إنّ مجهولين شنّوا هجومًا مباغتًا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على مقر المخابرات الجوبة ومخفر الشرطة في مدينة داعل بريف درعا الأوسط.
وبحسب التوثيق لدى التجمع فقد أسفرت مجموع الهجمات على مواقع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها عن مقتل أكثر من 25 عنصرًا وإصابة العشرات منهم، من بينهم ضباط برتب مختلفة.
كما شهدت المحافظة بعد سيطرة قوات الأسد على الجنوب السوري كتابات مناهضة لحكم الأسد والمطالبة بالمعتقلين على الجدران شملت معظم قرى وبلدات حوران ردًا على استمرار الانتهاكات القمعية بحق أهالي المنطقة، والاستفزازات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.
فيما وثق تجمع أحرار حوران خروج 4 مظاهرات في أحياء مدينة درعا واثنتين في طفس وداعل وآخرى في الصنمين منذ سيطرة قوات الأسد بسبب إهمال نظام الأسد لمطالبهم التي تقضي بإخراج المعتقلين من السجون وإعادة الخدمات فعليًا إلى المنطقة وبسبب انتشار الحواجز الأمنية في المنطقة كما نادوا بإسقاط نظام الأسد.
صراع بين حليفي الأسد
تشهد محافظة درعا بعد سيطرة قوات الأسد عليها حربًا -غير معلنة- بين فصائل مسلحة موالية لنظام الأسد، بعضها مدعوم من طهران وبعضها الآخر يتلقى دعمًا من موسكو، من خلال عمليات الاغتيال التي تتكرر بشكل مستمر وتستهدف على الدوام شخصياتٍ عسكرية من النظام والمعارضة في آنٍ واحد.
ويبدو الصراع واضحًا على هذه الجبهات بين المخابرات العسكرية والفيلق الخامس المدعومتين من روسيا من جهة، والمخابرات الجوية والفرقة الرابعة المدعومة من إيران من جهة أخرى.