درعا: مجزرة جمعة الغضب في صيدا.. تفاصيلها من الألف إلى الياء
تجمع أحرار حوران – يوسف المصلح
كان يومًا عاديًا كباقي الأيام منذ انطلاق الثورة السورية، غير أنه يختلف بالتسمية عن سابقه حيث أطلق عليه اسم يوم الغضب أو جمعة الغضب، وكعادة المتظاهرين الذين خرجوا لنصرة أهالي مدينة درعا التي فرض عليها النظام حصارًا جائرًا، خرج الآلاف من أهالي قرى وبلدات ريف درعا الشرقي لفك هذا الحصار عن المدينة التي ذاقت طعم الخوف والجوع، حاملين القليل من الخبز، القليل من الطعام، وحليب الأطفال.
بعد الخروج من صلاة الجمعة اجتمع أهالي قرى وبلدات ريف درعا الشرقي على مفترق للطرق في بلدة المسيفرة وكانت أعداد المتظاهرين قد وصلت إلى ما يقارب عشر آلاف، خرجوا كرجل واحد تجمعهم ذات المشاعر، وروابط الأخوة، ويجمعهم حب الوطن وحب العيش بكرامة، لنصرة المظلومين في درعا الذين لم يرتكبوا ذنبًا سوى المطالبة بأبسط الحقوق وهي “الحرية”، هذه الكلمة التي هزت أركان النظام وزبانيته، وأشعلت نار الكره والغضب داخلهم، واتجهت هذه الجموع إلى درعا مرورًا في بلدة صيدا إلى أن وصلت إلى أمام المساكن العسكرية ” مساكن الضباط” فيها.
وروى “رامي مقداد” عن قصته في هذا اليوم لتجمع أحرار حوران قائلًا: “وصلنا إلى المساكن العسكرية في بلدة صيدا والتي كانت خالية إلا من قوات النظام وكان أحد العساكر يشير لنا بيده بإعطاء الأمان، وسرنا بعدها إلى قدرنا، وما أن وصلنا الى مرمى هدفهم حتى خرجوا علينا لينهالوا بالرصاص حيث تعالت أصوات التكبير والتشهد وكان المنظر لا يصدق، سيل من البشر يتساقط واحد تلو الآخر، بقيت واقفًا في مكاني من هول المنظر لا أعي ما يحدث حولي”.
ويتابع حديثه قائلًا: “كانت الجثث منتشرة في كل مكان، وبدأنا بإسعاف المصابين، حملت رجلاً مصاب بقدمه إلى مجموعة من الشباب في قبو مقابل للمساكن العسكرية يضمدون جراحهم ويخبؤون أنفسهم من رصاص القّناصة، وبعد لحظات قررت الخروج لإنقاذ شخص آخر وعندها كانت رصاصة وحش غادر بالمرصاد، خرقت جسدي وخرجت من ظهري ورمتني جريحاً فاقد الوعي لبضعة ثواني، أحسست بسيخ من النار خرق جسدي، وتم إسعافي على دراجة نارية من أمام المساكن والرصاص ينهمر علينا”.
وفي شهادته عن المجزرة يقول “محمود المقداد” شاب من بلدة معربة بريف درعا الشرقي لتجمع أحرار حوران “كنت أتوارى خلف ساق شجرة زيتون أحمي بها رأسي وصدري، لكن رصاصة غادرة خرقت كتفي الأيسر واستقرت بجانب القلب، وبدأ دمي يسيل بغزارة، وبعد قليل هجمت قطعان الشبيحة باتجاه الأشجار وأرغمونا على الزحف باتجاه المساكن العسكرية وادخلونا إليها حيث بدأ الضرب والتعذيب فكان يتساقط الشهداء أمامي، ومع سقوط كل شهيد تقول شبيحة الأسد فطس كلب”.
اقرأ أيضًا.. مجزرة مساكن صيدا في 29 نيسان 2011 تاريخ كُتب بالدم “من المسؤول عنها.؟!”
ويضيف قائلًا “دون أي علاج، وبعد خمس ساعات بدأوا بترحيلنا ضمن باصات عسكرية قديمة واضعينا فوق بعضنا إلى المشفى العسكري في حي تشرين، حيث ادخلونا إلى المصعد وهبطوا بنا إلى القبو حيث توجد المشرحة، وهنا بدأ التحقيق والتعذيب، ووضعوا الشاش على عيوننا لمدة 22 يوماً، وكنا ممنوعين من النوم لكي يموت أكبر عدد منا، وكانت أعدادنا في تناقص كل يوم”.
وأكد المقداد “أنه هنا وفي هذا المكان قتل حمزة الخطيب، وثامر الشرعي والمئات من الشباب الذين كانوا معنا”، مشيًرا إلى أنّ أبرز المشرفين على تعذيبهم “كان الطبيب مفيد وعنصر في الأمن اسمه طلال”.
وتابع المقداد حديثه “بعد 22 يوم من التعذيب تم تحويلنا إلى فرع المزة للمخابرات الجوية، حيث كنا فرحين لأننا شاهدنا الضوء لأول مرة منذ اعتقالنا، ولكن لا ندري ماذا ينتظرنا هناك، حيث استمر الضرب والتعذيب في هذا الفرع لمدة شهرين وخمسة أيام، ومن ثم حوّلنا إلى سجن عذرا الذي قضينا فيه مدة ثلاثة شهور ومن ثم أطلقوا سراحنا بعد المرور بتجربة هي الأصعب في حياتي”.
يومٌ محفور في ذاكرة كل ثائرٍ من درعا، يومٌ ذرفت فيه حوران دموعها ونزفت الكثير من دمائها، ونامت معظم عائلاتها دون معرفة مصير أبنائها، هل هم أحياء أم معتقلين أم شهداء، 29 نيسان 2011 ذكرى كُتبت بالدم، ليرتقي بذلك اليوم نحو 120 شهيداً ويسقط مئات الجرحى من المتظاهرين السلميين.