تجمع أحرار حوران – أيمن أبو نقطة / عامر الحوراني
في آخر عملية اغتيال سُجّلت في محافظة درعا، مساء الأربعاء الفائت 11 من آذار، راح ضحيتها مدني وآخر كان يعمل سابقًا في فصيل يتبع للجيش الحر، وهي العملية العاشرة في محافظة درعا منذ مطلع الشهر الجاري “آذار 2020″، في مشهد ليس بغريب عن المحافظة منذ سيطرة نظام الأسد عليها في تموز 2018.
واغتيل كُلًا من المدني “إيهاب محمد المحاميد”، و”فرزات محمد المحاميد” أثناء تواجدهما في وسط بلدتهم أم المياذن، بتعرضهم لإطلاق نار من مجهولين ملثمين كانوا يستقلون دراجة نارية، مساء الأربعاء، أسعفهم الأهالي لمشفى درعا الوطني فيما بعد لكنهم فارقوا الحياة، وفق مصدر محلي لتجمع أحرار حوران.
وبحسب المصدر فإن فرزات كان يعمل لصالح فرقة أسود السنة التابعة للجيش الحر في محافظة درعا، وعند سيطرة نظام الأسد على المحافظة فرّ للأردن، لكنه عاد في وقت لاحق لبلدته في درعا وأجرى التسوية دون أن ينضم لأي جهة أمنيّة أو عسكريّة، بينما يملك إيهاب بقالة يعمل فيها في أم المياذن.
ولا يعدّ الشهر الحالي استثناءً بحدوث عمليات اغتيال متكررة بشكل شبه يومي، إذ تشهد المحافظة شهريًا ما يقارب 30 عملية اغتيال ينفذها مجهولون بحق أبناء المحافظة بمختلف تصنيفاتهم وانتماءاتهم، كما أوضح “أبو المجد” مدير مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران، والذي أشار لصعوبة عمل المكتب في ظل الأوضاع الأمنيّة المتدهورة، منذ تموز 2018.
أبناء حوران وقود وحطب
بالنظر في جميع عمليات الاغتيال، التي بلغ عددها ( 328 عملية ) حصلت في محافظة درعا، منذ سيطرة نظام الأسد عليها حتى منتصف آذار 2020، “تجد أن كل المستهدفين هم أبناء المحافظة والشكوك في الغالب حول الفاعل تتجه نحو ميليشيات محليّة مجنّدة من الأفرع الأمنيّة التابعة للنظام”، وفق تصريح أبو المجد.
ومن بين كل العمليات الموثقة بحق أبناء المحافظة، استهدفت 104 عمليات منها عناصر انخرطوا في صفوف جهات أمنيّة وميليشيات تتبع لنظام الأسد، عقب إجرائهم التسوية، أو تعاونوا معها، ويعتقد أن خلايا النظام الأمنيّة مسؤولة عن بعض تلك العمليات الموجهة نحو هكذا أشخاص لعدم وثوق النظام بهم واعتبارهم استخدموا انضمامهم لتشكيلاته كغطاء أمني لهم.
أما من رفضوا الانضمام لتشكيلات النظام سواء أجروا التسوية أم لم يجروها، من قادة وعناصر سابقين في فصائل المعارضة ومدنيين، بلغ عدد عمليات الاغتيال التي استهدفتهم 31 عملية، منهم من نجى وآخرين قضوا متأثرين بجراحهم، إذ يُستخدم في عمليات الاغتيال أساليب مختلفة منها إطلاق النار المباشر من قبل ملثمين أو عبر ركن عبوات ناسفة للهدف.
ولم تقتصر الاغتيالات الممنهجة على المصنفين أعلاه، إذ كان العدد الأكبر ( 193 عملية ) منها استهدف مدنيين إما كان لهم نشاط ثوري أو تعامل مع النظام أو لهم صلة بأعمال تهريب ومتاجرة بمواد ممنوعة “حشيش ومخدرات”، ومنهم من لم يتبين للمكتب عنه شيء أو عن خلفياته وقد يكون اغتياله بدافع انتقامي.
وفصَل مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران بين هذه العمليات وصنّفها على النحو السابق على أساس أن يسهم في تكشّف خيوط معظمها ومعرفة الجهة التي تقف خلف تنفيذها إلى حد ما، ونوّه مدير المكتب إلى أن عملية الاغتيال الواحدة قد تكون استهدفت شخصًا أو أكثر من شخص معًا.
من الحالات التي توصّل تجمع أحرار حوران لكشف تفاصيلها، عملية اغتيال الشيخ “علاء محمد الزوباني” إمام وخطيب إحدى مساجد بلدة اليادودة، والذي عمل سابقًا قاضيًا في محكمة دار العدل في حوران، والتي كانت مسؤولة عن تسيير الأمور القضائية في محافظة درعا خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة.
ووفق عنصر سابق في الجيش الحر من بلدة اليادودة، غربي درعا، وهو مطّلع على حيثيات اغتيال الزوباني في 25 شباط/فبراير 2019، إذ نفذ العملية ثلاثة أشخاص، اثنين منهم مسلحين أحدهما (رأفت النحاس) والثالث كان يراقب المنطقة، انتظروا خروج الزوباني من المسجد الواقع بقرب منزله في اليادودة، عقب صلاة العشاء، وأطلقوا النار عليه بمسدس مزوّد بكاتم صوت أسفر عن مقتله مباشرة.
وتعامل بعض أبناء اليادودة مع “النحاس” أحد قتلة الزوباني بسريّة تامة، بعد اعترافه بجريمته ومعاونيه عليها الذين تبين مغادرتهم من المحافظة لاحقًا، وهو من أبناء المنطقة ذاتها ويعرف بصيته السيء، وأوضح أن فرع المخابرات الجويّة هو من جنّده لقتل الزوباني الذي نشط بعد إجرائه التسوية في توعية الأهالي وحضهم على منع إرسال أبنائهم للجيش حتى لا يتم الزج بهم بمعارك الشمال وقتال أهلهم، إضافة لتوعيته بخصوص موضوع التشيّع، وكان وصله كتاب من وزارة الأوقاف بعزله من الخطابة في المساجد قبل اغتياله بفترة قصيرة.
وفي دليل آخر على استخدام أبناء حوران في عمليات الاغتيال، كان اعترف الشاب “ممدوح المفعلاني” في بلدته ناحتة في إحدى المساجد أثناء صلاة الجمعة في تشرين الأول/اكتوبر 2019، عن عمله لصالح فرع الأمن العسكري وتجنيده من قبل الفرع مع عدد من شبّان البلدة لتنفيذ مهامٍّ أمنيّة مقابل المال، مطالبًا أهالي بلدته حينها مسامحته وأخذ الحيطة والحذر.
ميليشيات محليّة لإثارة الفتنة
تجنّد الأفرع الأمنية بنظام الأسد العديد من الميليشيات المحليّة لتنفيذ مهام لصالحها في مناطق مختلفة من محافظة درعا، وهو أسلوب اتبعته الأفرع لضرب أبناء المحافظة ببعضهم البعض وفق ناشطون محليّون، وخاصة أنّ المنطقة تعرف بصبغة تركيبتها العشائرية.
وفي سعيه لخلط الأوراق وخلق حرب أهلية، لجأ النظام للعمليات الأمنيّة، وفقما حلل “أدهم الكراد” القيادي السابق في الجيش الحر، وذلك في سعيه لإطالة عمر الصراع فضلًا عن تصفية معارضيه، في ظل توقف الأعمال العسكرية بفعل الظروف الدولية، بحسب رأي الكراد.
وتمكّن أبناء مدينة درعا، بحسب “الكراد” عضو خلية الأزمة المشكّلة من قادة سابقين في صفوف “الحر” ووجهاء من مدينة درعا لتسيير أمور المدينة، الكشف عن خلايا أمنيّة تتبع لمكتب أمن الفرقة الرابعة والقبض على بعض من عناصر تلك الخلايا الذين ينحدرون من المدينة ذاتها ممن جنّدهم المكتب أو انضموا طواعية للأفرع الأمنيّة واستغلتهم لتنفيذ أجندتها، وهم من سيئي الصيت.
وكمثال عن الميليشيات المحليّة التي تستخدمها أفرع النظام للقيام بعمليات أمنيّة من أبرزها الاغتيال والخطف، مجموعتي مصطفى المسالمة الملقب “بالكسم” و وسيم المسالمة والذين يعملون لصالح فرع الأمن العسكري الذي يديره العميد لؤي العلي، وتعاون بعضهم مع ميليشيات إيرانية لتنفيذ مهمات أمنيّة توكِلها لهم، وفق مراسل تجمع أحرار حوران في درعا البلد.
وأكد المراسل أنّه ثبت تورّط المجموعتين في كثير من عمليات الخطف والاغتيالات وخاصة مجموعة “الكسم” المعروفة بصيتها السيء قبل التسويات حين كانوا متسترين بغطاء أحد فصائل الجيش الحر، ولعل أبرز عملياتها حادثة اختطاف الشابين الأخوين من درعا البلد، الذين أفرج عنهما في وقت لاحق فرع الأمن العسكري في السويداء وذلك بعد ضغوط شعبية وحالة غضب شهدها الشارع في المنطقة.
ويتخذ الكسم من حي سجنة في طرف درعا البلد مقرًا لمجموعته، وفي جمرك درعا القديم مقرّاً آخراً، ويشرف على العديد من الحواجز التابعة للأمن العسكري المحيطة بأحياء درعا البلد، وكان تعّرض، يوم الجمعة 3 من كانون الثاني 2020، لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة ركنت قرب دوار المصري أدت لإصابته بجراح نقل على إثرها لمستشفى درعا الوطني عقب اغتيال شقيقه بأسبوع ونصف ومقتله متأثرًا بجراحه.
وبالرغم من تأكد أهالي درعا من تورّط الكسم في عمليّات أمنيّة لصالح النظام، يبدو أنهم يتجنبون الصدام المباشر مع هكذا مجموعات حقنًا للدماء وتجنبًا لسيناريو يبحث عنه نظام الأسد بتجنيده لها وهو إثارة النعرات العشائرية والفتنة الأهليّة، مع أنّ العشائر في درعا البلد اجتمعت وأصدرت بيانًا أكدت تمسكها بلحمتها ببعضها ومحاربتها أي سبل للتفرقة بين أبناء المدينة.
على غرار مدينة درعا، تنشط في ريف درعا الغربي خلايا محليّة أكثر وعلى نطاق أوسع، وتشهد تلك المنطقة النسبة الأكبر من عمليات الاغتيال في المحافظة، منذ سيطرة نظام الأسد عليها، وذلك نتيجة التعقيد الأمني الذي تصبغ به تركيبة المنطقة، إذ تنتشر فيها معظم الأفرع الأمنيّة والميليشيات المحليّة مختلفة الانتماءات وتتعدد هناك دوافع الاغتيالات.
فلكل فرع أمني خلايا وميليشيات محليّة خاصة، إضافة لقسم حوض اليرموك الذي كان يخضع سابقًا لنفوذ فصائل مبايعة لتنظيم داعش، وهو ما استغلته الأفرع الأمنيّة في تجنيد العديد من الشبّان العاملين سابقًا في صفوف التنظيم مع إفراج نظام الأسد، مطلع تموز 2019، عن العشرات ممن اعتقلهم منهم في أواخر تموز 2018 خلال حملته للسيطرة على محافظة درعا بغطاء جوي روسي.
وإضافة لذلك اتبعت الأفرع الأمنيّة والميليشيات الإيرانية الأسلوب ذاته في تنشيط مجموعات محليّة لتنفيذ مهمّات أمنيّة أبرزها الاغتيالات بحق عناصر وقياديين سابقين في الجيش الحر ومدنيين لهم نشاطات ثورية سابقة، أو ممن يعملون بمواجهة المشروع الإيراني والتشيّع أو بتوعية الشبان وصدهم عن الالتحاق بصفوف قوات الأسد، وفق مصادر خاصة لتجمع أحرار حوران منتشرة في الريف الغربي.
ومن أبرز المجموعات “سيئة الصيت” أيضًا مجموعة ما يعرف بـ”الشيطان” في مدينة إنخل شمالي غربي محافظة درعا، وهو أمجد نور الدين الناصر كان يعمل سابقًا في إحدى فصائل الجيش الحر، وانضم بعد التسويات مع مجموعته لفرع المخابرات الجويّة كما يعمل لصالح حزب الله اللبناني، وفق أبو محمد الفراج (اسم مستعار) أحد أبناء المدينة والمتابع لأعمال المجموعة.
وتنفذ هذه الميليشيات العديد من الاعتقالات والاغتيالات في مدينة إنخل ومنطقة الجيدور بريف درعا الشمالي الغربي، ضمن مهمّات أمنيّة موكلة لها من المخابرات الجويّة والحزب، ويبلغ عددهم 20 عنصرًا يكنّ لهم أهالي المدينة الكراهية والحقد لمعرفتهم بماضيهم الأسود ويصفونهم “بالزعران”، كما تحدث الفراج.
الجهات المسؤولة
بناء على كمية المعلومات الهائلة التي توصلنا إليها من خلال البحث حول موضوع الاغتيالات ومن يقف خلفها، كل المعطيات كانت توصل إلى أن من يترأس هذه العمليات هي الأفرع الأمنيّة، التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام اللجان الشعبية من أبناء المحافظة للالتحاق بها دون النظر في خلفية المنتسبين السلوكية، وفق أدهم الكراد.
ولغرض حماية دمشق، تشكّل مكتب أمن الفرقة الرابعة منذ سيطرة نظام الأسد على محافظة درعا، كون لا وظيفة عملياتيّة له في الجنوب السوري، لكنه مع استقطاب أكثر من ألف وخمسمئة شاب من أبناء المحافظة، استغلهم بعض ضباط المكتب لتنفيذ مهمّات أمنيّة منها الاغتيالات، بحسب الكراد.
وعند اكتشاف أمرهم وفضح أعمالهم الأمنيّة، قامت جهات أخرى من داخل نظام الأسد بتغييب واعتقال عدد كبير منهم في السجون، وكمثال على ذلك، قالت مصادر خاصة لتجمع أحرار حوران، إنّ المقدم محمد العيسى من مكتب أمن “الرابعة” في درعا نقله نظام الأسد لدمشق بعد اكتشاف تورّطه في العديد من العمليّات الأمنيّة وتجنيد 22 شخص كميليشيات محليّة تنفذ الاغتيالات، تم اعتقالهم أيضًا.
ومن أبرز الشخصيّات التي كان لها دور كبير في الاغتيالات وتجنيد خلايا محليّة لتنفيذها، المتطوع في مكتب أمن الفرقة الرابعة “خالد حميد السالم” من مواليد دمشق، والذي نقل هو الآخر إلى العاصمة بعد اكتشاف تورّطه في التجنيد وقتله لأحد المغتربين عند عودته من خارج البلاد، وإدارة عمليات أمنيّة كانت تستهدف غالبًا من أجروا التسويات وانضموا للأفرع الأمنيّة كغطاء لهم، وفق مصادر التجمع التي تقصّت عنه ولهم نفوذ في الفرقة الرابعة بدرعا.
مصادر التجمع عللّت حصول الكثير من عمليات الاغتيال في سياق الصراع ما بين الأفرع الأمنيّة التابعة لنظام الأسد وانقسامهما بين تيارين، أحدهما يبحث عن التصعيد وهو الجانب الإيراني، بينما يسعى التيار الآخر “الروسي” لبقاء الجنوب هادئًا وتجنب صدام مباشر مع الشعب قد يؤدي لانفجاره.
وإحدى الجهات التي نفذت العديد من عمليات الاغتيال، مجموعات تطلق على نفسها اسم “المقاومة الشعبية” تشكلت عقب سيطرة نظام الأسد على محافظة درعا، لكن كانت جلّ أعمالها تستهدف الميليشيات الإيرانية ومواقع لقوات الأسد بهجمات نوعيّة، إضافة لقرابة 20 عملية اغتيال أعلنت مسؤوليتها عنها، على الرغم من الشكوك التي دارت حول تلك المجموعات وانتماءاتها وأهدافها، وذلك لأن هويتها وآلية عملها وأمور أخرى كثيرة مجهولة.
وأما عن فرعي المخابرات الجوية والعسكرية المسؤولين عن معظم عمليات الاغتيال في الجنوب السوري، وفق رأي ناشطون وقادة سابقون في الجيش الحر وحتى أهالي المنطقة، والتي تستهدف من رفضوا التسوية ومن واجهوا نظام الأسد والمشاريع الإيرانية في الجنوب السوري، إضافة لمن أجروا التسويات وانضموا لاحقا لتشكيلات نظام الأسد، بغرض إظهار بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بحالة الفلتان الأمني والتذرع بها لدخول المناطق عسكريًا وفرض سيطرتها عليها مجددًا.